التضخم يجتاح العالم.. 3 دول كبرى تواجه الرقم الصعب
ما بين أصوات مطالبة بوقف دورة التشديد النقدي، ودعوات لتسريع مسار الفائدة العالية، صدمت المؤشرات القياسية لأسعار المستهلكين اقتصادات كبرى حول العالم، ليلقي معها التضخم بمخاوفه مؤكداً تفشي الضغوط التضخمية وتصاعد تكاليف المعيشة.
التضخم في مصر.. الأعلى تاريخياً
ارتفعت أسعار الغذاء في مصر بنسبة كبيرة خلال شهر يونيو/حزيران، وفقا لبيانات رسمية، وهو ما انعكس بشكل واضح على معدلات التضخم.
وعكست بيانات التضخم خلال يونيو/حزيران الماضي الارتفاع الملحوظ في أسعار الأغذية والمشروبات خلال الشهر بنسبة وصلت إلى 65.9% شهريا.
كشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر اليوم الإثنين أن تضخم أسعار المستهلكين في المدن ارتفع على أساس سنوي إلى مستوى قياسي بلغ 35.7% في يونيو/حزيران من 32.7% في مايو/أيار، متجاوزا المستوى القياسي السابق الذي سجله في يوليو/تموز 2017 عندما بلغ 32.952%.
فيما أعلن البنك المركزي المصري، في بيان الإثنين، ارتفاع التضخم الأساسي (الذي يستثني الطاقة والغذاء) إلى 41% على أساس سنوي في يونيو/حزيران من 40.3% في مايو/أيار 2023.
وسجل الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، المعد من قبل البنك المركزي، معدلاً شهرياً بلغ 1.7% في يونيو/حزيران 2023 مقابل معدلاً شهرياً بلغ 1.2% في ذات الشهر من العام السابق ومعدلاً شهرياً بلغ 2.9% في مايو/أيار 2023.
وفقا لرويترز، ارتفعت الأسعار في الوقت الذي تعاني فيه مصر من شح النقد الأجنبي وخفض متكرر لقيمة العملة منذ مارس/أذار 2022، مما زاد من المصاعب التي يواجهها الكثير من المصريين مع تدهور مستوى المعيشة في السنوات الماضية.
كان محللون توقعوا أن يبلغ معدل التضخم مستوى قياسيا في يونيو/حزيران نتيجة لتأثير مستوى الأساس وزيادة الطلب في عطلة عيد الأضحى.
ومن المحتمل أن يؤدي استمرار ارتفاع التضخم إلى زيادة الضغط على البنك المركزي المصري لرفع أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل المقرر في الثالث من أغسطس/آب.
وأبقى البنك على أسعار الفائدة دون تغيير في الاجتماعين الأخيرين، بعد زيادات بلغت في الإجمالي ألف نقطة أساس منذ مارس/أذار 2022.
ومن شأن رفع أسعار الكهرباء، وهو ما أرجأته الحكومة في محاولة لتخفيف أثر التضخم، إلى زيادة ضغوط الأسعار خلال الصيف.
- التضخم في مصر تاريخي.. وحش أسعار الغذاء يلتهم الجيوب
- هل سمعت مسبقا بـ"تضخم الجشع"؟.. إنه آخذ بالتلاشي
التضخم في تركيا.. تحدٍ صعب
يعتبر التضخم من أهم التحديات في تركيا. في الفترة الأخيرة، تسبب التضخم في انخفاض قوة شراء المواطن ومستوى الرفاهية بشكل كبير.
على أساس شهري، صعد التضخم في يونيو/حزيران بنسبة 3.92%، بينما صعد منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي بنسبة 19.77%، وعلى أساس المتوسطات المتحركة لاثني عشر شهرا، نما بنسبة 59.95% في يونيو/حزيران 2023.
وعلى أساس سنوي، تباطأ تضخم أسعار المستهلك في السوق التركية، خلال يونيو/حزيران الماضي، للشهر الثامن على التوالي منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وتباطأ التضخم في تركيا إلى 38.21% في يونيو/حزيران الماضي على أساس سنوي، نزولا من 39.59% في مايو/أيار السابق له، وسط توقعات بعودة الارتفاع خلال الشهور المقبلة بسبب تغيير السياسة النقدية المتبعة في البلاد.
وكان تضخم أسعار مجموعة الإسكان بنسبة 14.76% هو المجموعة الرئيسية التي أشارت إلى أقل زيادة سنوية، من بين مجموعات أسعار المستهلك في السوق التركية خلال يونيو/حزيران الماضي، بينما كانت الفنادق والمقاهي والمطاعم المجموعة الرئيسية التي حققت أعلى زيادة سنوية بنسبة 67.22%.
