موقف دولة الإمارات يتميز بالقوة في موضوع الأمن الغذائي من منطلق أنها تتعامل مع هذا الملف المهم بتفكير يتصف بالشمولية وبنظرة استراتيجية
تصريح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي أكد فيه أن الغذاء والدواء في دولة الإمارات "خط أحمر وأن الدولة على استعداد لتقديمهما إلى ما لا نهاية"، هذا التصريح بتلك النبرة الجادة، يذكرنا بالعديد من المواقف والمشاهد التاريخية الشامخة للقيادة الإماراتية في تحقيق "الأمن" بمفهومه الشامل الذي لم يعد يقتصر على المفهوم التقليدي والقائم على الاعتداء المباشر للدولة، وذلك من خلال بث رسائل الاطمئنان لأفراد المجتمع.
موقف دولة الإمارات يتميز بالقوة في موضوع الأمن الغذائي من منطلق أنها تتعامل مع هذا الملف المهم بتفكير يتصف بالشمولية وبنظرة استراتيجية بعيدة المدى تؤكد إدراك القيادة الإماراتية لأهمية وحيوية ما يمثله الأمن الغذائي من نقطة مركزية في بث الاطمئنان والاستقرار النفسي للشعب
خلال هذه الأيام العصيبة التي يمر بها العالم فإن بعض المشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام، خصوصا وسائل التواصل الاجتماعي، لها علاقة بالأمن الغذائي ومدى قلق الإنسان من توفره خلال الأيام المقبلة، على اعتبار أن الأمن في أغلب الأحيان هو "شعور نفسي" والإحساس بالطمأنينة، لهذا فإن تأكيد سمو الشيخ محمد بن زايد هو واحد من التقاليد الإماراتية المتشددة في الحفاظ على استقرار المجتمع مما يقلق ويهدد أفراده.
كما أن وفرة الغذاء وقدرة الإنسان على الحصول عليه من حيث القيمة المالية، قضية حساسة بالنسبة للإنسان على مدى التاريخ، وقد رأينا بعض المقاطع مما يحدث في بعض دول العالم العريقة وكثيراً ما تنطعت علينا بقضايا حقوق الإنسان، ولكن في الوقت الذي تقاس فيه المعايير الحقيقية للشعارات لم تكن بقدر الموقف الذي يتطلبه، فرأينا طوابير طويلة أمام المتاجر كما رأينا مشاجرات بسبب الحصول على سلعة، بعض تلك السلع تعتبر ثانوية، فكيف الأمر لو كان سلعة أساسية؟!
كما أن الدواء في هذا الظرف العالمي الاستثنائي الذي غير كثيرا من المواقف السياسية للدول لا يمكن الاستهانة به واعتباره مسألة سهلة، وهو الآخر استدركه سمو الشيخ محمد في خطابه "الشهير" مؤكداً أنه "خط أحمر" بجانب الغذاء، الأمر الذي يعني أنه في حالة المساس به قد تتبع الدولة بعض الإجراءات غير التقليدية والمتعارف عليها لردع من يفكر في ذلك، أو حتى محاولة استغلال الظرف، خصوصاً أن هناك من ضعاف النفوس ممن يمكن أن يفعلوا ذلك.
وبنظرة أكبر وأوسع، فإن استباق الأمر قبل حدوثه من خلال تأكيد سموه بزمن، من ثمار الرصيد الكبير لفلسفة أن الإنسان هو الثروة الحقيقية في هذه الدولة، لهذا قرار سموه لم يكن مفاجأة للشعب الإماراتي لأنه مثلما هي القيادة الإماراتية تمثل نموذجاً استثنائيا في التفاعل مع كل القضايا والأزمات التي تمس مواطنيها والإنسان عامة، فإنها بلا شك ستقدم نموذجاً مماثلاً في توفير الاحتياجات الضرورية لشعبها خلال أزمة فيروس كورونا، بل هناك ثقة (متراكمة) من الشعب لما تقوله قيادتها، وهي ثقة تتضاعف مع كل موقف تواجه فيه الدولة أي تحدٍ أو أزمة، كما يحدث الآن في هذه الأزمة العالمية.
ومن الناحية العملية، فإن موقف دولة الإمارات يتميز بالقوة في موضوع الأمن الغذائي من منطلق أنها تتعامل مع هذا الملف المهم بتفكير يتصف بالشمولية وبنظرة استراتيجية بعيدة المدى تؤكد إدراك القيادة الإماراتية لأهمية وحيوية ما يمثله الأمن الغذائي من نقطة مركزية في بث الاطمئنان والاستقرار النفسي للشعب، وكذلك لقوة الدولة في مواجهة التحديات، وذلك من خلال القيام بعدد من الخطوات؛ أهمها أنها أطلقت في عام 2018، الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي التي تهدف إلى أن تكون الإمارات الدولة الأولى في العالم في مؤشر الأمن الغذائي بحلول عام 2051، وهذا يشكل رؤية استراتيجية لمرونة الدولة في مواجهة الأزمات، وكذلك يعطيها مساحة للتحرك على مستوى القرارات الدولية. كما تبنت مشروعات محلية تسعى من خلالها إلى تطوير بعض المنتجات الغذائية المحلية من مشاريع إنتاجية وزراعية لتمكينها من تحقيق إنتاج غذاء مستدام محلياً، وبالتالي تقوية موقف الدولة في الأزمات، لذا فإننا نجد خلال هذه الأزمة أن هناك وفرة في كثير من المواد الغذائية في الدولة، كما أن لديها مخزونا استراتيجيا يكفي لمدة زمنية تتجاوز الحدود المعروفة دولياً.
ويمكن ملاحظة أن دولة الإمارات تتصرف في تحقيق الأمن الغذائي لديها وفق نظرية: "عدم وضع كل البيض في سلة واحدة" من خلال تنويع مصادر استيراد الغذاء، فهي لديها شبكة واسعة في العالم تعطيها مرونة التحرك، بل إن لديها خطوط توريد بديلة ما يجعل الأمن الغذائي الإماراتي في حالة الاستقرار دائماً. وكنتيجة لكل ذلك العمل، سجلت دولة الإمارات خلال عام 2019 المركز 21 في مؤشر الأمن الغذائي العالمي، من بين 113 دولة بعد أن كانت خلال عام 2018 في المركز 31، أي أنها تجاوزت 10 دول، وقد بانت حقيقة هذه الأرقام من خلال مبادرات الدولة في تقديم مساعدات غذائية ودوائية في هذه الأزمة التي كان الجميع "يتحفظ" من تقديمها خوفاً على مخزونه الاستراتيجي إلا دولة الإمارات التي تمتلك وفرة لها ولتزويد العالم.
الفكرة أن دولة الإمارات تقف على أرضية صلبة في موضوع الأمن الغذائي من خلال مجموعة من الخطط والاستراتيجيات تثبت واقعيتها في الأزمات والكوارث وتؤكد على التفكير بحس المسؤولية تجاه شعبها أولاً والإنسان في العالم عموماً، ما جعلها تشعر بالاستقرار والطمأنينة وترجح كفتها في المساعدات إلى باقي دول العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة