خبير استخبارات فرنسي لـ"العين الإخبارية": التاريخ سيثبت أن أزمة أوكرانيا متعمدة
قال: لا تخافوا من الحرب النووية .. وهذه حقيقة الانسحاب الروسي
قال إريك دينيسيه رئيس المركز الفرنسي لأبحاث الاستخبارات "سي.إف2إر" إنه في السنوات القادمة سيثبت التاريخ أن الأزمة الأوكرانية كانت متعمدة..
واستبعد دينيسيه وهو ضابط سابق بالمخابرات العسكرية الفرنسية، في حديث لـ"العين الإخبارية" إمكانية إندلاع حرب نووية على خلفية العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، قائلا "لا توجد احتمالية اندلاع حرب نووية، لا موسكو ولا واشنطن تريدان ذلك".
وحذر الخبير الفرنسي من خطر قيام كييف بأفعال متهورة لإشعال الصراع، مشيرا إلى أن روسيا والولايات المتحدة لديهما يقظة تجاه مخاطر انزلاق النظام الأوكراني، الذي لا يمكن السيطرة عليه، إلى أي حرب نووية.
وأشار إلى أن موسكو منذ بداية الأزمة لم تهدد أي دولة بضربة نووية، معتبرا أن تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، جاءت ردا على بعض التصريحات الغربية مثل خطاب وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان قبل أن يترك منصبه، والمناورات العسكرية الأمريكية لطائرات من طراز "بي-52" من القاعدة المتمركزة في بريطانيا، منذ يناير /كانون الثاني الماضي، بتحليق الطائرات من مرتين إلى ثلاثة أسبوعياً للطيران في أقرب مكان ممكن من الحدود مع روسيا وبيلاروسيا.
وقال دينيسيه إن "الطائرات من ذلك الطراز هي جزء من الأسطول الجوي الاستراتيجي الأمريكي القادر على إيصال أسلحة نووية، وكان من المشروع أن ترد موسكو بالقول إنها تمتلك أسلحة نووية أيضا".
واعتبر أن تصريحات منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بأن أوروبا ستعلن حربًا لا هوادة فيها على روسيا إذا قامت بضربة نووية في أوكرانيا، هي "مثيرة للضحك".
سيطرة أمريكية على الاتحاد الأوروبي
دينيسيه، الحاصل على جائزة مؤسسة دراسات الدفاع (FED) عام 1996 وجائزة أكروبوليس 2009 (معهد الدراسات المتقدمة في الأمن الداخلي)، انتقد قادة اتحاد أوروبي مؤكدا أنهم واقعون تحت السيطرة الأمريكية، كما أنه لا توجد لديهم أية وسائل عسكرية.
وقال: "على الرغم من الخطاب الغربي المفصل للغاية الذي تم بناؤه لإقناع الرأي العام بمسؤولية موسكو وحدها عن هذا الصراع، فإن المسؤوليات مشتركة على نطاق واسع بين روسيا وأوكرانيا".
وأضاف أنه "إذا كانت الولايات المتحدة قد احترمت التزاماتها التي قطعتها في نهاية الحرب الباردة (عدم تمديد حلف شمال الأطلسي "ناتو" إلى الشرق)، وإذا لم يسع الأوكرانيون لحل مشكلة دونباس بالقوة، فكان من المحتمل ألا تستخدم روسيا القوة".
الخبير الفرنسي تابع قائلا إنه "علاوة على ذلك، بالنظر إلى المبالغ الفلكية التي يدفعها الغرب لكييف حتى تواصل حربها بدلاً من التفاوض، وصفقات الأسلحة والذخيرة العديدة التي تتلقاها أوكرانيا، فإنني أميل إلى القول أن الناتو هو الذي يؤجج الحرب أكثر من روسيا".
خيرسون.. تراجع استراتيجي
وتطرق الضابط السابق بالمخابرات العسكرية الفرنسية إلى الانسحاب الروسي من خيرسون، معتبرا أنه من الصعب تقييمه في الوقت الحالي، مضيفا أنه "يجب دراسة جميع الفرضيات، كما أن الجيش الروسي بعيد كل البعد عن إراقة الدماء، ويمكنه مواصلة القتال لفترة طويلة".
- روسيا تغادر خيرسون.. فرحة أوكرانية وإشادة أمريكية بـ"نصر استثنائي"
- روسيا وأوكرانيا و"المعركة الفاصلة".. لماذا خيرسون؟
ورجح دينيسيه نظرية التراجع الاستراتيجي للقوات الروسية، معتبرا أن ما حدث ليس هزيمة عسكرية لموسكو.
أسباب متعددة للأزمة الاقتصادية
وفيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية العالمية التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية، ذهب دينيسيه إلى أن تلك الأزمة لها أسباب متعددة سبقت هذا الصراع، لكن الحرب في أوكرانيا تعمل على تسريعها.
وقال دينيسيه إنه "بعد إثارة هذا الصراع، فكر الأمريكيون أن موسكو سوف تستسلم بسرعة، والآن يقيس الأمريكيون خطأهم، نظرًا لكونهم براجماتيين، فإنهم يرون بوضوح أن هذا الوضع لن يحل عسكريا، وبالتالي يقولون لأنفسهم أن الوقت قد حان لوقف التكاليف، لاسيما أن اقتصادهم يدفع الثمن، وقد تسبب ذلك في الانفصال عن بعض شركائهم".
وأضاف "علاوة على ذلك، فإن هذا الصراع لا يحظى بشعبية في الولايات المتحدة ويسبب تضخمًا كبيرًا، وإذا كان الديموقراطيون قد أنقذوا الموقف إلى حد كبير خلال انتخابات التجديد النصفي، فهم يفهمون أن سياستهم في زعزعة استقرار روسيا لم تكن ناجحة وأن لها آثارًا ضارة".
وأشار إلى تصريحات وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين في الأيام الأخيرة، التي قالت فيها إن "هذا الصراع سلبي على الاقتصاد وأنه من المهم إنهاءه"، موضحاً أن تلك التصريحات تفسر أيضًا سبب مطالبة الأمريكيين لتركيا تنظيم لقاء مع ممثلي موسكو لمناقشة طريقة الخروج من الأزمة، معتبرا أن الأوكرانيين مجرد بيادق لواشنطن في هذا الصراع.
تل أبيب متحفظة
وحول العلاقات الأوكرانية -الإسرائيلية، قال دينيسيه إنه منذ بداية هذا الصراع، كان الإسرائيليون متحفظين للغاية تجاه أوكرانيا وحكومتها.
وأشار إلى أن أعضاء الكنيست أصيبوا بصدمة شديدة من الخطاب الذي ألقاه عليهم الرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي، الذي قارن بلا خجل الوضع في بلاده بالمحرقة، مشيراً إلى أن إسرائيل لا تستطيع تسليم الأسلحة، إلى نظام لديه وحدات من النازيين الجدد في صفوفه.
وقال إنه "ومع ذلك، وتحت ضغط من واشنطن، وافقت تل أبيب في النهاية على تسليم معدات غير مميتة إلى كييف، لكنها لن تذهب أبعد من ذلك".
وأضاف: "يدرك الإسرائيليون جيدًا وجود أنشطة عصابات المافيا الأوكرانية التي تتاجر بالأسلحة التي يتم استلامها وتعيد بيعها، ولاسيما للجماعات التي يمكنها مهاجمة إسرائيل".
وبحسب دينيسيه، فإن الأزمة الأوكرانية هي مسرح عمليات لا يصدق لاختلاس الأموال والمواد التي يتم تسليمها والتي تصل جزئيًا فقط إلى المستلمين النهائيين، موضحاً أنه يتم تحويل جزء كبير من الأسلحة والمعدات العسكرية لصالصح الجماعات الإجرامية التي تغذي حركة المرور الدولية من أجل إثراء نفسها، بدليل ظهور بعض الأسلحة في يد الجماعات التي تعمل باسم رواندا ضد جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وبالنسبة لأموال المساعدات، اعتبر رئيس المركز الفرنسي لأبحاث الاستخبارات أن جزءا كبيرا من الإعانات التي تتلقاها أوكرانيا يحتكرها زيلينسكي والوفد المرافق له لاستخدامهم الخاص.
دعم فرنسي لا محدود لكييف
أما عن الموقف الفرنسي من الحرب الأوكرانية الروسية، فأشار دينيسيه إلى أن باريس قد قطعت شوطا بعيدا في دعمها لأوكرانيا، موضحاً أنه وفقًا للتقاليد التي وضعها الجنرال شارل ديجول، يجب ألا تصبح فرنسا طرفًا في أي الصراع وأن تضع نفسها كوسيط بين المتحاربين.
وقال إنه "من المعروف أن فرنسا سلمت الأسلحة لأوكرانيا بكميات محدودة لأن جيوشنا تعمل بتدفق ضيق لوجستيًا، وليس لدينا مخزون أو احتياطيات تقريبًا، ونحن ندفع ثمن 30 عاما من نزع السلاح الطائش وتقليص حجم وميزانية الجيوش منذ نهاية الحرب الباردة، والأسوأ من ذلك، أن دبلوماسيتنا فقدت كل الائتمان الدولي".
ورأى دينيسيه أن روسيا استطاعت الحفاظ على مصالحها ومكاسبها من خلال حلفائها، مضيفا: "علينا أن نأخذ في الاعتبار مواقف الصين والهند وإيران وتركيا، التي لم تقطع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع روسيا بل وزادت منها".
الخبير الفرنسي قال إن "غالبية الدول غير الغربية تعتبر أن مسؤوليات الغرب في هذا الصراع لا تقل أهمية عن مسؤوليات الروس، وقد رفضت الالتزام بالعقوبات على موسكو، لذا فإن روسيا لا تنقصها الحلفاء أو الأسواق أو الشركاء أو المنافذ ".
روسيا تحافظ على تماسك اقتصادها
رئيس المركز الفرنسي لأبحاث الاستخبارات اعتبر أن الاقتصاد الروسي لم يضعف كما يأمل الغربيون، بل هو متماسك بشكل جيد للغاية، وعائدات موسكو تتزايد على الرغم من العقوبات، لأن هناك العديد من الدول ترفض ربط نفسها بالسياسة الغربية.
وأكد دينيسيه أن الجيش الروسي بعيد كل البعد عن الهزيمة في مسرح العمليات، في حين أن الدول الغربية تعاني أكثر منها بكثير من العواقب الاقتصادية لهذه الحرب.
روسيا ليست شيطانا
وقال "إذا افترضنا أن كل ما يقوله الروس كذب ويجب رفضه بشكل منهجي، وأن كل ما يقوله الأوكرانيون هو الحقيقة الخالصة ولا يمكن التشكيك فيه، ستكون ذلك إعلانا للنوايا السيئة، بغرض منع أي حل دبلوماسي لهذا الصراع، لأن المرء لا يتفاوض مع خصم شيطاني".
وأضاف دينيسيه "لم يعاقب أحد الولايات المتحدة لتسببها في مقتل مئات الآلاف من السكان بسبب العقوبات اللاإنسانية لجعل بغداد تنحني، ولا لقيامها بغزو العراق عام 2003 على الرغم من الفيتو من قبل الأمم المتحدة وخلق الفوضى في هذا البلد، كما لا ينتقدهم أي شخص بسبب العدد الكبير جدًا من الضحايا الذين سقطوا بسبب تدخلاتهم العسكرية العشوائية تحت اسم "الحرب على الإرهاب"، ولا لأنهم أعادوا ممارسة التعذيب قانونًا ولأنهم نفذوه على نطاق واسع بمساعدة حلفائهم".
رئيس المركز الفرنسي لأبحاث الاستخبارات أكد أنه لا يسعى بأي حال من الأحوال للدفاع عن روسيا، ولكنه يريد إنتاج تحليل موضوعي قدر الإمكان للوضع من أجل إيجاد طرق للخروج من الأزمة".
وقال "من الضروري تنبيه الجمهور إلى التلاعب الكبير بالمعلومات الذي نشهده".
وأضاف دينيسيه " كنت ضابط مخابرات شابًا خلال الحرب الباردة ولم يكن لدي أي أوهام بشأن النظام الشمولي السوفيتي الذي حاربنا ضده وانهار.. ومع ذلك ، على مدى الثلاثين عاما الماضية، تغيرت الأمور، لم تعد روسيا اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية".
واعتبر أن الغرب استمر لمدة 30 عاما في الاستهزاء بالروس، والكذب عليهم، وفرض عقوبات عليهم، وإعطائهم دروسًا في الديموقراطية، رغم أن الدول الغربية نفسها لا تطبقها.
وأشار رئيس المركز الفرنسي لأبحاث الاستخبارات إلى أنه من الضروري استعادة حقيقة الوقائع والخروج من السرد الذي وضعه الغربيون والأوكرانيون الذين يجعلون كييف "ضحية فقيرة" لروسيا.