بنهج إيراني انقلابي.. صراع الزعامة يأكل مليشيا الحوثي
من عدة نواحٍ، تجسّد قصة محمد بدر الدين الحوثي، المرجعية الروحية لمليشيا الحوثي، مثالا أصيلا عن صراع الزعامة بين الإخوة الأعداء.
كما تمثل القصة ذاتها نهج إيران في دعم نفوذ الزعيم الحالي لمليشيا الحوثي عبدالملك الحوثي كـ"أراجوز" للقائد المنقاد.
كما أن إخضاع محمد (55 عاما) وهو الابن الرابع لـ"بدر الدين الحوثي" تحت الإقامة الجبرية، يلقي الضوء على التوجه الإيراني في تكريس دائم لـ"حزب الله" آخر باليمن، لا سيما بعد الظهور العلني لمندوب طهران "حسن إيرلو" بصنعاء والذي جاء تتويج لقص أجنحة الرافعة الحوثية الأولى دينيا وسياسيا وعسكريا، وفقا لمصادر أمنية يمنية تحدثت لـ"العين الإخبارية".
وتبدأ القصة منذ 30 عاماً، مع انتقال "محمد" إلى صنعاء للدراسة الجامعية في قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب، وتحويل مقر سكنه إلى مركز لاستقطاب الطلاب المنحدرين من"ضحيان" صعدة وعقد "ورش ثقافية" تتبنى "الزيدية الحديثة" أو بالأصح صيغة معدلة من المذهب الزيدي.
وفي عام 1992، شرع الشاب المتشدد للزيدية، في تأسيس ما يعرف بـ"منتدى الشباب المؤمن" وإصدار منشورات ورقية باسم مجلة "الفجر"، وتشييد أول كيان إداري للتنظيم في مدينة ضحيان كأهم رافعة دينية، معتمدا على مناهج والده وشباب ناشئ من الأسر السلالية عملوا في غسل أدمغة الطلاب من خلال دورات دراسية متصلة أثناء العطل الصيفية من كل عام.
حينها، كان الزعيم المؤسس للمليشيات، حسين الحوثي، يجري أول زيارة لإيران ثم بين صنعاء والسودان، في نقل تجربة تنظيم هناك لم يكتب له النجاح عُرف بأسم"انصار الله"، وعند عودته مطلع 2000، فيما كان "محمد" قد أسس عشرات المراكز الدينية التي عملت في التهيئة لنشر الفكر الجارودي الإثنى عشري أو بالأصح التجربة الخمينية المناهضة شكليا لأمريكا واسرائيل.
وصعد الشقيق الأكبر "حسين" على أكتاف "محمد" كرائد للحركة الحوثية و"حزب الحق"، وبدعم إيراني، توسعت الأنشطة تحت غطاء الإرشاد في صعدة وعدد من المحافظات اليمنية، غير أن السلطات تنبهت لخطورة "محمد" وألقت القبض عليه، فيما فر "حسين" للجبال معلنا أول حرب مع الجيش اليمني سابقا 2004.
وتفيد تقارير دولية بأن مهمة "محمد بدر الدين" كانت تتمثل بنشر الدعوة الزيدية بهدف إقامة دولة شيعية في اليمن، غير أنه بعد إطلاق سراحه، بعد قرابة عام، تفاجأ أن شقيقه الأصغر "عبدالملك" بات زعيما خلفا لـ "حسين" الذي لقي مصرعه، دون أن يملك أي مؤهلات علمية ودراسية، وحتى على المستوى الديني.
وفي تصريحات صحفية قال"محمد" إن والده ( بدر الدين)، هو من اختار "عبدالملك" (24 عاما حينها) لزعامة الجماعة باعتباره الطفل "المدلل" من زوجته الصغرى، ولأنه لازمه عند تدهور صحته لمقتل اثنين من أبنائه، وفضّله على ما تبقى من إخوته الـ15 وهم أشقاء لأب و4 أمهات.
غير أن الحقيقة التي فاقمت خلافته فيما بعد مع "عبدالملك" الذي لم يظهر علنا إلا عام 2008، هو أنه لم يصل إلى أي مرتبة للمرجعيات الدينية، كما هو حال رجال الدين بـ"قُم والنجف وبيروت"، ولو لم يدر خبراء حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني المعارك بقيادة يوسف المداني، متزوج ابنة الزعيم المؤسس "حسين"، لما صمد في خوض 6 حروب مع الجيش اليمني امتدت حتى 2010.
الزعيم الروحي
علمت "العين الإخبارية" من مصادر أمنية، أن زعيم المليشيات، عبدالملك الحوثي، قام بفرض الإقامة الجبرية على شقيقه الأكبر "محمد" قبل أن يلجأ لإخفائه قسريا في معقله الأم صعدة.
وطبقا للمصادر، فإن آخر ظهور لمحمد بدر الدين الحوثي، كان في منتصف عام 2018 بمحافظة الحديدة، عندما دفع به زعيم المليشيات على رأس تعزيزات كبيرة لإسناد جبهة الساحل الغربي.
فيما عزت مصادر إخرى، صراع الزعامة في عائلة الحوثي، إلى أنه يتمحور بين الأخوين "محمد" المرجعية الدينية، و"يحيى" الذي يشغل حاليا وزيرا للتربية والتعليم في حكومة الانقلاب الغير معترف بها، وتصاعدت عقب تسريبات تفيد أن زعيم المليشيات بات يعد نجله الطفل "جبريل" لخلافته حال مقتله أو وفاته.
وكثف زعيم مليشيا الحوثي من التشديدات الأمنية على إخوته منذ مصرع رأس الأمن الوقائي، شقيقه "إبراهيم" العام الماضي إثر توسع صراعات أجنحة المليشيات الداخلية بصنعاء.
ويختلف الأمر تجاه شقيقه"محمد" الذي يعتبر نفسه أنه المرجعية الدينية للجماعة والزعيم الروحي للمقاتلين العقائديين، بالإضافة إلى محاولته تجنب الصدام الطائفي مع المذاهب الأخرى، وهو أمر يرفضه زعيم المليشيات، و خبراء الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني.
وحسب المصادر فإن عناصر إيرانية ولبنانية كانت ترتب لإزاحة "محمد بدر الدين" وتنصيب محمد عبدالملك الشامي كزعيم روحي لجماعة الحوثيين، والأخير مندوب عبدالملك الحوثي إلى إيران ولبنان وسوريا والعراق، ومؤسس المدارس الابتدائية الشيعية المتخصصة المرتبطة بمدارس المصطفى في لبنان.
وأوضحت المصادر، أن "محمد" كان له اليد الطولى في الاطاحة بمنافسه "الشامي" عندما اشترك مع قيادات حوثية آخرى كصالح الصماد ويوسف المداني وحسن زيد في التنسيق مع تنظيم داعش الإرهابي لاستهداف موقع تواجده في مسجد الحشوش بصنعاء 2015 وتم نقله جوا إلى طهران لتلقي العلاج الطبي ولكنه قتل متأثرا بجروحه ولمكانته دفن في مقبرة أبطال "حزب الله" ببيروت.
صراع برعاية إيرانية
ويرى الناشط السياسي اليمني عبدالحليم عبدالوهاب أن الصراعات الداخلية الحوثية تطول 3 مستويات وكلها مخطط إيراني للحد من نفوذ الجناح الحوثي القديم والذي استطاع مع إطالة أمد الحرب من تكوين نفوذ وثروة وباتت تنتهج سياسية خارج مصالح نظام طهران.
وقال، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إن اخضاع "محمد بدر الدين الحوثي" من قبل شقيقه عبدالملك الحوثي هو صراع حول الزعامة فيما الخلافات الأكثر فتكا تتمثل بصراع المصالح وقيادات الصف الأول والثاني والتي تطمح للعب أدوار مستقبلية في أي تسوية سياسة.
وجاء مقتل حسن زيد الشهر الماضي، وقبله إبراهيم الحوثي كدلالة لتآكل خفي يضرب الكيان التنظيمي لمليشيات الحوثي، وحسب الناشط اليمني، فأنها في المحصلة تجري تحت رقابة إيرانية والتي تمهد لجيل جديد مماثل بالانقياد لعبدالملك الحوثي ويكون ولائه لمصالح طهران في سلم أولوياته.
ولفت عبدالوهاب إلى أن صراع الزعامة بين الأخوة الأعداء تنبهت له طهران باكرا وعززت من نفوذ الأخ الأصغر عبدالملك الحوثي كحسن نصر الله آخر وسعت لتحجيم تدريجي لدور شقيقة "محمد" وأذرعه النافذة، أبرزهم الذراع العسكرية يوسف المداني والذي أبعد من عضوية المجلس السياسي الأعلى، وعين قائد للمنطقة العسكرية الخامسة رغم أنه مهندس حروب صعدة الستة وأبرز قائد دبر الانقلاب بصنعاء.