الاقتصاد الأسود لـ"حزب الله" في مرمى القضاء الفرنسي
الأمن الفرنسي يلقي القبض على خلية تابعة لحزب الله الإرهابي تتألف من 15 فردا، متورطة في أنشطة غسيل أموال.
بعد وقت قصير من الفضيحة المدوية التي فجرها موقع "بوليتوكو" الأمريكي حول تورط إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في تعطيل قوانين تلاحق أنشطة مشبوهة لـ"حزب الله" الإرهابي، نقلت صحيفة "لو نوفيل أبسرفاتور" الفرنسية عن الأمن المحلي، القبض على خلية مرتبطة بالمليشيا اللبنانية.
الخلية تتألف من 15 شخصاً يتبعون جميعهم حزب الله الإرهابي، قرر القضاء الفرنسي إحالتهم للمحكمة الجنائية بتهمة الاتجار في المخدرات وغسيل الأموال والتآمر.
"سيدار".. من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا وأفريقيا
الخلية التي تم القبض عليها في فرنسا والتي تعرف باسم "سيدرا"، تعد امتداداً لأكبر شبكات تبييض الأموال، التي تمارس أنشطتها غير المشروعة بين كولومبيا وأوروبا، وتستخدم مصرفيين سريين من أبناء الجالية اللبنانية، لإتمام عملياتها، مما يساعدهم في تسهيل مرور الأموال عبر الحدود وعلى مرأى ومسمع من الجميع.
وتعتمد أنشطة هذه الشبكة على المصالح المشتركة مع تجار المخدرات الكولومبيين الراغبين في نقل الإيرادات النقدية لتجارة الكوكايين عبر أوروبا إلى موطنهم، وذلك عبر المصرفيين السريين من أبناء الجالية اللبنانية المرتبطين بحزب الله الإرهابي.
وفي يناير/ كانون الثاني 2016، نجح ضباط الشرطة الفرنسية من "الديوان المركزي لمكافحة الجريمة المالية المنظمة"، خلال عملية أمنية مشتركة مع وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية وعدد من الأجهزة الأمنية الأوروبية، في تفكيك شبكة واسعة لتبييض الأموال القادمة من كولومبيا إلى أوروبا.
وفي العملية نفسها، اعتقلت الأجهزة الأمنية العديد من عناصر الشبكة ممن كانوا موجودين بالعاصمة الفرنسية.
الشبكة تم القبض عليها عقب رصد إرسال عدد من أعضائها عشرات الملايين من اليوروهات إلى كولومبيا، وقيامهم برحلات متكررة إلى فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا وألمانيا وبلجيكا لتدوير أموال المخدرات.
التحقيقات كشفت عن أن الشبكة تستخدم طرقاً مختلفة للتمويه ومنع تعقبها، منها: شراء السيارات والساعات الفاخرة من أوروبا، وإعادة بيعها في لبنان ودول أخرى، ولعل من أطرف ما ذكرت الصحيفة هو أن أحد أعضاء الشبكة اشترى ساعات بقيمة أكثر من 14 مليون يورو.
وبحسب الصحيفة الفرنسية، فإن المدعي العام في باريس أطلق اسم "سيدار" على المجموعة اللبنانية، نسبة إلى الأرزة اللبنانية التي تزين العلم، كما أمر بإحالة الموقوفين الـ15 إلى المحكمة الجنائية، بينهم مهربون وتجار مخدرات ومبيّضو أموال، لافتة إلى أن 4 أشخاص من الخلية رهن الاعتقال حالياً.
مافيا المخدرات وغسيل الأموال
وبخصوص سير عمليات غسيل الأموال الناتجة عن الاتجار بالكوكايين، يجمع أعضاء الشبكة الأموال من مختلف أنحاء أوروبا، ليتم استخدامها في مرحلة أولى، لشراء الساعات والمجوهرات والسيارات الفاخرة، والتي تعرض للبيع في لبنان أو في غرب أفريقيا، لترسل عائداتها في مرحلة تالية إلى أمريكا الجنوبية عبر مكاتب الصرافة العادية.