في يونيو/حزيران 2023، ضمن المؤشرات المكونة من 143 سلعة رئيسية، انخفض مؤشر 20 سلعة وظل مؤشر 6 سلع أساسية دون تغيير، بينما المؤشر المكون من 117 سلعة أساسية، شهدت زيادة.
ويعتبر من أسوأ امتدادات الليرة منذ عقود، الوقوف في طريق التحول في التضخم التركي؛ حيث عكس فريق الاقتصاد الجديد للرئيس رجب طيب أردوغان، السياسات غير التقليدية المستخدمة لربط العملة.
وعلى الرغم من أن الانخفاضات الحادة التي شهدتها الليرة لم تكسر تماما الزخم الدافع للتضخم الشهر الماضي، إلا أن الانخفاض في قيمة العملة يثير ضغوطا على الأسعار في الوقت الذي تمضي فيه الحكومة قدما في الإجراءات التي تتضمن زيادة مؤقتة بنسبة 34% في الحد الأدنى للأجور.
وقد تحدثت العين الإخبارية مع الاقتصاديين التركيين اردال اوزال ورمضان تشينار حول تأثير التضخم على المواطن، والتدابير التي يمكن اتخاذها، والاختلافات بين المؤسسات في مستوى التضخم.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي اردال اوزال، أن التضخم يعتبر أصعب قضية بالنسبة للمواطنين في تركيا، وقد انخفض مستوى الرفاهية والقوة الشرائية للناس بشكل كبير. وعند حساب التضخم، يتم تطبيق سلة من السلع، لكن لا يمكن تقدير نسبة السكان الذين يطلبون هذه السلع. لذلك؛ يتم النظر إلى التضخم في المواد الغذائية والإنفاق على السكن والنقل والتعليم.
وأضاف، "لقد رأينا أن هذه العناصر أعلى بكثير من متوسط مؤشر أسعار المستهلك في أحدث معدل تضخم. وبالتالي، تأثيرها على حياة المواطن اليومية يتجاوز بكثير التضخم المعلن.. هذا الوضع يقلل بشكل كبير من جودة حياة المواطن".
وأردف، "نشهد اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. على الرغم من وجود حد زيادة بنسبة 25%، إلا أن ارتفاع أسعار السكن، التي تعتبر من أكبر المصروفات للأفراد، تؤدي إلى إنفاق حصة كبيرة جدًا من دخل الناس هنا. ناهيك عن الإنفاق على الحياة الاجتماعية، يصعب على الإنسان الوصول حتى للمواد الغذائية الضرورية لجسده".
وتراجعت قدرة الناس على الشراء بشكل كبير في تركيا، ولرفع هذه القدرة، يتطلب الأمر في المقام الأول خفض التضخم. ولا يمكن تحقيق نتائج من خلال زيادة الرواتب فقط، نظرًا لأن زيادة الرواتب مصاحبة لزيادة الإنفاق وحتى تزيد بشكل أكبر من الإنفاق، لا يمكن تحقيق نتائج. لذلك، يجب تحديد العوامل الأساسية التي تسبب التضخم ومحاربتها.
وبدوره، قال رمضان تشينار، إن التضخم عمومًا هو حالة لزيادة مستمرة في الأسعار. يؤدي هذا إلى تقليل قوة الشراء للأفراد ذوي الدخل الثابت. وبالنظر إلى السنوات الأخيرة، فإن قوة شراء المواطنين في تركيا قد تناقصت يوما بعد يوم. عندما ننظر إلى السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى التضخم الذي حدث في جميع أنحاء العالم أثناء الوباء، فقد انخفضت القوة الشرائية للمواطنين في بلدنا يومًا بعد يوم مع النموذج الاقتصادي الجديد الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2021. في الحقيقة، كان توقيت التطبيق خاطئًا جدًا، لأن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (FED) دخل في توسع نقدي خطير وطبع الكثير من النقود التي طبعها في 200 عام الماضية.
في هذه العملية، لعب التدهور في سلسلة التوريد والتغير في الطلبات دورًا في تكوين التضخم. حقيقة أن البنوك المركزية لم تحارب التضخم بجدية وتأخرت في التدخل تسببت بالفعل في حدوث تضخم في جميع أنحاء العالم اليوم. علاوة على ذلك، نظرًا للزيادة المستمرة في الأسعار، قدم الناس الطلبات إلى الأمام "طلبات آجلة" بدلاً من الشراء بسعر أعلى غدًا، مما تسبب في زيادة التضخم. يعني هذا أن التضخم حدث بسبب تقديم الأشخاص طلبها للمنتج الذي يحتاجه الشخص بعد 6 أشهر خشية من ارتفاع سعره.
