حرب القرارات والتصريحات.. أزمة صامتة بين الجزائر وفرنسا
ماكرون يمنح أعلى رتبة تكريم في فرنسا لـ6 حركيين ومؤسسة وجمعية تابعة لهم بدرجة "جوقة الشرف برتبة فارس"
شهد محور باريس – الجزائر، خلال الساعات الماضية، "أزمة صامتة" ترجمتها تصريحات وقرارات من سلطات البلدين بدأت برفع الحماية الأمنية عن المقار الدبلوماسية وانتهت بتصريحات وصفت بـ"العنيفة" من دبلوماسي فرنسي سابق ضد الجزائر.
سحب تأمين المقار الدبلوماسية
وفي غياب تأكيد رسمي، قالت مصادر إعلامية إن السلطات الجزائرية قررت بشكل مفاجئ رفع الحماية الأمنية على المقار الدبلوماسية الفرنسية بالعاصمة بينها السفارة وإقامة السفير.
- محللون: تكريم ماكرون لـ"خونة ثورة الجزائر" ورقة ضغط وحسابات فرنسية
- الجزائر تخفض الحماية على سفارة فرنسا ردا على قرار مماثل
وتعد المقار الدبلوماسية لفرنسا بالعاصمة وحتى بمدن كبرى في الشرق والغرب من أكثر الأماكن حراسة في الجزائر.
ووفق المصادر ذاتها، يكون القرار معاملة بالمثل من الجانب الجزائري على قرار فرنسي بسحب الحراسة الأمنية من محيط إقامة السفير الجزائري عبدالقادر مسدوة بباريس بشكل غير متوقع.
وتلتزم السلطات من الجانبين الصمت إزاء هذه التطورات والتي تزامنت مع تصريحات أخرى أضفت ما يشبه "التوتر غير المعلن" على العلاقة بين البلدين خلال الأيام الماضية.
تكريم خونة الثورة الجزائرية
وبالتزامن مع ذلك، أصدر الرئيس الفرنسي، الجمعة، مرسوما رئاسيا، نُشر في الجريدة الرسمية، منح بموجبه امتيازات استثنائية للحركيين المقيمين في فرنسا، منذ استقلال الجزائر عام 1962.
والحركى هم جزائريون جنّدتهم فرنسا خلال الثورة الجزائرية (1954/1962) للعمل معها ويوصفون محليا بـ"الخونة".
ومنح ماكرون أعلى رتبة تكريم في فرنسا لـ6 حركى ومؤسسة وجمعية تابعة لهم بدرجة "جوقة الشرف برتبة فارس"، وترفيع 4 حركى آخرين إلى درجة الاستحقاق الوطني برتبة ضابط، و15 آخرين إلى رتبة فارس.
ويقول مؤرخون إنه بعد استقلال الجزائر عام 1962 غادر نحو 60 ألفا من "الحركى" وعائلاتهم مع الجيش الاستعماري نحو فرنسا فيما بقي، حسب تقديرات، ما بين 55 ألفا و75 ألفا منهم في الجزائر تعرضوا لأعمال انتقامية.
وتقول وسائل إعلام فرنسية إن "الحركى" وعائلاتهم يشكلون اليوم جالية من نصف مليون شخص، وقد شكلوا عدة جمعيات تطالب منذ عقود بضرورة "إعادة الاعتبار لهم" من قبل السلطات الفرنسية نظير خدماتهم.
وخلال زيارته للجزائر نهاية عام 2017، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السلطات المحلية إلى فتح أبوابها لعودة "الحركى" وعائلاتهم، لكن هذا الطلب قوبل بالرفض التام.
ويعتبر الجزائريون هؤلاء "الحركى" مواطنين فرنسيين خدموا الاستعمار وغادروا البلاد مع الاستقلال ولا علاقة لهم ببلدهم الأصلي.
وتنظر السلطات الجزائرية إلى تكريم هذه الفئة من "خونة الثورة" من قِبل باريس بعدم ارتياح كون فرنسا ترفض حتى الآن الاعتذار رسميا عن جرائم استعمارية وتعويض الضحايا الجزائريين.
سفير فرنسي سابق يهاجم الجزائر
وموازاة مع هذا الجدل حول "الحركى" أطلق برنارد باجولي السفير الفرنسي السابق بالجزائر (2006/2008) ومنسق أجهزة المخابرات الفرنسية (2008/2001)، تصريحات وصفت بـ"العنيفة" تجاه السلطات الجزائرية.
وقال الدبلوماسي، الذي قاد المخابرات الخارجية الفرنسية بين 2013 و2017 في حوار مع صحيفة "لوفيغارو"، إن "النخبة الحاكمة في الجزائر سواء كانت من جيل الثورة أو ذلك الذي يستمد شرعيته منها، تستمد سبب بقائها في الحكم من تعزيز الشعور بالكره نحو القوة الاستعمارية السابقة".
وينتظر أن تخلف هذه التصريحات "توترا" جديدا في العلاقات بين الجزائر وفرنسا ظهرت من خلال هجوم حاد من وسائل إعلام جزائرية عليها.
يشار إلى أن العلاقات الجزائرية الفرنسية ظلت تحت تأثير ثقل التاريخ المشترك، حيث إن محاولات التقارب الرسمية سرعان ما تصطدم بملفات الذاكرة الشائكة لتعود إلى نقطة الصفر.
وقبل أيام رحبت الجزائر باعتراف الرئيس الفرنسي بإقامة نظام تعذيب خلال الاستعمار، وأجرى رئيسا البلدين اتصالا هاتفيا قال بيان للرئاسة الجزائرية إنهما تناولا خلاله "العلاقات الثنائية التي تتميز بختم الشراكة الاستراتيجية"، لكن سرعان ما جاءت هذه التطورات لتعيد الأمور إلى نقطة البداية.