الجماعات الانتهازية التي استخدمت الدين ومبادئه ومفاهيمه الكبرى لهدف الوصول إلى السلطة السياسية كانت شرا ووبالا في كل بلد امتدت إليه.
الغفوة التي تسمّت بالصحوة لعقود من الزمن، والتخلف الذي تسمى بمسميات دينية ليحمي عنفه وأصوليته، والجماعات الانتهازية الخطيرة التي استخدمت الدين ومبادئه ومفاهيمه الكبرى لهدف الوصول إلى السلطة السياسية، وكانت ترفع القرآن لتصل إلى «أستاذية العالم» و«سيادة الدنيا» كما كان يردد مؤسس هذا التوجه الخطير في القرن الأخير حسن البنا.. هذه الغفوة المسماة بالصحوة كانت شراً ووبالاً في كل بلد امتدت إليه نشاطها ووصلت إليه أذرعها وتفشت فيه إيديولوجيتها، وهي وإن انطلقت من مكانين في العالم من الهند أو باكستان لاحقاً، حيث المودودي وتلاميذه ومدرسته، ومن مصر حيث حسن البنا وجماعة «الإخوان»، وهذه الصحوة تمجدها جماعات الإسلام السياسي السني منها والشيعي، ونفخ فيها دعاتها وكانت كل النماذج التي قدمتها نماذج ديكتاتورية دموية مخيفة، فهل أفقنا من هذه الصحوة المشؤومة؟ وهل انتهت وانتهت معها شرورها؟ المشهد يقدم حالتين: الأولى حالة انتشار هذه الصحوة وجماعاتها وتنظيماتها ومليشياتها، خاصة في عدد من الدول العربية التي امتدت لها الأفعى الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث أصبحت الشعارات الدينية والأحزاب الصحوية جزءاً من المشهد السياسي العام، ولها حضور طاغ يفرض نفسه على الشعوب بقوة السلاح والعنف والإرهاب.
يجادل بعض المستعجلين بأن معركة الصحوة قد انتهت، والحرب على جماعات الإسلام السياسي قد نجحت، ويجب أن نقلب الصفحة وننطلق، وهذه مجادلة رغبوية أكثر منها واقعية، تعتمد على التفاؤل لا على التحليل المنطقي، ولكن من الصحيح أيضاً أننا اليوم في موقع أفضل بكثير مما كنا عليه
الثانية: هي النموذج الذي انتبه لخطر هذا التوجه الخطير وقام بتصنيف جماعة «الإخوان» جماعة إرهابية، وهو ما فعلته السعودية والإمارات ومصر، ومن سار على نهجها من الدول العربية، وهو نموذج صارم يتجه إلى جذور الإرهاب والتطرف ولا يكتفي بالفروع فحسب، وهو نموذج بدأ يفرض نفسه خياراً مخلصاً يمكن أن يكون ملهماً للعديد من الدول الإسلامية ودول العالم، وهو نموذج برسم البناء والتطوير والإحكام، ولمّا يكتمل بعد.
من ثوابت هذا النموذج أن الإنسان أهم من الإيديولوجيا، وأن الدين أهم من الجماعات التي تنتسب إليه ظلماً وزوراً، وأن تنمية الأوطان وبناء الإنسان هو الهدف والغاية، وأن النموذج الذي يجب احتذاؤه هو الذي سيحدث في المستقبل ويتم الشروع في إتقانه اليوم، وهو أبداً ليس نموذجاً حدث في الماضي ويتم استدعاؤه بأشكالٍ متعددة كما تفعل كل جماعات الإسلام السياسي.
غير إيران، هناك دولتان في المنطقة تدعمان مشروع الصحوة الأصولي المتخلف والإرهابي بكل ما تستطيعان وهما قطر وتركيا، وهذا الثالوث له امتدادات ومؤسسات وعمل دؤوب، خاصة في العديد من الدول الأوروبية والغربية عموماً، خاصة أن الجيل الثالث من المنتسبين لتلك الصحوة المشؤومة قد تعلم في الغرب وتربى على إيديولوجيات الصحوة وخطابها، فتعليمه يساعده على الانخراط في المؤسسات الرسمية والأهلية في الدول التي حصل على جنسيتها وتربيته تجعله مقيداً بأفكار هذه الجماعات الصحوية ومفاهيمها وأهدافها، يسعى لخدمتها بكل ما يستطيع.
يجادل بعض المستعجلين بأن معركة الصحوة قد انتهت، والحرب على جماعات الإسلام السياسي قد نجحت، ويجب أن نقلب الصفحة وننطلق، وهذه مجادلة رغبوية أكثر منها واقعية، تعتمد على التفاؤل لا على التحليل المنطقي، ولكن من الصحيح أيضاً أننا اليوم في موقع أفضل بكثير مما كنا عليه قبل سنوات، خاصة تلك السنوات العجاف لربيع الأصولية والإرهاب، ربيع «الإخوان» و«السروريين»، وكل جماعات الإرهاب وتنظيمات العنف.
صحيح أننا في موقع أفضل ولكننا في بداية الطريق، ونحتاج إلى عقود من التربية والتعليم تخرج أجيالاً لم تعبث الصحوة بعقولها، ولم تلوث أذهانها، ونحتاج إلى خطط طويلة الأمد لترسيخ المكتسبات وتنميتها وملاحقة فلول الصحوة ومحاصرتها، نحتاج إلى ترسيخ الوعي ونشر المعرفة وتعزيز دور العقل وبناء الأجيال والبلدان على أسس وطنية راسخة ومحو هذا الفكر الشرير بكل ما تحمله صرامة القرار وبعد الرؤية وطول النفس.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة