هل أزعجت التغييرات الأخيرة في الجزائر فرنسا وإيران؟
المحلل السياسي الجزائري، إسماعيل معراف، يرى أن التغييرات الأخيرة في الجزائر كشفت عن توجه جديد أزعج باريس وطهران.
تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية في الآونة الأخيرة ضبابية غير مسبوقة بحسب المراقبين، وأزمة صامتة تُسمَع في بعض القرارات المفاجئة، والقرارات المضادة في العاصمتين، آخرها وأكثرها غموضا القرار الذي اتخذته باريس الأسبوع الجاري بسحب الحماية الأمنية عن السفارة الجزائرية بباريس.
- محللون: تكريم ماكرون لـ"خونة ثورة الجزائر" ورقة ضغط وحسابات فرنسية
- الجزائر تخفض الحماية على سفارة فرنسا ردا على قرار مماثل
قرار، لم يُعرَف إن كان مفاجئا أو متوقعا بالنسبة للجزائر، التي سارعت لاتخاذ خطوة مماثلة عبر كافة البعثات الدبلوماسية الفرنسية في الجزائر، من سفارة في الجزائر، وقنصليتين في وهران وعنابة، بحسب ما أكده مصدر دبلوماسي جزائري لـ "العين الإخبارية".
الإعلام الفرنسي.. مرآة خفايا العلاقات بين البلدين
لطالما اعتبر مراقبون للعلاقات الجزائرية الفرنسية الإعلام الفرنسي بمثابة "البارومتر" الذي يقيسون من خلاله درجة تلك العلاقة، غير أن ما يثار مؤخرا في الإعلام الفرنسي يؤكد، بحسب المراقبين، أن درجة حرارة علاقة باريس بالجزائر تكاد تصل إلى الصفر.
- وثيقة مسربة: فرنسا نفذت اغتيالات فردية إبان احتلالها للجزائر
- بالصور.. فرنسا تبيع فرنكا جزائريا بـ"البسملة" و"آية المطففين"
فقبل اتخاذ باريس خطوة سحب الحماية الأمنية عن السفارة الجزائرية، تغيرت لهجة بعض وسائل الإعلام الفرنسية تجاه الجزائر، وهي الوسائل المعروفة بقربها من دوائر صنع القرار في فرنسا، خاصة الإليزيه (قصر الرئاسة الفرنسية)، والكيدورسي (وزارة الخارجية الفرنسية).
البداية كانت مع تفجير وسائل إعلام فرنسية ما قالت إنها "فضائح تبييض الأموال لمسؤولين جزائريين"، وبأنها ستكشف عن "أسماء ثقيلة في السياسة وعالم الأعمال والإعلام بالجزائر".
وبغض النظر عن محتوى ومصداقية تلك الوثائق، فإن متابعين للعلاقات الجزائرية الفرنسية يرون أن باريس قررت فتح "حرب إعلامية واسعة على الجزائر"، وبأن هدفها ليس كشف المستور بقدر مساومة السلطات الجزائرية بعد خسارتها الاقتصادية، كما يرى كثير من المحللين، في وقت "صمت الإعلام الفرنسي عن فضائح مالية أخرى" في سنوات سابقة، قبل أن تفتح العدالة الجزائرية تحقيقات في بعضها وإن تم التكتم عليها فيما بعد.
وسائل إعلام فرنسية أخرى وعلى غير العادة، شنّت هجوما لاذعا على الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة؛ بسبب وضعه الصحي، وهو ما دفع بعض المتابعين للقول إن "فرنسا تذكّرت ذلك بعد أن ساهمت لسنوات في سرقة ثروات الجزائر، وبعد أن بدأت تخسر مصالحها في الجزائر"، كما أكد عدد من المحللين السياسيين لـ "العين الإخبارية" أن قنوات فرنسية "وضعت، لسنوات، محللين في خانة المغضوب عليهم بحكم مواقفهم المعارضة للسلطة الجزائرية، لكنها أعادت مؤخرا تواصلها معهم لاستعمالهم في حربها الإعلامية ضد الجزائر".
وما يؤكد بحسب الكثيرين وجود أزمة عميقة بين الجزائر وباريس، التصريح الذي أدلى به، الجمعة، برنار باجولي، سفير فرنسا السابق في الجزائر والمدير السابق لجهاز المخابرات الفرنسي، لصحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، والذي قد يتسبب في توتر جديد بين البلدين، بحسب متابعين، خصوصا وأنها جاءت في ظرف حساس تمر به العلاقات بين العاصمتين.
باجولي، في حواره، شن هجوما على الرئيس الجزائري على جبهة التحرير الجزائري الحاكم، حيث قال "الرئيس بوتفليقة، مع كل الاحترام الذي أكنه له، يبقى على قيد الحياة بشكل مصطنع، ولن يتغير شيء في هذه الفترة الانتقالية".
وأضاف "بأن جيل الثورة الذي يحافظ على إضفاء الشرعية على نفسه من خلال استغلال المشاعر تجاه المستعمر السابق، ويجب فتح ملف أرشيف الأفالان".
تغييرات الجيش.. زلزال في الجزائر وارتدادات في باريس
منذ بدء التغييرات العميقة والمفاجئة في القيادات العسكرية والأمنية ،قبل نحو ثلاثة أشهر في الجزائر، أجمع كثير من المراقبين على وصفها "بالتغييرات الجذرية وغير العادية"، وبأنها غير مرتبطة فقط بأوضاع داخلية، بل حسابات خارجية تتعلق بما كان يعرف بـ "الدور الحفي لفرنسا في الجزائر"، خاصة وأن بعض القيادات العسكرية المقالة تعد من أقوى ما يُعرف بـ "ضباط فرنسا" في الجزائر، الذين عملوا فترة الاستعمار الفرنسي مع الجيش الفرنسي، وبعضهم التحق بالثورة، ويتهمهم كثيرون بحماية ورعاية المصالح الفرنسية في الجزائر.
- خبيران لـ"العين الإخبارية": التغييرات العسكرية بالجزائر تؤسس لمرحلة جديدة
- القضاء الجزائري يمنع قادة الجيش المعزولين من مغادرة البلاد
تغييرات أجمع المتابعون على أنها بداية تأسيس لمرحلة جديدة في الجزائر مرتبطة في الأصل بحسابات انتخابية قادمة، وبصراع محموم بين أجنحة السلطة الجزائرية بدأت ترجح معه الكفة لصالح جناح على الآخر.
توجه اقتصادي جديد مزعج لباريس
كما أن التوجه الاقتصادي الجزائري الجديد الذي تبنته في السنوات الأخيرة أثار مخاوف باريس، وباتت تنظر إلى "كل مشروع يعطى لدولة أخرى على أنه أخذ منها"، كما أشار إلى ذلك عدد من خبراء الاقتصاد لـ "العين الإخبارية".
حيث قررت الجزائر فتح أسواقها وفي مختلف القطاعات إلى قوى اقتصادية أصبحت تنافس فرنسا، أكبرها الصين التي يفوق حجم استثماراتها في الجزائر 8 مليار دولار، ومشاريع أخرى جديدة منحتها الجزائر لبكين، آخرها مشروع لمركب الفوسفات بشرق الجزائر بقيمة قاربت 6 مليار دولار، يدخل الخدمة بداية 2022.
كما أن التقارب الجزائري الأمريكي لم يعد يقتصر على التعاون الأمني والاستخباراتي في مجال مكافحة الإرهاب، بل امتد إلى استثمارات كبيرة في مجالات الطاقة والفلاحة، إضافة إلى ما يقول الخبراء عن "كسر الحاجز الاقتصادي بين الجزائر وبرلين" التي دخلت إلى السوق الجزائرية باستثمارات ضخمة، خاصة في قطاعات السيارات والبتروكيمياء.
خلفيات الأزمة مع باريس.. وطهران في كفة الخاسرين
في خضم هذا الجدل والغموض في العلاقات الجزائرية الفرنسية، أجرت "العين الإخبارية" حوارا مع المحلل السياسي، الدكتور إسماعيل معراف، الذي أعطى قراءة تفصيلية لخلفيات الخلاف بين الجزائر وباريس، وكشف عن معطيات تُكشف للمرة الأولى، نقلا عن مصادره الخاصة.
- ميركل في الجزائر.. وخبيران لـ"العين الإخبارية": زيارة غير عادية
- تقرير أمريكي: دعم إدارة ترامب للجزائر "استقرار للمنطقة"
معراف قال إن "هناك توجه داخل النظام الجزائري للاستغناء نوعاً ما عن العلاقات الاقتصادية والتجارية الأحادية مع فرنسا وتنويع شركائها، كما أن فرنسا لم تتقبل زيارة ميركل إلى الجزائر والمكاسب التي حققتها من زيارتها، وعدم تقبلها للاستثمارات الروسية وعقد الجزائر صفقات لشراء أسلحة من موسكو، إضافة إلى التوجه الجزائري نحو الولايات المتحدة".
وأضاف "التعديلات الأخيرة أيضا في الجيش أزعجت باريس والتي مست أشخاصاً لهم أموال طائلة وثروات واستثمارات داخل فرنسا خاصة الذين تقرر متابعتهم قضائياً، حتى أن الزيارة المرتقبة لماكرون إلى الجزائر قد تتأجل، خاصة بعد التغير في العلبة السوداء للسلطة الجزائرية".
المحلل السياسي كشف للمرة الأولى عن اسم دولة أخرى تضررت من التغييرات الأخيرة في الجزائر وقال إن "إيران غير راضية عن التغييرات الأخيرة في الجزائر، وما يؤكد ذلك مقاطعة وزير النفط الإيراني اجتماع أوبك الذي سيعقد بالجزائر الأحد المقبل، شهر العسل الذي كان بين الجزائر وطهران انتهى، وحتى الإيرانيون أصبحوا يقولون أن بوتفليقة ليس هو من يحكم، والقوى الموجودة الحالية في الجزائر اختارت أن تكون في صف الإدارة الأمريكية".
وأضاف بأن التغييرات الأخيرة في الجزائر السياسية والعسكرية والاقتصادية "جعلت الفرنسيين لا يتقبلونها ويتخذون إجراءات يمكن وصفها بالعقابية، وهناك قانون جديد في الأيام القادمة سيصدر في فرنسا وسيقلق الجزائر وسيخلط حسابات العلاقات بين البلدين بشكل أكبر والمتعلق بالاعتراف بحقوق الحركى، وهو ما يناقض الاتفاق الذي وقع بين هولاند وبوتفليقة في ملف الذاكرة".
إسماعيل معراف أشار إلى أن "المؤسسة العسكرية التي يقودها الفريق أحمد قايد صالح، المعروف عنه معاداته لعناصر الجناح الفرنسي الذي كان داخل الجيش، والذين تم عزلهم منذ سنوات، تؤكد هذا التوجه الجديد للجزائر، والجماعة التي كانت تتبع فرنسا داخل الجيش الجزائري لم تعد موجودة".
وأضاف بأن "الجزائر رفضت حضور قمة الفرنكوفونية، وردت على طلب وزير الخارجية الرواندي لدعم ترشحها لرئاسة المنظمة بالقول إننا غير معنيين بالفرنكوفونية، وهو كلام خطر، وهي المعطيات التي تؤكد وجود توجه جديد داخل النظام الجزائري، وهو ما جعل الفرنسيين يتوجهون بعقوبات على طريقتهم".
كما توقع معراف أن تصعد فرنسا من إجراءاتها، وقال "من الممكن جدا أن تصعد فرنسا، وهناك حملة إعلامية فرنسية واسعة ضد الجزائر ستبدأ الأسبوع المقبل، وهو ما يشكل انطلاقة جديدة للضغط على الجزائر بهدف التراجع عن توجهها الجديد".