كيف أتجاوز الحزن الدائم والمفاجئ؟ إليك 7 طرق لتخطي الخسارة والفقد
بعد الفقدان، كيف أتجاوز الحزن الذي يعتصر القلب ويسلب المعنى من الحياة.. من فهم المشاعر التي تبدو بلا نهاية والتعامل معها عبر عدة طرق.
غصة ومرارة وألم شديد ينهش قلبك، تشعر أنك غارق ولا سبيل للنجاة، تتسائل كيف أتجاوز الحزن وأتقبله ومتى أعود لحياتي؟ لا يبدو الأمر سهلا، فمن اختبر أن يسكن الحزن الشديد قلبه، يعلم جيدا أن مشوار التخلص من هذا الشعور يحتاج إلى صبر وفهم، خاصة وإن كان حزنه نتيجة لفقد عزيز أو التعرض لخسارة وهزيمة وصدمة نفسية كبرى.
كيف أتجاوز الحزن والاكتئاب
في فيلم أنيمشن موجه للأطفال باسم Inside Out، تخيّل صناع العمل أن مشاعر الفرح والغضب والخوف والاشمئزاز والحزن متجسدة في أشخاص داخل عقل كل منّا، وبقدر بسيط وفق الموقف يتم وضع كرات للمشاعر التي تناسبه، وفي عقل الفتاة التي تنتقل مع أسرتها إلى بيت جديد، ويهاجمها الشعور بالحزن لافتقاد أصدقائها وحياتها القديمة تشتبك هذه المشاعر.
في الفيلم، نجد الفرح لا يريد للحزن أن يظهر، وكلما اقترب من عقل الفتاة أبعده، معتقدا أن حل المشكلة هو تفعيل الذكريات السعيدة فقط، ولكن بتهميش الحزن بدأت الفتاة تتخذ قرارات خاطئة وغير واعية، وكأن الفيلم يريدنا أن نعرف أن الحزن رغم قسوته يجب أن نختبره وأن نتركه يغمرنا، حتى نستطيع تجاوزه فيما بعد.
الفرق بين الحزن والاكتئاب
وحتى نجيب عن كيف أتجاوز الحزن علينا أن نفرق بين مشاعر الحزن والاكتئاب، فقد تجدين صديقتك تخبرك بأنها مكتئبة بينما هي تقصد أنها حزينة، أو تكتشف أن صديقك مكتئب في حين يعتقد هو أنه لم يعد يستسيغ الطعام أو أنه يشعر بالأرق فقط. الأمر قد يبدو غير واضح، ولكن الحقيقة هو أن الحزن شعور يعني أنك حيّ قادر على أن تتفاعل مع محيطك، بينما الاكتئاب هو فجوة تغرق بها تجعل رؤيتك للحياة زجاجية بلا أي مشاعر.
هل أنت حزين أم مكتئب؟
ولا يعني ذلك أنهما غير مترابطين، فالغرق في الحزن الشديد لفترات طويلة دون مواجهته وفهمه، قد يؤدي إلى الإصابة بنوبات اكتئاب كبيرة، وما يجعل التفريق بين الحزن والاكتئاب صعبا أن هناك مجموعة من الأعراض التي تشترك بينهما، وهي:
- الأرق.
- اضطرابات الأكل (سواء بفقدان الشهية أو النهم الشديد).
- خسارة أو اكتساب الون بصورة ملحوظة.
- البكاء.
- الشعور بالذنب
أعراض الحزن الشديد
ولكن ما بين الحزن والاكتئاب فروقات كبيرة، فكل منهما يأتي بعلامات وأعراض مختلفة، فالحزن غالبا ما يكون نتيجة الفقد أو التعرض لحدث مأساوي، ولذلك قد ياتي في صورة:
- الحزن العميق واليأس.
- البكاء المستمر أو فقدان القدرة على البكاء.
- ضعف التركيز.
- فقدان الاهتمام بأي أنشطة.
- الاعتقاد بأن الراحة في اللحاق بمن رحلوا (في حال وفاة شخص مقرب).
- شعور بالغضب الشديد.
- الشعور بالتعب الشديد وفقدان الطاقة.
- في بعض الحالات، تظهر علامات التجاهل الشديد للحزن.
- ذكريات مختلطة عن سبب الحزن الرئيسي.
- شعور بالذنب أحيانا.
الاكتئاب الشديد ما هى أعراضه؟
أما الاكتئاب قد يصيب الفرد دون أن يدري سببه الرئيسي في كثير من الأحيان، وقد يكون بسبب التعرض لصدمة ما، او عدم القدرة على التعامل مع الحزن، او بسبب جينات وراثية من أحد أفراد العائلة، وتظهر أهم أعراض الاكتئاب في:
- تصبح كل الأشياء بلا معنى.