زيادة التكاليف في عملية الإنتاج هي أيضًا عوامل أخرى تؤثر على التضخم. يعني أن زيادات الرواتب التي تتم في الحد الأدنى للأجور تؤثر أيضًا بشكل سلبي على تكاليف الإنتاج وتؤدي إلى زيادة التكاليف التي يتحملها الفرد، وهذا يتجلى في زيادة الأسعار. المسألة ليست زيادة الرواتب، بل زيادة قوة الشراء.
زيادة التكاليف المرتبطة بالفوائد ستزيد تكلفة المال وتصعب الوصول إلى التمويل، ما يعني أن التضخم سيستمر لفترة أطول قليلاً في تركيا.
ولحماية المستوى المعيشي للمواطنين على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم، يرى رمضان تشينار، ضرورة تحديد التضخم بشكل صحيح وقياسه بشكل دقيق، وبالتالي العمل على البحث عن الحلول ليس فقط في زيادة الدخل، ولكن أيضا في أدوات أخرى.
كما أشار إلى ضرورة منع زيادة أسعار المواد الأساسية، وعمل الحكومة على طمأنة المواطنين، وإقناعهم بأن التضخم سيظل مستقرا. في هذه الحالة، سيقلل المواطنون من الطلب، وإلا فإنهم سيقومون بتقديم احتياجاتهم في المستقبل، مما يؤدي إلى زيادة التضخم.
أما أردال أوزال، يرى ضرورة إجراء تحليل دقيق لتضخم التكلفة والطلب. ويعتبر سعر الصرف العامل الأكثر أهمية في إثارة تضخم التكلفة في تركيا.
فيما تعد سياسات النقدية مهمة جدًا. ومع ذلك، فإن سياسات النقدية التي لا تدعمها سياسات مالية لن تؤدي إلى أي نتائج. سياسة جمع الضرائب بشكل أكبر من الضرائب التي يدفعها المكلف، مثلما يحدث الآن، ستؤدي إلى فقدان الدولة للإيرادات الضريبية. لأن الاقتصاد غير الرسمي سوف ينطلق. لذلك، يجب أن تنتقل تركيا إلى نظام ضريبي يتيح لها تحصيل الضرائب المباشرة التي لم تتمكن من تحصيلها حتى الآن.
إذا تم جمع الإيرادات الضريبية التي تشكل الجزء الأكبر من إيرادات الميزانية بطريقة سليمة، وتم وقف طباعة الأموال بدون تغطية، ستنخفض التكاليف مع توفر تمويل رخيص، وتبدأ تركيا بالتدريج في التحرر من بيئة التضخم العالي.
التضخم في الصين.. صفري بحاجة لتحفيزات
وعلى عكس مسار التضخم المرتفع في مصر وتركيا، يؤرق التضخم الصفري الصين؛ حيث وصل معدل التضخم في الصين إلى الصفر الشهر الماضي، فيما تراجعت أسعار الانتاج أكثر من المتوقع، حسبما أظهرت أرقام رسمية الإثنين، في مؤشر جديد على ضعف في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتراجع مؤشر أسعار المستهلك لشهر يونيو/حزيران 2023 عن النسبة البالغة 0.2% في مايو/أيار، وفق أرقام المكتب الوطني للإحصاء، وكان أسوأ من المتوقع وسط تباطؤ الطلب المحلي.
وأرخى تراجع سنوي بنسبة 7.2% في أسعار لحم الخنزير، الأساسي في الصين، وانخفاض أسعار النفط وبالتالي كلفة النقل، بثقله على كلفة سلة الغذاء الأساسية وفق مكتب الإحصاء.
فيما تراجعت أسعار الانتاج، التي تحتسب كلفة السلع لدى خروجها من المصنع، بنسبة 5.4% على أساس سنوي، مقابل انخفاض بنسبة 4.6% في مايو/أيار.
وكان المحللون الذين استطلعت وكالة بلومبرغ للأنباء آراءهم قد توقعوا تراجع الأسعار بنسبة 5%.
وقال مكتب الإحصاء: «إن ضعف الطلب وتراجعا حاد لكلفة المواد الأولية، ساهما أيضاً في انخفاض أسعار السلع لدى الخروج من المصانع».
وتباطأ النمو الاقتصادي بشكل كبير منذ إبريل/نيسان عقب رفع بكين إجراءات الحد من كوفيد الصارمة نهاية العام الماضي، فيما سجل اليوان أدنى مستوياته في سبعة أشهر مقابل الدولار وسط تراجع الصادرات.
وتتعرض السلطات لضغوط متزايدة لإدخال إجراءات تحفيز، لكن باستثناء بعض التخفيضات الصغيرة في أسعار الفائدة ووعود بالتحرك لم يصدر عن بكين أي تدابير جوهرية.
وحددت الصين هدفاً للنمو بحوالي 5% هذا العام، أحد أدنى معدلاتها في عقود.