قد تضحك أحيانًا، وتبدو سعيدًا أمام الجميع، لكن داخلك يحترق.
وتأتيك لحظة يُخيل إليك أن حبة صغيرة، أو سيجارة، أو جرعة من شيءٍ ما، قادرة أن تمسح كل آلامك وتزيح همومك، وتمنحك راحة فورية. فتضحك. لكنها ضحكة مزيفة، لحظة نشوة وهمية، قد يكون ثمنها عمرك، أو عقلك، أو من تحب، أو حتى وطنك.
نشرت صحيفة ذا غارديان قصة "توم"، شاب في مقتبل العمر تناول مادة تذهب العقل هربًا من أزمة عاطفية، فظن أنه يطير، وألقى بنفسه من الطابق الثالث. نجا من الموت، لكنه لم ينجُ من الشلل، وظلّ بقية عمره قعيدًا، يتمنّى لو عاد به الزمن لحظة واحدة. وفي بلد آخر، شاب آخر تعاطى حبوبًا منشطة في لحظة اكتئاب مما أفقده السيطرة على أعصابه وهاجم والديه بلا وعي ولا إدراك و صرخ في التحقيق: "أنا ما كنت واعي!". كلاهما أراد الهروب للحظات، لكنها "لحظات" زائفة، قرارات خاطئة، ونهايات مأساوية. هذين مثالين من أمثلة كثيرة لآفة تكاد أن تسيطرعلى مجتمعنا مستهدفة أجيالا شابة يتأمل منها النهوض والحفاظ على المكتسبات والوطن الغالي.
متى كانت السعادة الحقيقية في تغييب العقل؟! فكل فرح يُسرق من الواقع، يعود إليك ككابوس. فالسعادة لا تأتي من الخارج ولطالما نبعت من داخل الإنسان. والسعادة لا تُبتلع في حبة، ولا تُحقن في عرق. حيث قال الله – عز وجل -: " وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" [البقرة:195]. فالفرار من الألم لايكون بما يقودك للهلاك. فكل لذة مغشوشة، يقف خلفها وجع. وكل سعادة ملوّثة بالحرام، نهايتها ندم أو عدم.
صاحبك مرآتك… فاخترها ناصعة
حين تضعف، وتضيق بك الحياة، هناك من يكون لك طوق نجاة، لا خيبة أمل. لا تبحث عمّن يزين لك الوهم، بل تمسّك بمن يصارحك، حتى لو جرحتك كلماته الصادقة. حيث قال رسولنا الكريم ﷺ: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" (رواه الترمذي). هي كلمات تنبض بالحق، فخليلك مرآتك، فإن كانت صافية، أظهرت عيوبك لتصلحها، وإن كانت مزيفة، خدعتك حتى تسقط دون أن تدري. فاحذر من رفيق يسحبك نحو الهاوية وهو يبتسم، وامنح قلبك لمن يدفعك نحو النور وإن شدّك من ظلامك بقوة. فالصديق الصادق، في لحظة ضعفك، هو أمانك ونجاتك. وتذكر دوما في كل لحظة عشتها منذ نعومة أظفارك بأن هناك من أحبّك من قلبه ودفعك للأمام، لا ليوقفك، بل ليصنع منك شيئًا عظيمًا.
رسالة إلى أبنائنا وبناتنا
واعلم يا "بُني" ويا "ابنَتي" أن الضعف ليس عيبًا، بل فطرة بشرية، لكن الهروب نحو الظلام هو الخطر القاتل. وتذكّروا بأن لكل همٍّ مخرجًا، ولكل حزن نهاية. حيث قال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجًا. ويرزقه من حيث لا يحتسب." [الطلاق: 2–3]. فلا تنخدعوا بضحكة زائفة تعقبها خسارة مستقبلكم. لا تنخدعوا يا "فلذات الأكباد" بزيف الملهيات، فهي لا تساوي أعماركم. ستقسوا عليكم الحياة أحيانًا، ستختبركم، وقد تُوجعكم. لكن لا تسمحوا لضحكة مؤقتة، أو لحظة “نشوة كاذبة”، أن تسرق منكم حاضركم ومستقبلكم. ولا تتركوا لحظة ألم، تدفعك لاختيار قد تندمون عليه العمر كله. تذكّروا يا ركيزة هذا الوطن بأن النور لا يولد من ظلام، والسعادة لا تُبنى على الهروب. وإن ضاقت بكم الدنيا، فباب الله لا يُغلق، وأن الحب الحقيقي ينتظركم في قلوب أسركم، والعزة والرفعة تنتظركم في وطنكم، والفرج في صلاتكم وصبركم وعزيمتكم ومساهمتكم في بناء بلدكم.
