الحكومة الألمانية تبحث عن موارد.. إصلاح ضريبي يواجه عقبات
تراكمت الأزمات، الوبائية والاقتصادية، على كاهل الحكومة الألمانية، ما رفع الإنفاق الحكومي آخر عامين ماليين، لكن أزمة جديد تلوح بالأفق.
الأزمة متعلقة برغبة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، قائد الائتلاف الحاكم المكون من 3 أحزاب، في إعادة تنظيم النظام الضريبي في البلاد، لتوفير الموارد للإنفاق الحكومي، وهو ما يلقى عقبات ومعارضة داخل وخارج الائتلاف.
ولطالما كان الإصلاح الضريبي الشامل مسألة أساسية على أجندة الحزب الاشتراكي الديمقراطي "حزب المستشار أولاف شولتز"، لكنه قرر أخيرا المضي قدما فيها عبر خطوات كبيرة لإعادة ترتيب النظام الضريبي، وفق ما أعلنه رئيس الحزب لارس كلينجبيل.
كلينجبل لم يقدم التفاصيل حول ملامح النظام الضريبي الجديد، لكنه ذكر بوضوح في تصريحات صحفية قبل أيام، أن الدولة بحاجة إلى موارد مالية جديدة للإنفاق الحكومي، بعد الأزمات المتعددة التي مرت بها البلاد، ما يعني أن الإصلاح الضريبي المنتظر يرمي لجني مزيد من الأموال.
وتابع كلينجبيل أن الحزب الحاكم يريد إعادة تنظيم السياسة الضريبية والمالية الألمانية من أجل تمكين استثمارات الدولة في المستقبل، وتحقيق التقاسم العادل للأعباء في ضوء الإنفاق المرتفع خلال الأزمات السابقة.
ومن أجل هذه الغاية، يعمل الحزب في الوقت الراهن على تطوير مشروع لإعادة هيكلة النظام الضريبي، على أن يعرض بصيغته النهائية على مؤتمره العام في نهاية 2023:
ويرى الاشتراكيون الديمقراطيون، أن الاستثمارات العامة والحكومية ضرورية جنبا إلى جنب مع الاستثمارات الخاصة، للحفاظ على الوضع الاقتصادي القوي لألمانيا، وفق ما نقلته تقارير صحفية ألمانية.
وقال كلينجبيل بعد اجتماع لقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي قبل أيام: "يجب تمويل كل شيء"، لافتا إلى أنه سيترأس لجنة إعداد مشروع إعادة هيكلة النظام الضريبي، والتي ستعمل على طرح مقترحات لزيادة موارد المال العام وكيفية توزيع الأموال بشكل عادل في البلاد.
واضاف "خلفنا عام (أي 2022) أنفقنا فيه مبالغ كبيرة من المال لمواجهة الأزمات المختلفة، لكن قضايا عدالة التوزيع تحتل صدارة أجندتنا"، مضيفا "علينا التأكد من أن التكلفة الهائلة لتدابير الدعم للشركات والأسر "لا تحدث ثغرات كبيرة في الميزانية بحيث لا يمكننا الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والشؤون الاجتماعية والرقمنة".
ولم يكشف رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي ملامح المشروع الجديد، لكن الحملة الانتخابية للحزب في الانتخابات السابقة تضمنت تعهدات بزيادة الضرائب وفرض ضريبة الثروة.
لكن هناك عقبة رئيسية أمام هذا المشروع الطموح في داخل الائتلاف الحاكم، إذ يرفض شريك التحالف؛ الحزب الديقراطي الحر "ليبرالي"، مثل هذه الخطط، وعبر عن ذلك بوضوح خلال مفاوضات تشكيل الحكومة، ما يعني أن تطبيق أي زيادة في الضرائب سيواجه معارضة كبيرة من هذا الحزب الليبرالي.
ومع ذلك، بدا كلينجبيل واثقًا من أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي سيكون قادرًا في النهاية على إقناع شركائه في التحالف، حزبي الخضر والحزب الديمقراطي الحر، بحججه القوية لزيادة موارد الدولة عبر الإصلاح الضريبي، من أجل خلق دولة فاعلة وفعالة تضمن أساسًا اقتصاديًا للمستقبل.
الأكثر من ذلك، أن قضية الإصلاح الضريبي ستزيد سخونة الأوضاع داخل الائتلاف الحاكم في ظل وجود صدام بالفعل بين الشركاء في ملف إنهاء العمل بمحطات الطاقة النووية، كمصدر للطاقة.
وفي هذا الإطار، حذر كلينجبيل، الحزب الديمقراطي الحر من زيادة تسخين النقاش حول التخلص التدريجي من المفاعلات النووية، في ظل معارضة الحزب الليبرالي توجه الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر، إخراج كافة المفاعلات النووية العاملة حاليا من الخدمة في أبريل/نيسان المقبل، في ظل رغبة الحزبين في التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة.
طاقة متجددة
في هذا الإطار، قال رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي "يجب على المرء أن يتطلع إلى التوسع في الطاقة المتجددة.. علينا أن نتحسن في هذا المجال، وقرار وقف العمل بالمفاعلات النووية قائم".
في المقابل، دعا الحزب الديمقراطي الحر، مرارًا وتكرارًا إلى تمديد عمر محطات الطاقة النووية الثلاثة المتبقية في العمل إلى ما بعد أبريل/نيسان، في ظل أزمة الطاقة وصعوبة توفير موارد بديلة للغاز الروسي للشتاء المقبل.
وبعيدا عن العقبات داخل الائتلاف الحاكم، لا تحظى خطط الحزب الاشتراكي الديمقراطي، للإصلاح الضريبي، بدعم سياسي كبير، في ظل ارتفاع أعباء الضرائب الحالية على الألمان.
وفي هذا الإطار، كتب أكسل كامان، الناشط المحافظ على حسابه بـ"تويتر": "لدينا بالفعل ضرائب قياسية منذ سنوات، والأن يريد الحزب الاشتراكي الديمقراطي إعادة بناء نظام الضرائب، ما يعني المزيد من تغول الدولة في الاقتصاد".
وتابع "تعني الدولة المتضخمة (التي تلعب دورا متزايدا في الاقتصاد)، المزيد من الهدر وسوء الإدارة وعدم الكفاءة".
أما الصحفي الحر واليوتيوبر السياسي، نيكي، الذي يملك قناة مؤثرة على يوتيوب يتابعها 300 ألف مشترك، فكتب على "تويتر": "أعلن الحزب الاشتراكي الديمقراطي أن الدولة بحاجة إلى المزيد من الأموال، يجب أن يأتي هذا من خلال الضرائب"، وفق ما طالعته "العين الإخبارية".
وتابع "تملك ألمانيا بالفعل واحدة من أعلى الضرائب والرسوم في العالم. وبدلاً من زيادة الضرائب، ماذا عن التوقف عن توزيع أموالنا حول العالم؟"، في إشارة إلى المساعدات التي تقدمها برلين لدول مختلفة.
أما الخبير المالي، ماريو ميروتش فقال في تغريدة تابعتها "العين الإخبارية": "في أوقات العبء الضريبي العالي، والتضخم الهائل، وانهيار المعاشات التقاعدية، الحكومة صاحبة الأداء السياسي المنخفض، تتجه للحصول على المزيد من المال"، مضيفا "الحكومة تطبق مقولة "سأبقيهم فقراء" تجاه الشعب".
ووفق نظام ضرائب الدخل الحالي، فإن حد الإعفاء من الضرائب بالنسبة للعازب هو 9744 يورو سنويا، فيما يبلغ بالنسبة للمتزوجين 19488 يورو سنويا.
وإذا تجاوز الدخل السنوي للفرد/العائلة هذه الحدود، يصبح ضمن الشريحة الضريبية الأولى، والتي تصل فيها نسبة الضرائب من إجمالي الدخل، 14٪.
أما إذا تجاوز الدخل الخاضع للضريبة بالنسبة للأعزب 57،919 يورو سنويا، أو 115،838 يورو (للأزواج)، فإن معدل الضريبة يرتفع إلى 42٪.
فيما ترتفع نسبة الضرائب بالنسبة لأصحاب الدخول المرتفعة، إذ تصل للعازب الذي يتجاوز دخله 274،613 يورو سنويا، والمتزوجين الذين يتتجاوز دخولهم 549،226 يورو سنويا، 45٪ (أعلى معدل ضرائب).