- فقدان الاهتمام والشغف تجاه أي نشاط، حتى التي كنت تحبها من قبل.
- الشعور بالتعب المفرط دون القيام بأي مجهود.
- فقدان احترام الذات، والتقليل من شأن نفسك.
- المبالغة في الشعور بالذنب على كل شيء فعله ولم يفعله.
- أن يراود الشخص أفكار وأفعال انتحارية.
- الشعور أنه بلا قيمة.
- الأرق أو النوم لساعات أطول من المعتاد.
- يظهر تأثير الاكتئاب في الدراسة أو العمل، وعدم القدرة على أداء المهام اليومية العادية.
- إهمال النظافة الشخصية.
الاكتئاب الإكلينيكي مرض نفسي يستلزم زيارة الطبيب، ولكن الحزن شعور طبيعي لا يعني تواجده أنك تعاني من مرض ما.
مراحل الحزن
حتى نتجاوز الحزن ونزيله من قلوبنا، علينا أن نفهمه ونعرف الطريقة التي نتعامل بها عند الفقد الذي يحدث بوفاة من نحب أو بالافتراق، فنحن لا نشعر بالكدر والغم فقط، لكن مشاعر الحزن عميقة والمتعلقة بالفقدان بشكل خاص تعتبر قاسية وتمر بمراحل ولها جذور داخل النفس، فهو ليس مجرد شعور ولكنه أحاسيس مختلطة ومعقدة.
ولأن الحزن معضلة كبيرة، قدم كثير من علماء النفس وكُتاب الأدب أيضا تفسيراتهم لهذا الشعور وتحليلاتهم لما يمرذ به الإنسان، ومن أهم ما تم طرحه في فهم مشاعر الحزن، ما قدمته الطبيبة النفسية السويسرية الأمريكية كيوبلر روس في كتابها "عن الموت والوفاة" أو "On Death and Dying" الذي صدر عام 1969.
المراحل الخمس للحزن
من خلال خبرتها في التعامل مع مرضى يفقدون حياتهم، وملاحظتها لمشاعر الحزن التي تخلف وفاة الأحباء أو التعرض لمصائب كبرى، قسمت كيوبلر روس الحزن إلى 5 مراحل قد تطول أو تقصر كل مرحلة منها وفق تجربة كل شخص، وصار أطباء علم النفس يستدلون بها في علاج مرضاهم، وتضم هذه المراحل:
1. الإنكار Denial
رغبتنا في عدم تصديق أننا فقدنا من نحب، قد تدفعنا إلى إنكار ما حدث ومحاولة التفاعل بطريقة تبدو عادية، ونتعمد التغافل عن أي فعل أو حدث يذكرنا بما فقدنا، وتعد هذه طريقة دفاعية لاواعية من أدمغتنا للتعامل مع الصدمة، ورغم أنها تبدو مرحلة مقلقة لمن حولنا، يظل الإنكار قادر على حمايتنا لفترة من الوقت- وفقا لكل شخص- حتى نكون أكثر استعدادا لتقبل الأمر الواقع.
2. الغضب Anger
تنتقل بعدها إلى الشعور بالغضب، الذي يبدو كقشة تتعلق بيها حتى لا تغرق في بحور الحزن الهائمة وتضيع، عادة ما يكون غضبك ممزوجا بالإحباط والشعور بالذنب من بقائك على قيد الحياة بينما أحبائك رحلوا، وقد تجد نفسك غاضبا ممن حولك أو من الغرباء الذين لا يشعرون بألمك أو تجاه أصدقائك او نفسك، أو حتى ممن توفى وكأنه تخلى عنك وخانك، فأنت تخفي شعورك بالألم عن طريق الغضب.
3. المساومة (ماذا لو..) Bargaining
متاهة المساومة تبدأ دوما بـ "لو"، فألم الفقد يجعل كل ما يتمناه الفرد أن يعود إلى ما قبل فجيعته وكأن شيئا لم يحدث، كما أن شعورا قاتلا بالنذب يرافقه، فيلوم نفسه أنه ما زال حيا وأنه يأكل ويقابل أصدقاءه، فتلاحقه أفكار "هل لو اكتشفت المرض مبكرا كان ما زال حيا"، "ماذا لو أيقظته قبل أن أذهب إلى عملي.."، وهكذا.
المساومة هدفها أن تُبقي داخلنا الأمل في أن شيئا كان يمكنه أن يغير الوضع ويعيد من نحب، هو طريقة نحاول أن نُخفي بها الألم الذي يقهر قلوبنا ويشتت عقولنا، وكأننا نتفاوض على الخروج منه بأقل الخسائر.
4. الاكتئاب Depression
في اللحظة التي تُدرك فيها أنك أمام الأمر الواقع وأن رحيل أحبائك وفقدانهم إلى الأبد حقيقة تتمثل أمامك، تشعر أنك غارق في حزن عميق يبدو بلا نهاية، وتفقد الحياة معناها بالنسبة لك وتدخل في نفق مظلم من الشعور بالفراغ وتنسحب من كل أنشطة الحياة، وتفضل الانعزال معتقدا أنك لن تعود كما كنت أبد، في هذه المرحلة اكتئابك استجابة طبيعية للفقد وخطوتك نحو التغلب على الحزن.
ويجب إدراك أن الاستمرار في مرحلة الاكتئاب لفترات طويلة، وأن يعيقك الحزن عن أداء نشاطاتك اليومية المعتادة، والوصول إلى مرحلة لا تتمكن من تجاوزها، أمر يستدعي طلب المساعدة المتخصصة.
5. التقبل Acceptance
مرحل الحزن ومشاعره ليست خطية، بعنى أن الواحدة تلي الأخرى، ولكن في اليوم الواحد قد تختلط أغلب هذه المشاعر، حتى الوصول إلى مرحلة من الهدوء والسلام والتقبل، الذي يعني تقبلك لحقيقة أنك صرت يتيما أو أنك أرملة أو أن هذه العلاقة لن تعود، لا يعني موافقتك على رحيل من تحب، ولكنه فهم لشكل الحياة من بعدهم، بأنك وحيد دونهم.
يقولون إن الحزن يبدأ كبيرا ثم يصغر، ولكن من اختبروا مشاعر الفقد أكدوا أنهم لم يتوقفوا عن الشعور بالحزن يوما، ما حدث أن مرور الوقت وتقبل الواقع جعل الحزن والألم يركن في زاوية من القلب، وباتت ذكرياتنا مع من نحبهم تشعرنا بالونس، ونسترجعها دون ألم ولكن بمحبة.
كيف تتخلص من الحزن
يأخذ الحزن طابع وشكل صاحبه، وهذا ما يجعله تجربة فردية لا يمكن لمراحل الحزن الخمسة أو غيرها أن يحدد طريقة موحدة للتعامل معها، لأن تفاعل كل منّا مع محيطه نابع من خبراته الشخصية وتجاربه الخاصة جدا، ولذلك لا يوجد ما يثبت أن كل شخص حزين يمر بهذه المراحل جميعا أو بنفس الترتيب.
كيف أتخطى الحزن الشديد؟
وأخيرًا، هل ما زالت تبحث عن كيف أتجاوز الحزن الشديد والمفاجئ؟ نذكرك أنه يمكن أن تساعد معرفتك بالمراحل الخمسة للحزن في أن تفهم أشكاله، وتستوعب أنه لن يكون رفيقك على الدوام، وفي النهاية ستتقبل الصدمة التي تلقيتها وتتعايش معها، وهناك طرق يمكنها أن تساعدك على تخطي الحزن والتعامل معه، والتي قد تكون:
- فهم طبيعة مشاعرك وإدراك أي مرحلة من الحزن تعيشها.
- تحدث عن من فقدتهم، واسترجع ذكرياتك معهم.
- التغلب على الحزن ليس سهلا، لذلك يجب أن تكون هينا ولا تضغط على نفسك، وتدرك متى تكون قادرا على المشاركة وتولي المسئولية؟ ومتى تحتاج الراحة والانعزال؟
- عملية تجاوز الحزن غير متوقعة، ففي لحظة أنت تسيطر على الأمور وتبدو متقبلا لخسارتك، وفي اللحظة التالية يغمرك الغضب والانفعال، لا تنزعج من نفسك أو تقسو عليها، اترك الأمر يسير كما هو دون توقعات.
- حاوط نفسك بأشخاص داعمين ولديهم القدرة على التفهم والإنصات والتواجد دوما إذا احتجت إليهم.
- مارس نشاطات مختلفة، مثل: الرياضة البسيطة، أو التطوع، أو تعلم هواية جديدة.
- التواصل مع أشخاص كانت لهم نفس التجربة، قد يساعدك على البوح بمشاعرك والتخطي، وإدراك أن ما تمر به طبيعي وأنك لست وحدك.
تجاوز الحزن والتغلب على ألمه العميق في القلب، يتطلب التحلي بالصبر والوعي.. وكن واثقا أنه سيمر مهما طال الوقت، والآن: إن كان لديك تجربة مع تخطي الحزن شاركنا تجربتك، وكن ملهمًا للجميع.