يترأس الشبكة شخص يدعى محمد عمار، يلقب بـ"أليكس"، يبلغ من العمر 32 عاماً، ويعيش متنقلاً بين كولومبيا ولبنان ودبي والولايات المتحدة الأمريكية، وقد ألقي القبض عليه في ميامي الأمريكية، في أكتوبر/تشرين أول 2016، على خلفية نشاط مصرفي مشبوه.
وخلال التحقيقات، اعترف محمد بالعمل لصالح شبكة معروفة في مدينة ميدلين الكولومبية، تسمى "لا أوفسينا"، مستعيداً بذلك نشاط والده في مجال المعاملات المصرفية المشبوهة.
وفي فبراير/شباط 2015، أوقفت السلطات السويسرية شقيق محمد، وبحوزته 870 ألف يورو نقداً، وفي العام نفسه، ألقي القبض على شخصين كانا على اتصال بزوجة محمد في هولندا، وبحوزتهما مليوني يورو.
ويعتمد محمد في أنشطته على 3 أشخاص يعيشون في لبنان، أحدهم زوج مغنية محلية شهيرة، والثاني يدعى "محمد أن"، وهو مسؤول بشركة صرافة تتخذ من بيروت مقراً لها، وتم إيقافه في فبراير/شباط 2016 لدى وصوله إلى مطار "شارل ديجول" بالعاصمة الفرنسية.
ويؤمّن الثلاثي عملية التنسيق فيما يتعلق بالأموال التي عهدوا بها لـ3 فرق مختلفة من أبناء الجاليات اللبنانية في أوروبا، من خلال تنقلات دائمة إلى كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا وألمانيا وبلجيكا، لجمع الأموال المشبوهة.
"حزب الله" في قلب الأحداث
خلال جلسات الاستماع، زعم أغلبية المتورطين- باختلاف درجات ضلوعهم في القضية- أن يكونوا على علم بأن هذه الأموال مصدرها المخدرات.
أحد أعضاء الشبكة، ويدعى "علي. ز"، تحدث عن أموال قادمة من "أفريقيا يؤمّن دبلوماسيون أفارقة عمليات نقلها"، فيما تحدث آخر عن التهرب الضريبي، وثالث عن أموال مغني ليبي في فرنسا.
هذه الادعاءات فندها المدعي العام لباريس، معتبراً أن "النصائح التي توجه لناقلي الأموال، بما يضمن لهم الهروب من المراقبة، والوسائل المستخدمة، علاوة على السبل التي يستخدموها لتهريب الأموال، وإيقاف عدد من أعضاء الشبكة وبحوزتهم مبالغ تنبئ بمصدرها، تعتبر معطيات تؤكد أنه من المستحيل أن يكون هؤلاء على جهل بمصدر ما يحملون".
غير أن المثير للجدل هو أن التحقيقات كشفت عن أن رأسي الشبكة، وهما محمد عمار و"علي. ز" يعملان أيضاً لحساب حزب الله الإرهابي، ما يؤمن للأخير إيرادات تناهز الـ500 مليون دولار سنوياً، وفق الصحيفة.
وبرز اسم محمد عمار بشكل خاص في "مشروع كاساندرا"، وهو تحقيق واسع تجريه وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية منذ 2008 حول أنشطة المليشيا الشيعية في تجارة المخدرات.
ففي هاتف "محمد. أن"، والذي يعتبر هو الآخر تابع لحزب الله، عثر ضباط الشرطة على رقم شخص يدعى محمد علي، تم إيقافه في مطار أبيدجان بكوت ديفوار، يونيو/حزيران 2016، وبحوزته 1.7 مليون يورو، موجهة لحزب الله، مصدرها المخدرات.