الصراع بإقليم عفر الإثيوبي والتدخلات الإقليمية.. القصة الكاملة
صراعات قبلية بين قومية عفر في الإقليم، ومسلحين من إقليم الصومال الإثيوبي، زادت تعقيدات المشهد بعد تدخلات إقليمية
اندلعت العديد من الأحداث في إثيوبيا خلال الفترة الماضية، لعل أبرزها ما شهده إقليم الصومال الإثيوبي من توترات، أدت لاشتباكات أسفرت عن سقوط قتلى وانتهاكات أخرى.
الصراع والعنف في إقليم الصومال الإثيوبي المعروف بـ"أوغادين" اندلع بين مؤيدي حاكم الإقليم السابق، عبدي محمد عمر ايلي، والحكومة الفيدرالية، حيث قامت الأخيرة بإبعاد عبدي ايلي وسجنه، بتهم تتعلق بانتهاكات ضد حقوق الإنسان، وتعذيب مواطنين، حيث أدت الاشتباكات والعنف في الإقليم إلى نزوح وهجرة مئات المواطنين.
- وزيرة دفاع إثيوبيا تبحث مع رئيس جيبوتي ملفات الأمن والحدود
- إثيوبيا تصدر مذكرة توقيف بحق مدير جهاز الأمن السابق
أحداث إقليم أوغادين سبقها صراع عرقي بين إقليمي الأورومو والصومال الإثيوبي، أدى لمقتل عدد كبير من المسلحين والمدنيين في الإقليمين.
لم تنته تلك الصراعات، لكن سرعان ما امتدت إلى مناطق أخري، وعلى رأسها الأحداث التي شهدها إقليم عفر، شمال شرقي إثيوبيا.
أحداث إقليم عفر
تطورت الأحداث في الشرق الإثيوبي، بعد أن اندلعت صراعات قبلية بين قومية عفر في الإقليم، ومسلحين من إقليم الصومال الإثيوبي، وزادت تعقيدات المشهد بعد تدخلات من دول الجوار، حسب مصادر في الإقليم.
وأفادت المصادر بأن هنالك قوات جيبوتية تتواجد في المنطقة، دخلت لدعم المجموعات الصومالية المسلحة التي عملت على اختراق بعض المناطق في الإقليم.
ويرى الناشط السياسي، هلال العفري، أن الصراع القائم بين العفريين والمليشيات العيساوية المدعومة من النظام الجيبوتي في الإقليم العفري هو صراع قديم.
وقال في حديث لـ"العين الإخبارية": "الشعب العفري تصدى لمليشيات إرهابية حاولت قطع الطريق المؤدي إلى العاصمة أديس أبابا واحتلال الأراضي العفرية في كل من قدميتو، وعديتو، وعندا فعو عبر تهجير وترهيب السكان بقوة السلاح.
وبحسب الناشط العفري، فإن الهدف من هذا الصراع هو أن قبائل العيسى التي حصلت على "ستي زون" (منطقة محددة للإقامة) في الإقليم الصومالي تسعي إلي حلم أبعد من مجرد منطقة، وهو تحقيق إقليم خاص بالقبائل العيساوية ينفصل عن الإقليم الصومالي ويقتطع أجزاء من الأراضى العفرية علي ضفاف نهر أواش.
وتابع: لتحقيق هذا الهدف فكرت النخب العيساوية والحكومة الجيبوتية بتشكيل مليشيات مثل "جبهة تحرير العيسي" و"القورقا" التي يتزعمها حسن بوح، وهو عسكري سابق في الجيش الجيبوتي، لشن حرب شعواء على الأراضى العفرية للسيطرة عليها خاصة الطريق المؤدي إلى العاصمة أديس أبابا.
واعتبر الناشط العفري أن حدوث ذلك يعني الضغط على الحكومة المركزية الإثيوبية، عبر هذه الأراضي الاستراتيجية للإقليم العفري وللدولة الإثيوبية.
وتبدو الحالة في الإقليم غير مستقرة نسبيا؛ فحسب مراسل "العين الإخبارية"، أغلق العشرات الطريق العام في إقليم عفر، وهو ما دفع قوات الدفاع الإثيوبي للتدخل لفتح الطريق، مما أسفر عن وقوع اشتباكات بين قوات الأمن ومدنيين رفضوا فتح الطريق العام.
وقال عدد من الغاضبين ممن قاموا بقطع الطريق إن لهم مطالب يجب أن تصل لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
يشار إلى أن الطريق العام في إقليم عفر هو طريق يربط العاصمة أديس أبابا بعاصمة إقليم العفر سمرا ومنها إلي إريتريا ويتفرع لبعض المناطق شرقا وصولا لجيبوتي المجاورة.
الصراع وأحداث العنف في الإقليم قد تتحول حسب، متابعين للشأن الإثيوبي، إلى صراع قبلي أوسع، خاصة بعد دخول مجموعات من قبائل العيسى الصومالية الجيبوتية إلى الإقليم لدعم الموالين لها من نفس العرقية.
أهمية العفر
تعتبر قومية عفر من القوميات التي لها تداخل في عدة دول وذلك فيما يسمي بمثلث العفر والتي تمتد في ثلاث دول هي إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا، لكن العدد الأكبر من هذه القومية يوجد في إثيوبيا.
وتعتبر مناطق عفر من أكثر المناطق التي بها وجهات سياحية، منها طملاحات دالول" و"منخفضات الدناكل"، وكلاهما يضمان مجموعة من أجمل المناظر الطبيعية.
ويطل الإقليم في الحدود الشرقية وله حدود مترتبطة مع كل من إريتريا وجيبوتي، وهو رابط لمختلف المناطق الشرقية والأقاليم الإثيوبية.
وتقدر بعض الإحصائيات تعداد العفر بنحو 5 ملايين نسمة أو يزيد؛ حيث يشكلون نحو 50% من إجمالي تعداد جيبوتي، ونحو 10% من سكان إريتريا، ونحو 4% من سكان إثيوبيا.
ويتمتع إقليم عفر الإثيوبي بحكم شبه ذاتي، ويتبع الكونفيدرالية الإثيوبية المكونة من 9 أقاليم، والتي بدأت الحكم الفيدرالي بعد سقوط نظام منغستو هايلي ماريام، عام 1991.
جهود التسوية السياسية
يقول الناشط هلال العفري: "بعد حسم العفر المعركة لصالحهم وبسط السيطرة علي مناطقهم بدأ الحراك السياسي لحل الأزمة قانونيا، وجري الحوار بين حكومة الإقليم عفر والإقليم الصومالي برعاية الحكومة المركزية الإثيوبية في أديس أبابا".
واستدرك: لكن حتي الآن لم يخرج بيان رسمي غير التسريبات التي تقول إن المسألة قانونيا حسمت لصالح العفر كما كان متوقعا.
بدوره يرى الإعلامي العفري شفا أن المنطقة تشهد صراعا وحراكا كبيرا، خاصة أن للعفريين مطالب بخصوص إعادة الأمن الخاص بالإقليم.
ويرى شفا، في حديث لـ"العين الإخبارية" أن الأمن الخاص (عبارة عن مسلحين من الإقليم نفسه) يدافع عن الإقليم ضد أي تدخل، ولكن هنالك مطالب قدمت للحكومة الفيدرالية، وهذا هو السبب وراء أحداث قطع وتعطيل الطريق العام الذي يربط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وجيبوتي.
كانت زيارة وزيرة الدفاع في الحكومة الإثيوبية، المهندسة عائشة محمد قامت بزيارة رسمية، الجمعة، إلى جيبوتي برفقة مدير جهاز المخابرات الفريق آدم محمد، بتوجيه من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
الزيارة عكست العديد من الدلالات، حسب مراقبين، لعل أبرزها رغبة الجانبين، إثيوبيا وجيبوتي في الوصول إلى تسوية سياسية تنهي الصراع في إقليم العفر.
جاءت الزيارة على خلفية توترات بالمناطق الحدودية بين إقليمي عفر والصومال الإثيوبيين مع دولة جيبوتي، التي شهدت هجمات عرقية تصاعدت حدتها إثر دخول مجموعات خارجية رفعت حدة النزاع، ما دفع وزيرة دفاع إثيوبيا ومدير جهاز الأمن والمخابرات إلى زيارة جيبوتي لمنع أي أزمة قد تنشب بين البلدين.
وأكدت مصادر مقربة من الحكومة الجيبوتية أن الوفد يحمل ملفات متعددة منها العلاقات الثنائية ورسالة من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لاحتواء هذه الأزمة، خاصة أن قبائل العفر هي قبائل مشتركة ما بين إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا.
وحملت التحولات السياسية غير المسبوقة التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي، عقب عودة العلاقات الإثيوبية الإريترية الكثير من التطورات إزاء العلاقات الجيبوتية–الإثيوبية، التي كان ينظر إليها دائماً على أنها "علاقات استراتيجية راسخة" تمثل نموذجا لبقية الدول الأفريقية.
ويرى مراقبون في المنطقة أن هناك حالة من الفتور بين جيبوتي وإثيوبيا، وذلك على خلفية التقارب الإثيوبي الإريتري المفاجئ، الذي أثار بدوره قلقا عميقا لدى حكومة جيبوتي، باعتباره يشكل تهديدا مباشرا لمصالحها الاقتصادية.
وظلت إثيوبيا تعتمد على موانئ جيبوتي، بنسبة 90% من الصادرات والواردات من وإلى إثيوبيا، قبل أن تشكل عودة العلاقات الإثيوبية الإريترية منفذا آخر تسعى منه خلاله إثيوبيا إلى الاستفادة منه في تنويع منافذها البحرية مع دول الجوار.
وأعلنت الخارجية الإثيوبية، سبتمبر/أيلول الماضي، قبول جيبوتي وساطة أديس أبابا لإعادة العلاقات مع إريتريا.