قرار إيقاف التوظيف في السودان بين العدالة والتمكين.. هل ينجح؟
على نحو مفاجئ، وجه رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك بإيقاف التعيينات والإعفاءات في الخدمة العامة ومراجعة القرارات التي تمت بالفترة الماضية.
قرارات حمدوك لاقت ترحيباً من قطاعات سودانية، بينما اعتبرها خبراء اقتصاديون ونقابيون خطوة مهمة تمهد لتحقيق العدالة في التوظيف لمواطني البلاد بعد أن شهدت الفترة الماضية تعيين سياسي "تمكين" في الخدمة العامة.
وأبدى البعض مخاوف من تأثير الإجراءات سلباً على معدلات البطالة المرتفعة في السودان، لكن وزيرة في الحكومة المنحلة أكدت أن القرار مؤقت ويأتي لوقف عودة عناصر الإخوان لمؤسسات الدولة وسوف تذهب تلك الوظائف لمستحقيها.
- السودان يزرع الإصلاح ويفوّت "الثمرات".. الاقتصاد "يترنح" بلا دعم دولي
- بعد أحداث 25 أكتوبر.. الضبابية تحيط بمصير ديون السودان
وفور صدور قرار حمدوك تداولت وسائل إعلامية مستندا يتضمن أمرا دستوريا من مجلس السيادة ينص على أن كل القرارات التي اتخذها قائد الجيش عندما تولى سلطات مجلسي الوزراء والسيادة الانتقاليين، تظل سارية وصحيحة ما لم تلغ أو تعدل من المجلس التشريعي، وهو ما جعل البعض يستبعد إمكانية طرد الفلول الذين تم تعيينهم مؤخراً.
دوافع حمدوك للعودة
وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية في الحكومة الانتقالية المحلولة، تيسيير النوراني قالت إن التعيينات والإعفاءات التي تمت عقب قرارات قائد الجيش في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت أحد أهم دوافع الدكتور عبدالله حمدوك للعودة إلى رئاسة الوزراء لقطع الطريق أمام عودة عناصر تنظيم الإخوان لمؤسسات الدولة.
وكشفت النوراني، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن قائد الجيش قام بفصل 860 من الخدمة العامة بينهم وظائف قيادية في السفارات والمصارف ومؤسسات حيوية في الدولة، وإحلال آخرين مكانهم بينهم عناصر إخوانية معروفة، واصفة الأمر بـ"المجزرة".
وأشارت الوزيرة السابقة أن قرارات الدكتور حمدوك لن يكون لها مردود سلبي على معدل البطالة في البلاد كونها مرتبطة بفترة زمنية محددة ومؤقتة، لافتة إلى أن هذه الفرص سيتم طرحها للسودانيين بعدالة وستذهب لمن يستحقها وهو أمر إيجابي.
ويبلغ عدد العاملين في الخدمة المدنية العامة (الحكومية) 2.5 مليون شخص، ويتجاوز معدل البطالة 65% في السودان، وفق وزيرة العمل المعزولة.
معالجة الخلل
بدوره، وصف الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير قرار رئيس الوزراء بأنه إجراء سليم وضروري، فكان لزاماً إيقاف ومراجعة الوظائف العامة بالدولة لاستشكاف أماكن الخلل ومعالجتها.
ويقول الناير، في حديثه لـ"العين الإخبارية": "هذا الإجراء سيعطي الدولة فرصة لمعرفة الوظائف الشاغرة في المؤسسات العامة، وطرحها للسودانيين عبر القنوات الرسمية سواء مفوضية الاختيار أو غيرها ليتنافسوا عليها بصورة عادلة".
ونبه الخبير الاقتصادي إلى أن مراجعة الوظائف جاء في وقت تعكف فيه الدولة على إعداد الموازنة العامة والتي سوف يكون بين تحدياتها الأجور الضعيفة للعاملين في الخدمة الحكومية والتي تغطي 15% فقط من احتياجاتهم، بحسب أحدث البيانات.
وقال "إذاً القرار يأتي في إطار ترتيب الأوضاع لتحسين الأجور في الموازنة القادمة وطرح وظائف جديدة للسودانيين وهو أمر جيد يصب في المصلحة الكلية".
لكن النقابي السوداني، محمد علي خوجلي اعتبر أن قرار رئيس الوزراء ليس له علاقة بقضايا التشغيل على وجه العموم، وإنما يرتبط بمسألة التمكين السياسي وهو تهمة تتبادلها الأطراف في المشهد.
وأكد خوجلي في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن القرار لن يكون له تأثير على معدل البطالة لعدم وجود وظائف مطروحة أصلاً توقفت بسبب توجيهات رئيس الوزراء الصادرة اليوم.
وأشار إلى أن مراجعة الإعفاءات والتعيينات بالخدمة العامة يجب ألا تنحصر في الفترة التي أعقبت انقلاب الجيش في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بل تمتد لتشمل كافة مدة السلطة الانتقالية التي تخللها "تمكين" وعدم عدالة في توزيع الفرص وهو سبب المشكلة الحالية.
وتابع: "القضية الأساسية هي عدم العدالة في توزيع فرص العمل في الخدمة المدنية واستبدال تمكين بتكمين جديد وعدم الإعلان عن الوظائف خلال فترة الحكم الإنتقالي، فقرار حمدوك ليس له قيمة طالما النهج غير العادل قائماً".
وكان قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، قرر في يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حل مجلسي السيادة والوزراء وفرض الطوارئ في البلاد وأجرى تعينات وإعفاءات واسعة بمؤسسات الدولة خلال الفترة الماضية.
وباشر حمدوك مهامه رسميا يوم الأحد، إثر اتفاق سياسي وقعه مع الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان قضى بعودته إلى منصبه رئيسا للوزراء.