دكتورة غادة.. أول مصرية تعالج الأمراض بالموسيقى
غادة عبدالرحيم تراسل أساتذة من هارفرد لتؤسس الرابطة العربية للعلاج بالموسيقى، وتضم أساتذة من مصر وفلسطين ولبنان وتونس والكويت
احترفت منذ صغرها العزف على الكمان والبيانو ثم ثقلت موهبتها بدراسة الموسيقى في كلية التربية النوعية جامعة القاهرة، ولأنها تعشق الاختلاف، تمردت بعد التخرج على العمل كمدرسة موسيقى وفتحت لنفسها آفاقا جديدة في مجالات أخرى.
تأثرت ببيتهوفن وموزارت وغيرهما، حتى أدركت المعنى الحقيقي للموسيقى ودورها في إصلاح المجتمعات، واستطاعت الدكتورة غادة عبدالرحيم، مدرسة علم نفس التربية الموسيقية بكلية التربية النوعية جامعة القاهرة وعضو الجمعية الأمريكية للعلاج بالموسيقى، ابتكار طرق جديدة للعلاج بالفن من خلال الموسيقى.
الموسيقى والفراعنة
وانعكست الهواية والموسيقى على حياة غادة، حيث تقول: "قرأت عن دور الموسيقى في التأثير على النفس البشرية، وفوجئت أنها لها تأثير على البشر منذ بداية الخليقة، فالإنسان البدائي كانت تؤثر عليه أصوات الطبيعة، أيضا الفراعنة كانوا أصحاب فن راقٍ، وتجلى ذلك في جدارياتهم، فظهرت آلات الهارب والطبول، وكان الملوك عندما يمرضون يجلبون لهم العازفين، لاعتقادهم أن الموسيقى تطرد الروح الشريرة من الجسد".
وأضافت: "بمرور الوقت، وخاصة في العصور الوسطى ثم في العصر الإسلامي، كان العرب يعزفون على العود لإخراج الطاقة السلبية والحزن، ثم ظهرت حفلات الزار، وبعد الحرب العالمية الثانية كان عازفو الشوارع يزورون المستشفيات للتخفيف عن مصابي الحرب، ومن هنا بدأت فكرة العلاج بالموسيقى وتم إنشاء رابطة لهذا الغرض".
علم النفسي الموسيقي
وترى غادة أن علاقة علم النفس بالموسيقى وطيدة من الدرجة الأولى، فعلم النفس الموسيقي مشتق منه العلاج بالموسيقى، وتابعت: "اكتشفت أن هناك 400 جامعة حول العالم تضم هذا التخصص، منها أكسفورد وكامبريدج وهارفرد، حيث تستخدم العلاج بالموسيقى للحيوان والنبات والإنسان، والنوع الأخير يستخدم في المدارس ودور المسنين ودور رعاية الأيتام والمؤسسات الخيرية".
الموسيقى.. وعلاج الأمراض
وساهمت غادة في علاج الاكتئاب ومرضى ضغط الدم وألزهايمر والسرطان، وكذلك علاج فرط الحركة وصعوبات القراءة والتعلم والتوحد، كما نجحت في إنقاذ مجموعات من الأطفال اللاجئين وأطفال الشوارع، وأثبتت الدراسات أن الموسيقى عالجت مرضى ألزهايمر والأطفال اللاجئين.
وتوضح غادة: "بدأنا على يد الدكتورة نبيلة ميخائيل أستاذة تربية موسيقية، التي تحدت زوجها طبيب الباطنة في علاج المرضى بالموسيقى، وبالفعل أعدت بحثا في ذلك ونجحت في إثبات وجهة نظرها، أما الأستاذة آمال صادق فأعدت ترجمات لقياس قدرة الموسيقى على إبداع الطفل، وأثبتت ذلك أيضا، إلا أن كل تلك الاجتهادات لم تندرج تحت مسمى معين في مصر في هذا الوقت".
وتابعت: "بعد تخرجي رفضت العمل كمعيدة وحصلت على ماجستير تربوي، لإصراري على التخصص، وبالفعل تم إصدار لائحة بتخصصات جديدة، مثل (علم نفس التربية الموسيقية) وكنت أول باحثة حصلت على الدكتوراه في هذا المجال وتحقق حلمي".
الموسيقى وذوو الإعاقة
تفرغت غادة عبدالرحيم لهذا المجال حتى لحقت بها سيدة أخرى، إضافة إلى طلاب الماجستير، ما خلق تعددا نوعيا في هذا المجال.
تقول: "دعيت إلى مؤتمر حول أصحاب الهمم بوزارة الثقافة، ووقتها تحدثت عن تجربتي، وكيفية علاجهم بالموسيقى، وبعد ذلك تحدث إليّ أحد الأساتذة في كلية الآداب جماعة القاهرة، وتم استحداث مقرر جديد باسم (العلاج بالفن)، وكلفني بالمشاركة فيه من خلال تدريس العلاج بالموسيقى، كما دعانا نقيب المهن التمثيلية الدكتور أشرف زكي للتدريس بمعهد فنون الطفل، وتم اقتراح إضافة مقررين للدراسات العليا في مجال علم النفس الموسيقي".
وبمرور الوقت راسلت غادة أساتذة من هارفرد لتعميق هذه الدراسة في مصر، وأسست الرابطة العربية للعلاج بالموسيقى، وشارك فيها مصريون كثر، ومن دول فلسطين ولبنان وتونس وبعض دول الخليج مثل الكويت، بهدف إقناع الناس بالعلاج من خلال الموسيقى.
مشروعات مستقبلية
وعن مشروعاتها المستقبلية تقول عضو الجمعية الأمريكية للعلاج بالموسيقى: "أفكر في التواصل مع المجلس القومي للأمومة والطفولة واليونيسف، لاستخدام الموسيقى في علاج التنمر، وتقديم الدعم النفسي بالموسيقى لتهذيب السلوك".
وتعمل غادة على تدشين أول موقع إلكتروني يتحدث عن هذا العلم لإقناع الناس بأهمية الموسيقى في علاج الأمراض المختلفة وتحسين السلوك، وتحلم بإنشاء أكاديمية تكميلية لهذا العلم.
وتنهي مدرس علم نفس التربية الموسيقية حديثها قائلة: "الموسيقى ليست مجرد سماع، فهي إيقاع ونغم، فلا بد من الشعور بكل حرف وكل كلمة، وكل مقطع، لذلك لا بد من عمل أناشيد ومسرحيات صغيرة لتعليم وتطوير مهارات الأطفال وتعديل سلوكياتهم، فالمذاكرة لها موسيقى معينة وكذلك الأكل والنوم".
وتؤكد غادة أن العلاج بالموسيقى لا يعني إلغاء دور الأطباء في العلاج، لكنها ترى أن الموسيقى تساعد في العلاج بشكل كبير.