كانت الأفراح تملأ المكان في بروكسل قبل أيام، وتحديداً بمقر الناتو بعد الإعلان الرسمي عن ضم فنلندا للحلف العسكري الأوسع في الغرب.
ومع وصول عدد أعضاء الحلف الأطلسي إلى 31 دولة، حملت فنلندا أخباراً سارة، بحسب وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن، الذي حضر شخصياً الاحتفالات العامرة، ووصف ما جرى بأنه نصر كبير على روسيا.
فهل هو نصر كبير بالفعل أم هو مجرد تصريحات سياسية لوزير أمريكي يزج بأوروبا في أتون صراع لا نهاية قريبة له، بحسب زميله وزير الخارجية المجري، الذي عبر عن عدم تفاؤله في إيجاد حل سريع للأزمة الأوكرانية؟
ولعل الانتخابات النيابية الفنلندية، مطلع الشهر الجاري، كانت أكثر وضوحاً في تحديد خيارات بلد أوروبي شمالي، مثل فنلندا التي تعيش منذ سبعين عاماً حالة من الحيادية الكاملة، وقد انكبت حكوماتها المتعاقبة على إيجاد حلول جذرية لمشاكل التعليم والضمان الصحي، وأصبحت في الوقت نفسه أسعد بلد في العالم، بحسب المؤشرات الخاصة بذلك.
ولن ننسى هنا أن ضم الناتو لفنلندا يستوجب دفع عشرات ملايين الدولارات لخزينة الحلف في بروكسل، وفي مقابل ذلك على هلسنكي أن تعيد النظر في كافة بنود ميزانيتها العسكرية الدفاعية، وأن تزيد من الإنفاق بشكل مهول، وهذا كله يستدعي اقتطاع مبالغ مالية ضخمة من الرفاه المجتمعي والمخصصات الأخرى لقطاعات خدمية وصحية وحتى تعليمية، فضلاً عن رعاية كبار السن.
وبوقفة سريعة أمام حدود روسية فنلندية، تزيد على 1300 كم، تصبح فنلندا الدولة العضو في الناتو والأطول حدوداً مع الروس، وبالتالي لن تكون فنلندا دولة عادية من حيث عضويتها في هذا التجمع العسكري الكبير.
وإزاء ذلك، يبرز جدل واسع يتعلق بشكل العضوية وآلية العمل من خلالها، فهل ستكون فنلندا ضمن القيادة الغربية للناتو، والتي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج والدنمارك أم ستكون فنلندا إلى جانب دول البلطيق وبولندا وألمانيا؟
أسئلة مهمة وآنية من الصعب أن يجيب عنها أحد الآن كما يقول الرئيس الفنلندي سولي نينيستو نفسه، فضلاً عن هواجس تخص مئات العوائل الروسية الفنلندية على طرفي الحدود بين البلدين، ومستقبل التجارة البينية والعلاقات السياسية والاقتصادية بين هلسنكي وموسكو.
ولتبقى فرحة الفنلنديين غير مكتملة حيث بقي ملف الجارة والحليفة "السويد" معلقاً، مع أن الدولتين تقدمتا بطلب العضوية للناتو في العام الماضي معاً، لكن تركيا منعت ذلك حتى اللحظة، وطلبت أنقرة من ستوكهولم تسليم أشخاص يُتهمون داخل تركيا بالإرهاب.
والروس بطبعهم السياسي لا يمكن للمرء أن يتحدث عن خياراتهم المعلنة للتعامل مع فنلندا العضو الجديد في الناتو، لكن على ضوء التموضع الفنلندي داخل الحلف ربما تحدد موسكو مواقفها الكبرى.
والسؤال هنا: هل ستلجأ فنلندا إلى إقامة قواعد عسكرية ثابتة للحلف على أراضيها أم ستمضي قدماً وفقاً للنموذج النرويجي والدانماركي الرافض لإقامة تلك القواعد أو نشر أسلحة نووية على أراضي البلدين المؤسسين في حلف شمال الأطلسي؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة