قد يقرأ البعض معرض إكسبو اقتصاديا باعتباره محفلا استثماريا عالميا.. وهو بالفعل كذلك.
وقد يقرؤه البعض سياسيا باعتباره دليلا على استقرار وأمن وأمان البلد، الذي تستضيفه.. وهو كذلك أيضا.
قد يُقرأ "إكسبو" إذاً من جهات وزوايا كثيرة، لكن الجهة التي أراها أهم هي جهة الأخلاق، فقيمة استضافة الإمارات معرض "إكسبو" الدولي تتخطى المعنَيين الاقتصادي والسياسي، وهو ما يجعل المنظومة الأخلاقية للدولة هي التي تقود الحدث قبل أي منظومة أخرى بها، ولا عجب في ذلك، فالدول، باعتبارها مؤسسات تضبط العلاقة بين أفراد الشعب، تشبه عضويا الطبيعة البشرية، التي تحكمها منظومة قيم تضبط السلوك لتجعله راشدا.
وكثيرا ما عرف التاريخ دولة بلغت من القوة حكمت بها العالم، ورغم ذلك زالت.. وأخرى بلغت من الثراء ما سيطرت به على الأرض.. لكنها زالت، ورأينا دولاً على الضفة الأخرى من هذا وذاك، تمسكت بأخلاقها وقيمها فبقيت وعاشت وأثّرت.. ومن نوعية هذه الدول كانت الإمارات.
فحين تجتمع 192 دولة على أرض الإمارات في وقت واحد، ومع كل دولة جاءت ثقافة أو ثقافات، ولغة أو لغات، وأجندات اهتمام مختلفة، ومعها ما يقترب من 30 مليون زائر.. فإن إدارة حدث كهذا لا تتطلب فقط قدرات تنظيمية ولوجستية واقتصادية وسياسية وثقافية، بل تتطلب قدرات شاملة عبر منظومة قيم وأخلاق راسخة تستوعب كل مختلف وتهضم كل جديد وتتفاعل معه دون شعور بالفرقة أو الغرابة.
التاريخ البشري مليء بنماذج توهمت أنها ستُخلّد بقوتها العسكرية مثلا، كالنموذج النازي، الذي حاول زعيمه هتلر احتلال العالم وتدميره عبر كل ما هو غير أخلاقي، حتى لقي مصيره الطبيعي بسقوط وهمه، ومن ثمّ انتحر.
في المقابل، هناك نموذج دولة كالصين، انتمت أصلا لمشروع فكري وأخلاقي عظيم قاده "كونفوشيوس"، الأب الروحى للصينيين، والذي عاش قبل أكثر من 2500 سنة، وترك لهم من القيم والمبادئ الأخلاقية، التي جعلتهم متماسكين وأقوياء حتى الآن، وحدد لهم عبر تعاليمه كيف يتعاملون ويتعاونون، وهنا نتذكر مقولته التي تؤسس لعلاقة الحاكم بشعبه، حين قال: "إذا قصّر الإمبراطور وأخفق في التمسك بالأخلاق ورفعتها فإنه يكون قد تخلى عن حقه في الحكم".
لقد علّم "كونفوشيوس" شعبه إذاً أن هناك شرعية أكثر تأثيرا، هي شرعية أخلاق الدولة.
من النموذجين السابقين نرى أن الصينيين، أحفاد كونفوشيوس، حققوا ما جعلهم مؤثرين في العالم حتى يومنا هذا، فيما تبرأ الألمان من نموذج هتلر ونازيته.
يقول المفكر العربي الكبير محمد عابد الجابري، صاحب موسوعة "نقد العقل العربي"، إن منظومة القيم لدى الدولة العربية عاشت تناقضا لفترات طويلة بسبب تأثرها بموروثات دخيلة عليها.
على الجانب الآخر، هناك موروث أخلاقي اختارته كثير من الدول الراشدة، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو النموذج المتمثل في دولة المدينة وإعلاء قيم الأخلاق، لذا ليس مستغربا أن تؤسس الإمارات وزارة للسعادة تكون وظيفتها تحويل منتج القيم إلى حالة رضا ورفاهية ملموسة.
كان نتيجة هذه المنظومة الأخلاقية في الإمارات أن تصدّر شعبها شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤشر السعادة العالمي، وسبق أيضا شعوب دول متقدمة كفرنسا واليابان وإسبانيا، والأمر نفسه حصل في مؤشرات التسامح، التي جاءت الإمارات فيها بالمركز الأول إقليميا والثالث عالميا.
ولعل المتتبع للسياسة الخارجية الإماراتية يرى أنها تؤكد الفكرة، التي زرعها مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وهي فكرة العطاء والمنح، وهي تتجاوز مفهوم "صفر مشكلات"، إذ تسهم الدولة عبر هذه الفكرة في حل أزمات القريب والبعيد المحتاج، دون تفرقة أو تمييز، تماما كما تفعل الإمارات مع دول العالم التي تتعرض لصنوف مختلفة من الأزمات.
لقد استطاعت دول ترفع شعار القيم والخير للجميع، مثل الإمارات، أن تصبح قبلة لجميع شعوب العالم، تعيش لخدمة البشرية عبر مشوارها التنموي والسياسي، ولنا في "إكسبو دبي" دليل دامغ ومثال حي لما يجنيه شعب دولة كالإمارات من انفتاح على العالم ورفاهية وتفكير في المستقبل، فيما دول أخرى لا تزال تكسر القيم الأخلاقية داخل حدودها وتنشر الشر عبر أذرعها في بلدان الآخرين وتدخل حروبا عبثية مع العالم، لا تزال تخسر، وشعوبها ستظل تدفع الثمن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة