"وثيقة الأخوة الإنسانية" وكورونا.. قيم نبيلة لإنقاذ البشرية
جسدت القيم النبيلة التي حملتها وثيقة الأخوة الإنسانية بين طياتها، أسمى معاني الحب والخير والسلام والتآخي، لإنقاذ البشرية خلال كورونا.
وأيقظ وباء الفيروس المستجد دول العالم على حقيقة أن الكوكب يواجه تحديات مشتركة، وأن التعاون الدولي أصبح ضرورة ملحة لمواجهة كورونا ورفع مستوى الجاهزية للأزمات المستقبلية.
وحثت الوثيقة التاريخية التي خرجت للنور قبل فترة وجيزة من ظهور فيروس "كوفيد-19"، على عشرات القيم والأخلاق العليا من حب وتسامح وتآزر واحترام للآخر، ودعت كل المجتمعات للتحلي بها أملا في غد مشرق لكل البشر.
كانت دولة الإمارات استضافت المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية في نوفمبر 2019، حيث شهد ولادة وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية.
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالإجماع يعلن يوم 4 فبراير "اليوم العالمي للأخوة الإنسانية"، ضمن مبادرة قدمتها كل من الإمارات ومصر والسعودية والبحرين، وسيحتفل المجتمع الدولي بهذا اليوم سنوياً ابتداءً من عام 2021.
مساعدات إنسانية
تبعات كورونا على الناس عديدة، لكن أخطرها كان فقدان أرواح نال منها الفيروس، فترملت نساء وفقدت أسر كثيرة العائل الأساسي وقد يكون الوحيد لها، ما استدعى تضافرا بين البشر لتخطي ما خلفه الوباء.
لذا هبت الدول لانتشال شعوبها، في المقام الأول، والبلدان الشقيقة والصديقة في المقام الثاني، من معاناتها مع فيروس كورونا الذي فاقم الأوضاع الإنسانية المتدهورة أساسا في عدة دول، فسيرت طائرات الإغاثة محملة بعشرات الأطنان من الأغذية والمستلزمات والتجهيزات الطبية والفرق الصحية الداعمة.
الوحدة والتضامن وتجديد التعاون المتعدد الأطراف مبادئ حثت عليها الأمم المتحدة، باعتبار الأزمة التي يواجهها العالم غير مسبوقة وتتطلب تدابيرا عالمية مكثفة، وإقرار أكثر من أي وقت مضى بالمساهمة القيمة التي يقدمها الأشخاص من جميع الأديان أو المعتقدات إلى البشرية.
تقبع الإمارات على رأس قائمة الدول التي بذلت الغالي والنفيس لتحجيم تفشي "كوفيد-19" على أراضيها، ودعم الأصدقاء والأشقاء في هذه المحنة العالمية، ليس فقط بما سبق الإشارة إليه، بل وصل إلى إجلاء رعايا دول أخرى من بؤر الوباء.
وحتى منتصف أكتوبر الماضي، بلغ إجمالي المساعدات التي قدمتها دولة الإمارات إلى العالم منذ بدء جائحة كورونا المستجد 1498 طنا، إضافة إلى مستلزمات طبية لـ1.5 مليون عامل طبي.
واحتلت الإمارات لسنوات عديدة المركز الأول عالميا كأكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية في العالم قياسا إلى دخلها القومي، بنسبة بلغت 1.31% من إجمالي دخلها وهي ضعف النسبة العالمية المطلوبة والتي حددتها الأمم المتحدة بـ0.7%.
وعلق وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش، على الدعم الإماراتي العيني والتضامن العملي والمعنوي للشعوب والحكومات الصديقة بأزمة فيروس كورونا، معتبرا أنها "جزء أصيل من سياسة الدولة منذ تأسيسها".
مصر كانت من أوائل الدول العربية التي أرسلت طائراتها محملة بمساعدات طبية للدول الصديقة لتضميد جراحها وتخفيف الآثار القاسية لجائحة كورونا.
وخلال العام المنصرم، أرسلت مصر مساعدات طبية بقيمة 4 ملايين دولار لـ30 دولة أفريقية لمساعدتها على مكافحة فيروس كورونا، فضلا عن شحنات من الإمدادات الطبية لعدد من الدول الأخرى منها الصين وإيطاليا الولايات المتحدة والعراق ولبنان والأردن.
لم تتخلف السعودية عن ركب المساندين لأشقائهم وجيرانهم، والبداية كانت على أراضيها للمقيمين من الدول الصديقة ومعتمري وحجاج بيت الله الحرام، وحالات الطوارئ الإنسانية بأشكالها كافة.
وحتى ديسمبر 2020 قدمت المملكة مساعدات بقيمة 72.3 مليون دولار أمريكي لنحو 41.7 مليون مستفيد، شملت موادا غذائية ومسلتزمات طبية وإيواء ومواد غير غذائية.
النماذج السابقة بعض من جهود عشرات الدول التي سخرت طائراتها لنقل احتياجات الشعوب الأخرى من مواد غذائية وطبية؛ لتخلد أسمى معاني الإنسانية والرحمة والحب ونشر الخير، القيم النبيلة التي حثت وثيقة الأخوة الإنسانية على تحلي الجميع بها وتنشئة جيل جديد يكون مبدأه الأساسي أخيه الإنسان.
لقاح كورونا
نصت وثيقة الأخوة الإنسانية على ضرورة الحفاظ على النفس البشرية "فمَنْ أَحْيَا نَفْسًا واحدةً فكَأنَّما أَحْيَا الناسَ جميعًا. أيضا نصت الوثائق الحقوق الدولية على "حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية دون أي نوع من التمييز".
ومن هذا المنطلق سعت أغلب الدول لتوفير أمصال فيروس كورونا وإطلاق حملات تطعيم ضخمة لتحجيم تفشي الوباء.
ولأن مكافحة الجائحة معركة مشتركة تستوجب التعاون عالميًا والتنصل من فكرة وطنية اللقاحات، دعمت العديد من الدول مبادرة "كوفاكس" الأممية، التي تعمل على توفير لقاحات كورونا للدول الفقيرة وضمان توزيع عادل للأمصال.
وتدعم هذه الركيزة بناء قدرات التصنيع وشراء الإمدادات مسبقاً حتى يتسنى توزيع ملياريْ جرعة بشكل عادل بحلول نهاية عام 2021، وتوفير جرعات اللقاح لما لا يقل عن 20% من سكان 190 دولة في العالم.
ماديا، تعتمد "كوفاكس" على دعم الدول القادرة والغنية. وبالفعل ضخت عدد من البلدان أموالا للمبادرة الأممية في أبهى صور التراحم والتآخي بين البشر.
أما على مستوى الدول، فشرعت عددا كبيرا منها في توفير لقاحات كورونا لشعوبها مجانا وإطلاق أكبر حملة تطعيم في تاريخ البشر لتحجيم فيروس "كوفيد-19".
وبجانب ما سبق، هناك تصرفات فردية لبعض الدول لتسريع تلقيح الشعوب الشقيقة والصديقة، منها إطلاق الإمارات مبادرة عالمية جديدة لنقل وتخزين وتسريع توزيع اللقاحات حول العالم، مع التركيز بشكل خاص على البلدان النامية.
المبادرة التي أطلقتها إمارة دبي دعما لـ"كوفكس"، سخرت خلالها خبرات وقدرات جهات عدة مثل "طيران الإمارات" و"شبكة موانئ دبي العالمية" ومطارات دبي والمدينة الدولية للخدمات الإنسانية لنقل اللقاحات للدول النامية التي أُضير سكانها بشدة من الوباء وتواجه تحديات في نقل وتوزيع المستحضرات الطبية.
بينما جمعت المملكة المتحدة من حلفائها مليار دولار (820 مليون يورو)، لمساعدة الدول النامية للحصول على لقاحات كورونا.
ووفقا لبيان وزارة الخارجية البريطانية، فإن "هذا المبلغ الذي تم جمعه بشكل أساسي من كندا وألمانيا واليابان، وأضافت إليه لندن 548 مليون جنيه استرليني (608 ملايين يورو) بعدما وعدت بتقديم جنيه إسترليني مقابل كل أربع دولارات يتم جمعها، بهدف توزيع مليار جرعة من اللقاحات في 92 دولة نامية هذه السنة".
قائمة الدول التي تجسد الإخوة الإنسانية في أبهى صورها خلال الجائحة العالمية طويلة، من بينها الصين التي قررت تقديم مساعدات إلى 14 دولة نامية في شكل لقاحات ضد الفيروس التاجي، على أن تضيف 38 أخرى إلى القائمة مستقبلا.
وقالت وزارة الخارجية الصينية إن الدول تضم باكستان وبروناي ونيبال والفلبين وميانمار وكمبوديا ولاوس وسريلانكا ومنغوليا وفلسطين وبيلاروسيا وسيراليون وزيمبابوي وغينيا الاستوائية.
في يوليو 2020، خصصت الولايات المتحدة 20.5 مليار دولار لدعم الاستجابة الدولية لجائحة كوفيد-19، تشمل الالتزامات بتطوير لقاحات وعلاجات، وجهود التأهب، والمساعدات الخارجية.
وقالت إن "هذه الأموال تساعد في إنقاذ الأرواح من خلال تحسين التثقيف الصحي، وحماية مرافق الرعاية الصحية، وزيادة قدرات المختبرات والاستجابة السريعة ومراقبة المرض، في أكثر من 120 بلدا".
بينما قدمت دول الخليج عشرات الملايين من الدولارات لمكافحة وتطوير لقاحات "كوفيد -19"، إذ أعلنت الرياض تقديم 150 مليون دولار لدعم الجهود الدولية للتحالف العالمي للقاحات والتحصين لمكافحة فيروس كورونا، ولتعزيز التأهب والاستجابة للحالات الطارئة للمرض.
أيضا أعلن وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، تقديم بلاده 100 مليون دولار على شكل مساعدات لمكافحة الفيروس.
وساهمت سلطنة عُمان في إرسال مساعدات لدول عانت في بداية أزمة كورونا من تفشٍّ واسع للفيروس؛ مثل إيران، كما كانت جسراً لإيصال المساعدات الأممية إلى اليمن الذي يعاني من كوارث إنسانية.
ما سبق يوضح أهمية المبادئ التي نصت عليها وثيقة الأخوة الإنسانية، التي استشرفت المستقبل ونادت بضرورة التآزر الإنساني وتبادل الخبرات والإنجازات الطبية والتركيز على التقدم العلمي والتقني، الذي أثبت في أزمة كورونا أنه الضوء الذي سكن آخر النفق.
aXA6IDMuMTQ5LjI0NC43OSA= جزيرة ام اند امز