رسالة إلى الآباء والأمهات
كونوا الحصن لا السياج لأبنائكم وبناتكم. كونوا الأذن الصاغية التي تسمع لا اللسان الذي يحكم ويجلد. واغرسوا في قلوبهم محبة الله ومخافته، وذكّروهم بقيمنا الأصيلة وعاداتنا الإماراتية التي زرعها فينا الأجداء والآباء وحرص عليها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - وإخوانه من الآباء المؤسسين الذين راهنوا على الاستثمار في الإنسان الإماراتي كركيزة أساسية للتقدم والازدهار لدولتنا الحبيبة. فأبناؤكم أمانة. فلنكن لهم السند والوقاية قبل أن يُصبح العلاج أمنيةً متأخرة.
نداء وطني
نتذكّر جميعًا تلك الحملات الوطنية التي كانت تجوب شوارعنا ومدارسنا تحت شعار “لا للمخدرات”، حيث توحّدت الجهود، وأثمرت التوعية أثرًا عميقًا في حماية أبنائنا من الانزلاق في مستنقعات الآفات الدخيلة. لقد ترجمت تلك الحملات التوعوية توجيهات القيادة وحرصها على سلامة المجتمع.
وطننا يئن بصمت تحت وطأة حرب ناعمة خفية لا تُطلق فيها رصاصة، لكنها تستهدف أثمن ما نملك: عقول شبابنا وأرواحهم. عادت هذه الآفة تتسلّل في صمت، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبأسماء مزيّفة، وممارسات مدمّرة، تقود أبناءنا إلى الهاوية. وإننا اليوم نتوجه بنداء عاجل إلى كل من يهمه الأمر لتوحيد الجهود ووضع بصماتهم المباركة لتعيد لهذه الأرض نبض الأمان، وتغرس في أبنائنا بذور الحصانة والمعرفة. وإليكم بعض المقترحات العملية لإعادة إحياء هذه الحملات:
1. إطلاق حملة إعلامية وطنية متكاملة بعنوان “وعيك حصنك”، تتوزع عبر التلفاز، والمنصات الرقمية، ولوحات الطرق، تُبثّ فيها رسائل قصيرة مؤثرة تستهدف الفئات العمرية المختلفة، وخصوصا الشباب.
2. تفعيل دور المدارس والجامعات من خلال تخصيص أيام توعوية شهرية، تتضمن ورشًا تفاعلية ومسابقات إبداعية تحفّز التفكير الواعي والمناعة الفكرية.
3. إنتاج محتوى درامي قصير موجه عبر منصات التواصل الاجتماعي يعرض قصصًا واقعية لشباب قاوموا هذه الآفات وانتصروا على أضرارها.
4. تطوير تطبيق وطني تفاعلي يوفر المعلومة، والاستشارة السريعة، والإبلاغ عن كل من تسول له نفسه المساس بسمعة وأمن الوطن والمواطنين. حيث يوفر هذا التطبيق الدعم اللازم والتوعية المطلوبة لأولياء الأمور للكشف مبكرا عن السلوكيات المريبة في منازلهم.
ورسالتي الأخيرة في هذا المقال مفادها: "إن الوقاية من هذه الآفات لم تعد رفاهية ولا اختيارا، بل ضرورة وطنية لحماية أجيال المستقبل".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة