ما يريده الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب هو إعادة إيران إلى حدودها، ودفعها نحو الاهتمام بشؤون شعبها الذي يعاني من انتهازية.
منذ انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018، أصبح الاتفاق النووي الإيراني بحكم الميت سريرياً، بقية الدول الموقعة عليه لا تستطيع إكماله ولا التخلي عنه، لذا تعيش أزمة لا يمكن أن تنتهي إلا بواحد من حلين، الأول هو عودة أمريكا عن قرارها، والثاني إقرار الصين وروسيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا بأن الصفقة مع إيران لم تكن عادلة، ولا كفيلة بوقف خطر الخمينيين على جوارهم والعالم.
أمن ومصالح دول المنطقة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في أي اتفاق دولي الطابع مع إيران، ليس رفاهية وإنما واقعية ومنطقية، فالخشية على الأمن والسلم الدوليين لا تعني فقط منع طهران من امتلاك سلاح نووي، وإنما أي سلاح يبقي كامل الشرق الأوسط على حافة الحرب دوماً، بالإضافة إلى ردع ميليشيات الولي الفقيه، ورفع الوصاية الخمينية عن القرار السياسي لأربع عواصم عربية.
هذا هو موقف الإدارة الأمريكية الحالية من الاتفاق المأزوم الذي تورط به العالم مع إيران، على عكس إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الذي سعى إلى مصلحة شخصية وحزبية ضيقة في الاتفاق مع طهران، كما اعتقد أن الإسلام السياسي يصلح لإدارة شؤون البلاد والعباد في الشرق الأوسط والعالم العربي، ولكن سنوات قليلة فقط كانت كافية لإثبات فشل رؤيته وسياساته تجاه المنطقة.
ما يريده الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب هو إعادة إيران إلى حدودها، ودفعها نحو الاهتمام بشؤون شعبها الذي يعاني من انتهازية وعدوانية وأنانية الخمينيين منذ عقود طويلة، ولا يبدو هذا السعي مجحفا بحق أحد في المنطقة، ولا أظن أن الدول العربية المقيدة بسلاسل خامنئي والحرس الثوري الإيراني، سترفض استرداد سيادتها والتمتع باستقلالية القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
المشكلة تكمن في الأوروبيين وبقية الدول الموقعة على الاتفاق، فهي لا تريد الاعتراف بحقيقة أن إيران بوضعها الحالي ومن دون سلاح نووي تهدد الأمن والسلم الدوليين، والحقيقة الأخرى هي أن الاتفاق الذي أبرمته طهران مع الدول الست الكبرى ما كان ليوقف مساعي الخمينيين نحو امتلاك سلاح نووي، لم يكن الأمر بالنسبة لهم سوى وقتاً مستقطعاً لالتقاط الأنفاس وتجميع الموارد المالية والتقنية.
الأوروبيون لا يستطيعون السكوت عن ذلك، لا يمكنهم عرض خدماتهم الاقتصادية والمالية والعسكرية على طهران بدلاً من الولايات المتحدة، لا يستطيعون ذلك، ولن يغامروا بعلاقتهم مع أمريكا لعيون إيران، وإن تجرأت الحكومات على ذلك، فالشركات الأوروبية الكبرى التي يمكن أن تزود الخمينيين بالمال والسلاح والغذاء وغيره من السلع الاستراتيجية، لن تضع نفسها أمام العقوبات الأمريكية.
إذن ما يفعله الأوروبيون هو مجرد مكابرة عبثية على حقيقتين واضحتين، الحقيقة الأولى التي تقول إن خطر إيران لم ينته بتوقيعها الاتفاق النووي عام 2015، والثانية هي أن بريطانيا وألمانيا وفرنسا مجتمعين لا يمكن أن يلعبوا دور الولايات المتحدة سواء في ضبط سلوك إيران بالمنطقة، أو في إدارة أزمات الشرق الأوسط.
الاعتماد الأوروبي على أمريكا واضح حتى في حماية الحدود، والعلاقات المتشابكة والمعقدة بين واشنطن والعواصم الأوروبية لعقود طويلة تقول إن لندن وباريس وبرلين سيملون الدفاع عن إيران واتفاقها النووي، وخاصة إذا ما فاز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية، وأدرك الجميع أن ما بدأه ترامب عام 2018 قد يستمر لأربع سنوات جديدة، ولا ضمانات بأن تكون النهاية سعيدة لأحد.
لا يحتاج الأوروبيون دليلاً على أهمية تحالفهم مع أمريكا، ولم يعد يحتاجون أيضاً إلى مزيد من الأدلة بشأن عدم التزام إيران بالاتفاق نووي، أو بأمن الشرق الأوسط، أو بالملاحة الدولية عبر الخليج العربي، وإن كانت بعض العواصم الأوروبية تكابر بأخيلة و أوهام سطوة لها على طهران.
مواسم الدفاع الأوروبي عن إيران تقترب من نهاياتها، وما استدعاء فرنسا وبريطانيا وألمانيا لسفراء إيران لديها احتجاجاً على تردي حقوق الإنسان عند الخمينيين، إلا رسائل تحذير باقتراب نهاية صداقة جمعت الدول الثلاث بطهران بعد اتفاق 2015، ليس فقط لأن الانتخابات الأمريكية اقتربت وارتفع احتمال بقاء ترامب في السلطة، وإنما لأن نظام الولي الفقيه أدار ظهره للأوروبيين عن عمد.
لم يهنأ الموقعون على الاتفاق المأزوم منذ انسحاب واشنطن منه عام 2018، ولكن الأوروبيين كانوا الأكثر تضررا، لم يستطيعوا إقناع الولايات المتحدة بالعدول عن رأيها، ولا التوسط بينها وبين إيران، كذلك لم يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم في الاتفاق تجاه طهران، ولا إجبارها على تطبيق بنود الاتفاق، ولا منعها أيضا من التقارب مع دول أخرى وتفضيلها التعامل معها على كل المستويات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة