تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بالعيد الوطني الثالث والخمسين، متألقة كواحدة من أكثر الدول استقراراً وازدهاراً على المستويين الإقليمي والدولي.
والمناسبة الوطنية ليست فقط محطة لتأمل الإنجازات، بل هي أيضاً فرصة لاستذكار مسيرة الاتحاد التي قادها الآباء المؤسسون بحكمة وإصرار، وتحولت اليوم إلى نموذج عالمي يحتذى به.
واجهت بداية تأسيس الاتحاد تحديات قلة الموارد الاقتصادية، التي تحتاج إليها الدول لتأسيس البنية التحتية والمؤسسات الحكومية والخدمية، لكن الرؤية الثاقبة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وإخوانه المؤسسين، رحمهم الله، وضعت حجر الأساس لدولة الإمارات في الثاني من ديسمبر/كانون الأول عام 1971، فكانت رؤية الوحدة حينها بمثابة جسر العبور إلى نموذج الإمارات التنموي في عصرنا الحديث.
لقد أدرك الآباء المؤسسون أن الوحدة هي الطريق الوحيد لتحقيق القوة والاستقرار، فبدأت مسيرة بناء دولة تعتمد على التلاحم والتكامل بين الإمارات السبع، ولم تكن هذه المسيرة سهلة، لكنها أثبتت أن التحديات يمكن تجاوزها بالإرادة والرؤية الجماعية، ما أدى إلى تأسيس دولة قوية تقوم على أساس متين من التعاون والتكافل.
وعلى مدار العقود الخمسة الماضية، نجحت دولة الإمارات في تحقيق قفزات تنموية غير مسبوقة، ما جعلها نموذجاً عالمياً للتطور في مختلف المجالات، فعلى الصعيد الداخلي، تمكنت الدولة من بناء بنية تحتية عالمية المستوى، وتأسيس اقتصاد متنوع يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، بعيداً عن الاعتماد الكامل على الموارد النفطية، كما وضعت الإمارات الإنسان في قلب مسيرتها التنموية، حيث أولت اهتماماً بالغاً بالتعليم، وتمكين الشباب، وتعزيز الهوية الوطنية، والاستثمار في العلوم الحديثة، وجعلت المواطن الإماراتي أحد المحاور الرئيسية للتنمية.
وأصبحت دولة الإمارات قوة مؤثرة في النظام الدولي، مستندة إلى سياسة خارجية متوازنة تسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وتميزت بسياسة خارجية متوازنة ومعتدلة، جعلتها نموذجاً فريداً على الساحة الدولية، حيث استطاعت أن تبني شبكة علاقات استراتيجية تمتد شرقاً وغرباً، ترسخ مكانتها كطرف فاعل في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، في دبلوماسية فاعلة لا تعتمد على الاصطفاف مع طرف ضد آخر، بل على التعاون والشراكة، ما مكّنها من الانخراط في منصات دولية كبرى مثل مجموعة بريكس، ومجموعة العشرين (G20)، ومجموعة الدول السبع (G7).
وما يميز السياسة الإماراتية أنها لا تقتصر على بناء علاقات ثنائية فقط، بل تسعى لتكون جسراً بين القوى الكبرى في الشرق والغرب، وهو دور يتجلى بوضوح في مبادراتها الاقتصادية والدبلوماسية حيث قدمت نفسها كوسيط بين أطراف الصراعات عبر مقاربات قائمة على الحوار، بالإضافة إلى التعاون متعدد الأطراف عبر المنصات الدولية المختلفة، وتسهم بفاعلية في المبادرات المشتركة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ما مكنها من لعب دور دولي فاعل وثقل دبلوماسي واسع، في ظل متغيرات عالمية متسارعة، مستندة إلى رؤية قيادتها الرشيدة التي تسعى إلى الحفاظ على مكانة الإمارات كواحدة من أبرز الدول المؤثرة في الشرق الأوسط والعالم.
وتصدرت دولة الإمارات مشهد المساعدات الإنسانية والإغاثية من خلال العديد من المبادرات التي عكست التزامها الثابت تجاه إغاثة الإنسان في كل مكان، حيث أثبتت أن العمل الإنساني يتجاوز تقديم المساعدات المادية إلى بناء علاقات قائمة على التضامن والتآخي، ما جعلها واحدة من أبرز الدول التي تبنت نهجاً إنسانياً فريداً في دعم القضايا الإقليمية والعالمية، ولم تكن مجرد استجابة للأزمات، بل جزءاً أصيلاً من سياستها الخارجية المبنية على دعم الاستقرار كركيزة أساسية للتنمية، في إدراك صادق بأن التنمية الحقيقية تبدأ من الإنسان، وأن تقديم المساعدة والإغاثة للمحتاجين يعزز الروابط الإنسانية، ويمنع تطور الأزمات إلى صراعات تهدد مستقبل المنطقة والعالم.
أصبحت الإمارات الحديثة نموذجا عالميا جاذبا في تحويل التحديات إلى فرص ومكتسبات، ويعود ذلك إلى رؤية قيادية حكيمة أسس بنيانها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ومكنها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، وصولاً إلى عصرها الحديث بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، حيث تمسكت الإمارات بنهج قيادي يركز على استشراف المستقبل والاستعداد لمتطلباته، كما نجحت في تحقيق التوازن بين الحفاظ على القيم العربية والإسلامية الأصيلة وبين الانفتاح على العالم وتبني قيم الحداثة، ما أتاح للإمارات بناء مجتمع متنوع يحتضن أكثر من 200 جنسية تعمل وتعيش بانسجام على أرضها.
وبرغم التحديات الجيوسياسية، استطاع نموذج الإمارات المتفوق بمرونته وفاعليته واستباقيته مواجهة التحديات، ومع مرور 53 عاماً على تأسيس الاتحاد، تقف الإمارات اليوم كرمز للوحدة والإنجاز، تجمع بين التقاليد الراسخة والطموحات المستقبلية، تحتفي اليوم بماضيها المشرف، وتستعد لبناء مستقبل أكثر إشراقاً تحت قيادة حكيمة ورؤية طموحة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة