الكاتب المصري محب جميل لـ"العين الإخبارية": رحلتي مع صالح عبدالحي بدأت من نقطة الصفر
محب جميل يقول إنه بعد انتهيت من مشروع فتحية أحمد وتلمست ردود الفعل الطيبة تجاه ما كتبت، توجب عليّ أن أبحث عن اسم لا يقل حجمًا أو تأثيرا
بعد إحاطته بسيرة المطربة الراحلة فتحيّة أحمد في كتابه "فتحيّة أحمد.. مطربة القطرين" الصادر عن دار "الجديد"، يطرق الكاتب والباحث المصري محب جميل عالم أحد أبرز أقطاب الطرب الشرقي في العالم العربي خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وهو المطرب المصري صالح عبدالحي.
ويصدر قريباً لجميل عن جمعية "عِرَب للموسيقى" في بيروت كتاب "صالح عبدالحي.. فارس الطرب"، ويعود اختياره لهذا الموضوع إلى محبّته لطرب صالح عبدالحي والتعلق به.
يقول محب جميل لـ"العين الإخبارية": "بعدما انتهيت من مشروع فتحية أحمد وتلمست ردود الفعل الطيّبة تجاه ما كتبت، توجب عليّ أن أبحث عن اسم لا يقل حجما أو تأثيرا عن فتحية".
ويضيف "ولأنني أستمع طول الوقت إلى أصوات تنتمي إلى تلك الحقبة، فكان اسم صالح عبدالحي يفرض نفسه بقوة على ذائقتي ومخيلتي، كنت ولا أزال متيما بالمقطع الأثير في أحد مواويله عندما يقول (أجريتْ يا ليل على الخدين مدامعهم)، وفي كل مرة كنت أستمع إلى المقطع السابق، كنت أشعر بحالة غريبة من نشوة الطرب والتماهي مع صوته المشحون بالشجن".
ويتابع: "طالما كنت أحزن عندما أرى الرجل وهو يتحول في بعض الأفلام السينمائية إلى مادة للتندر والفكاهة، صالح عبدالحي كان مطربا استثنائيا في الإذاعة المصرية وواحداً من الذين أسهموا بصوتهم في انطلاقها منذ يومها الأول إلى جوار أصوات الشيخ محمد رفعت والسيدة أم كلثوم والموسيقي سامي الشوا والموسيقار محمد عبدالوهاب، كما لعب صالح دورا بالغ الأهمية في الحفاظ على إرث غنائي ضخم لمدرسة النهضة التي انطلقت في النصف الثاني من القرن الـ19 على يد مطربين كبار أمثال: عبده الحامولي، محمد عثمان، يوسف المنيلاوي، محمد سالم العجوز، عبدالحي حلمي، وسلامة حجازي وآخرين".
يقع الكتاب في 111 صفحة من القطع المتوسطة، وكتب مقدمته الناقد الموسيقي العميد أسعد مخول، ويتكون من 8 فصول بالإضافة إلى ملحق بأشهر أغنيات صالح عبدالحي والصور الفوتوغرافية النادرة وقائمة بالمصادر والمراجع التي مرّ بها الكاتب في رحلة بحثه.
ويتحدث محب جميل عن أكبر تحديات رحلة بحثه قائلاً: "كانت مشكلتي الأساسية أن معظمنا تقريبا يعرف صالح عبدالحي اسما لكن تفاصيل حياته غير معلومة بشكل تفصيلي، ولاحظت أيضا أن أغلب المعلومات عنه مكررة وليس بها أي جديد، فكان عليّ أن أبدأ من نقطة الصفر وأبحث عن مراحل حياته المختلفة بشكل أكثر توسعا، فنحن نستمتع طول الوقت إلى تسجيلاته المتوفرة على الشبكة العنكبوتية لكن السؤال: ماذا عن طفولته؟ كيف كانت نشأته؟ كيف كان تأثير خاله المطرب القدير عبدالحي حلمي في حياته؟ كيف دخل إلى دنيا الطرب؟ كيف عاش بعيدا عن عالم الأضواء والشهرة؟ وكل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات تفصيلية بلا شك".
يضيف: "كان لا بد من العودة إلى الدوريات الفنية والاجتماعية المصرية منذ أن بدأ العمل في 1914 حتى رحيله في 1962، فعلى عكس فتحية أحمد التي احتاجت أغلب المعلومات عنها إلى إعادة النظر والتدقيق، كان صالح يحتاج إلى تفاصيل عديدة للتعرف إلى حياته أكثر فأكثر".
ويضيف صاحب الكتاب أن من أبرز ما لفت نظره بشكل شخصي وبحثي في سيرة صالح عبدالحي هي الحياة التي عاشها وحيدا متنقلا بين السهرات والأفراح التي يحييها، وهذا الذكاء الفطري الذي امتلكه ومكنه من أن يدرك أدق التفاصيل في عالم الطرب والغناء.
ويتابع في هذا السياق "رغم الطفولة القاسية التي عاشها، لكنه نجح في أن يكمل طريقته ويتجاوز كل العقبات، وسعدت جدا خلال بحثي عنه في الوصول إلى حلقات مذكراته النادرة التي نشرتها إحدى المجلات، والأمر الغريب هنا أن المجلة لم تكن فنية بالأساس لكنها اجتماعية شاملة وهي (صباح الخير)، فتلك الحلقات هي بمثابة وثيقة شديدة الأهمية ليست لكونها تسرد حياة صالح عبدالحي الفنية والشخصية بل ترسم لنا صورة شاملة حول طبيعة الحياة الاجتماعية والفنية في مصر منذ الحرب العالمية الأولى حتى بداية الخمسينيات".
ويرى الكاتب المصري محب جميل أن الشروع في مادة بحثية جديدة بعد انتهائه من كتابه عن صالح عبدالحي أمر من المبكر الحديث عنه الآن، "أفضل أن آخذ استراحة محارب لفترة ليست هينة، فكتاب صالح أخذ وقتا طويلا وشاقا في البحث والكتابة والتنسيق والإعداد، ولا شك أن هناك أسماء عديدة تحتاج إلى مطبوعات لكن المشكلة الأساسية كما ذكرت هي في توافر المصادر التي تحتاج إلى التنقيب عنها أولا، ومدى حماس الناشرين لمثل هذه المشروعات من ناحية أخرى".