حمادي الجبالي.. "الصندوق الأسود" لإرث الإخوان الدامي في تونس

رئيس الحكومة التونسية الأسبق وأحد مؤسسي حركة النهضة وأمينها العام السابق يرشح نفسه رسميا لخوض الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل

لم يكن مروره بالسلطة في تونس مرور المنقذين والحاملين لمشروع البناء والتشييد، ولم يكن سياق العمل السياسي في عهده على وتيرة الهدوء الديمقراطي الذي تلتزم فيه الدولة بالحياد التام تجاه كل الأطراف.. إذ لم تعرف مرحلته إلا غرقا مضاعفا لمؤسسات الدولة الاقتصادية وبداية لانهيار مدوٍ في جميع المؤشرات.

• تونس بأسبوع.. فشل حزب الشاهد ودعوات لتصنيف الإخوان إرهابية

هكذا يصف كل المراقبين فترة رئاسة حمادي الجبالي للحكومة التونسية من ديسمبر/كانون الأول 2011 إلى 9 فبراير/شباط 2013، فترة عرفت انتشار الإرهاب وتمركز الجماعات المسلحة في جبل الشعانبي الذي يقع غرب البلاد.

حمادي الجبالي الذي يمثل أحد مؤسسي حركة النهضة الإخوانية وأمينها العام السابق، رشح نفسه رسميا لخوض الانتخابات الرئاسية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ويمثل حصان الإخوان للتمكن من دواليب قصر قرطاج، غير أن معارضيه يرون فيه عنوانا لمراحل مظلمة في تاريخ تونس انطلقت منذ سنة 1981 (تاريخ تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي).

• رفضا للإخوان.. الاستقالات تضرب بلديات تونس

وتقول ريحان قويدر الناشطة السياسية وأستاذة اللسانيات في الجامعة التونسية ضمن هذا الإطار في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إن حمادي الجبالي يمثل الوجه الأخطر في تاريخ الإخوان، حيث إن فترة حكمه عرفت سيطرة للجماعات المتشددة على الشارع التونسي وخاصة ما كان يسمى بـ"رابطة حماية الثورة" ذات الطابع العنيف "مليشيات إخوانية".

وأضافت أن حظوظ فوزه في الانتخابات تبدو ضعيفة، حيث إن شركات استطلاع الرأي لم ترصد رضا شعبيا تجاهه خلال سنة 2019، مشيرة إلى أن الذاكرة التونسية ما زالت تحتفظ لهذا الرجل بغزوة "المنقالة" (تعني "الساعة" باللهجة التونسية)، عندما سمح لمجموعات من تنظيم أنصار الشريعة يوم 25 مارس/آذار 2012 بالتظاهر ورفع أعلام داعش وسط الشارع الرئيسي بتونس (شارع الحبيب بورقيبة).

وتابعت: "الجبالي لا يملك أدوات الإقناع الكافية لخلق جمهور من المتعاطفين، ثم إن رصيده في الحكم كان سلبيا وفتح أبواب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية أمام الدولة التونسية".

حصيلة "صفرية" لسنة واحدة من الحكم

يؤكد حسين الديماسي وزير المالية الأسبق في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن حكومة الجبالي أنفقت أموالا لأنصارها أفقدت الموازنة المالية للدولة، مبينا أن تلك الأموال كانت بعنوان التعويضات على سنوات السجن في زمن زين العابدين بن علي.

وأشار الديماسي الذي قدم استقالته بعد 3 أشهر من دخوله الحكومة في بداية سنة 2012 إلى أن الجبالي لم يكن يملك من "الحكمة" الكافية لتسيير الشأن العام في تونس.

هي حصيلة سلبية تجعل من حمادي الجبالي غير قادر على منافسة الشخصيات الصاعدة في المشهد على غرار رجل الأعمال نبيل القروي الذي تحصل مؤخرا على نسبة 20% في مؤشر رضا التونسيين، مع الصعود القوي لرئيسة حزب الدستوري الحر عبير موسى التي استطاعت تركيز فروع حزبها في كل محافظات تونس (24 محافظة).

صندوق أسود لملفات الإرهاب

يرى العديد من المراقبين أن الحواضن الفكرية التي ينهل منها حمادي الجبالي لا تبدو مضيئة، خاصة وأنه كان رقما أساسيا في الجناح السري لحركة النهضة في ثمانينيات القرن الماضي.

ويبين الناشط النقابي خليفة بن حميدة في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن شخصية الرجل ارتبطت بتفجيرات النزل في ساحل تونس صيف سنة 1986، كما ارتبطت به عملية حرق أعضاء من حزب زين العابدين بن علي في شتاء 1991.

هذه الأفعال الإرهابية اعترف بها حمادي الجبالي في ندوة سياسية وقع بثها على التلفزيون التونسي في مارس/آذار 2011، معتبرا إياها جزءا من " أخطاء العمل السياسي لحركة النهضة".

ويرى بن حميدة أن الجبالي هو الصندوق الأسود للجهاز السري للإخوان، إضافة إلى أنه كان إحدى أذرع العمل العسكري الذي انتهجته حركة النهضة زمن معارضتها لبن علي (1987-2011)، مشيرا إلى أن هذه التفاصيل يعيها الشعب التونسي الذي يجب أن يغلق المنافذ أمام كل الشخصيات التي لها علاقة بالتشدد الديني والتطرف.

طيف بلعيد وحادثة "سليانة"

يتساءل المعارض اليساري محمد بن بلقاسم (الناشط صلب الجبهة الشعبية) في تصريحات لـ"العين الإخبارية" عن الجدوى من اختيار الجبالي رئيسا لتونس بعد 2019، مذكرا بالاعتداء الأمني على الشباب المحتج على سياسات حكومته من محافظة سليانة في فترة رئاسته الجهاز التنفيذي للدولة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، والذي خلف إصابة 400 شخص بأضرار بدنية مزمنة على إثر "رش" المواطنين بخراطيش الصيد.

وبين بلقاسم أن طيف المعارض اليساري شكري بلعيد سيظل يلاحق أيضا حمادي الجبالي، لأنه لم يوفر الحماية الأمنية لمعارضيه أمام أذرع الإخوان العنيفة.

هكذا يتلخص تاريخ الرجل بين ماض ملطخ بالدماء وحاضر ما زالت تعاني فيه تونس نتائج سياسة الإخوان الاقتصادية والاجتماعية الخاطئة التي يمثل الجبالي جزءا منها.