هللت الحكومة الإسرائيلية لوصول طائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الرياض إلى تل أبيب مباشرة في سابقة لم تحدث من قبل منذ إنشاء ما يعرف بإسرائيل، وفي السابق كان النزول إلى مطار علياء بالأردن ومنها إلى تل أبيب،
هللت الحكومة الإسرائيلية لوصول طائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الرياض إلى تل أبيب مباشرة في سابقة لم تحدث من قبل منذ إنشاء ما يعرف بإسرائيل، وفي السابق كان النزول إلى مطار علياء بالأردن ومنها إلى تل أبيب، أما اليوم تتحدث إسرائيل عن مناخ جديد تتشكل فيه العلاقات العربية الإسرائيلية يتيح حركة الحركة بين الدول وبعضها بما في ذلك إسرائيل، في ظل مشروع السلام الاقتصادي المطروح والدعوة لبناء مشروعات تعاون إقليمي جديد تضم العرب وإسرائيل، والواقع أن الإدارة الأمريكية تدفع لتغيير الأجواء بين العرب وإسرائيل سياسيا واقتصاديا على طريقة تقديم قوائم تحفيزية يمكن من خلالها الدخول في مجالات تعاون بعد سنوات من القطيعة واستمرار حالة عدم الاعتراف بشرعية الكيان الإسرائيلي، وهو المنطق الذي انطلقت منه أسس المبادرة العربية التي طرحت عربيا منذ 2002، وبالتالي لا يحمل المنطق الأمريكي ومن ورائه التصور الإسرائيلي أي جديد في هذا السياق المرتبط بالخطوة التالية، وبعد زيارة الرئيس ترامب الناجحة إلى الخليج وبدء مرحلة جديدة من العلاقات على أسس المصالح المشتركة ونموذج الرشادة السياسية، والتي يجب أن تضم كل القوى الراغبة في الاستقرار، ومن ثم فإن رغبت إسرائيل في الدخول للمنطقة، وبدء رحلات الطيران المباشر من أي مطار عربي إلى تل أبيب، عليها أن تعيد تقديم أوراق اعتمادها للمنطقة، وأن تقبل التفاوض على أسس المبادرة العربية، بصرف النظر عن المطالبات بتعديلها أو تطويرها لتكون مناسبة للتفاوض الجاد والمرحلي بين العرب وإسرائيل، أما التفاوض المفتوح وغير الملتزم بأية مرجعيات فإنه سيكون مضيعة للوقت للطرفين، خاصة وأن إسرائيل ماضية في مخططها السياسي والاستراتيجي، واستكمال مخططات التهويد والاستيطان والدوران في نفس المكان في ظل المطالبات الداخلية من قبل أحزاب اليمين بانتظار مرور عاصفة الاتصالات الراهنة وبدء مسارات التفاوض بين الجانبين، والمؤكد ونتاج متابعتنا المباشرة لما يجري داخل إسرائيل فإنه لا يوجد اتفاق جمعي بين القوى السياسية المختلفة، وليس لليمين المتطرف رؤية للتسوية الراهنة والمحتملة، ولا يوجد مراكز قوى داخل النظام الإسرائيلي قد تدفع الحكومة الإسرائيلية للدخول قدما في مسار التفاوض، ومن ثم الإقدام على إبرام صفقة تاريخية بمنطق الرئيس الأمريكي على الأقل في الولاية الأولى للرئيس، ومنحه الفرصة لتحقيق تسوية كاملة لتحسب للرئيس القادم من خارج المؤسساتية الأمريكية العريقة التي عاشت سنوات في توجيه مسارات التفاوض العربي الإسرائيلي، وانحازت إلى الجانب الإسرائيلي بصورة واضحة، وهو الأمر الذي قد يتغير على الأرض الآن، ويحتاج إلى مراجعات، وبالتالي فعلينا أن نكون حذرين من الاستمرار في تفاوض مفتوح قد يكون له تداعيات سلبية على التسوية في مجملها لاحقا، ومن ثم العمل على قراءة ما يجري داخل إسرائيل من متغيرات حقيقية، خاصة وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي لا يتمتع بحضور سياسي عام برغم وجوده في سدة الحكم حتى الآن وعدم انهيار الائتلاف الحاكم وبرغم التهديدات التي يطلقها اليمين من أن الضغط على الحكومة الإسرائيلية الراهنة قد يسقطها ويأتي يمين آخر يقوده متطرفون آخرون من نوعية فتيالي بينت أو موشيه كحلون وغيرهم، ومن ثم فإنه ليس مطلوبا الاستمرار في القبول بالضغوطات الإسرائيلية في ملف البدء في الاتصالات التجارية والاستثمارية والتقنية بصورة كبيرة، مع عدم الرفض لما هو مطروح أمريكيا في إطار خطة أمريكية بدت ملامحها في التكشف في طرْح السياسات والتدابير الاقتصادية، بهدف دفع إسرائيل للمضي قدما في خيار التفاوض والسعي للتوصل لسياسة تفاوضية جادة يمكن أن تؤدي لتسوية نهائية عادلة، وأعتقد أن الفرصة سانحة برغم عدم وجود رؤية لدى الجانب الإسرائيلي في الإجمال، ولكن الرأي العام الإسرائيلي رأيٌ عامٌ موجهٌ ولديه رؤيته وتصوراته، كما أن هناك قوى أخرى في إسرائيل يمكن الاتجاه إليها عربيا وفلسطينيا، وأهمها الضباط السابقون والجنرالات الفاعلون وقوى اليسار الغائب والمجتمع المدني ومؤسسات صناعة الرأي العام والميديا، وبالتالي فإن العمل على هذه الشرائح وغيرها داخل إسرائيل ستدفع بالفعل لتغيير الرؤية وتدوير زوايا اتجاه المجتمع الإسرائيلي إزاء التفاوض والتسوية والقبول بالواقع، وهو ما فعله يوما ما مناحم بيجين، وقبله إسحق رابين بالفعل، والجنرال الكريزما شارون الذي أخرج القوات الإسرائيلية من قطاع غزة وفقا لخطة الفصل أحادي الجانب وسيفعلها أي سياسي إسرائيلي مدرك لتبعات ما يجري داخل المنطقة العربية، ويريد تحقيق الاستقرار في المنطقة، خاصة وأن السلام في المنطقة سيرسم مسارات جديدة لكل الأطراف، خاصة إسرائيل التي ستتحول إلى دولة مقبولة في المنطقة شأنها شأن أي دولة لها حدود آمنة معترف بها وليس مجرد دولة ترانزيت متنازع على شرعية حضورها أصلا، بل وعلى عاصمتها حيث لا يوجد دولة في العالم لا يعترف عشرات من الدول في المنظومة الدولية بعاصمتها بعد سنوات من قيام إسرائيل، وهو ما تدركه إسرائيل جيدا وتتفهم أبعاده ومع ذلك تكابر.
إن رغبت إسرائيل في الدخول للمنطقة فعليها أن تعيد تقديم اوراق اعتمادها وأن تقبل التفاوض على أسس المبادرة العربية
نقطة ومن أول السطر إذا رغبت إسرائيل في أن تتعامل كدولة فإن هناك فرصة ذهبية لإعادة تقديم نفسها لمنطقةٍ لها خصوصيتها في النظام الدولي، ومنها تتحرك الأحداث إقليميا ودوليا، وصحيح أن الولايات المتحدة تلتزم بأمن إسرائيل وستقف تساندها، إلا أن قيم الحرية والليبرالية والديمقراطية التي تتشدق بها إسرائيل في حاجة لترجمة ليس فقط في الخروج الآمن، وإنهاء الاحتلال البغيض من آخر بقاع الأرض وإنما في الإقرار بوقائع التاريخ والسياسة والعدل، وهو ما سيحتاج إلى مراجعات ومواقف مسؤولة، ووقتها ستطير إلى إسرائيل كل الطائرات مباشرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة