ترتب إيران حساباتها في الإقليم بأكمله على أن الدول العربية منقسمة وتعاني حالة من التشرذم والتشتت
ترتب إيران حساباتها في الإقليم بأكمله على أن الدول العربية منقسمة وتعاني حالة من التشرذم والتشتت، ودعمها للتنظيمات الإرهابية على مختلف تصنيفاتها التي باتت تمارس دوراً غير مشروع في نظم الحكم الداخلية، فأصبحت هناك جيوش قطاع خاص وتنظيمات تنافس مؤسسات الدول صاحبة السيادة، ومن ثم كانت حماس وحزب الله والجهاد الفلسطيني وحركة "صابرون" وعشرات من التنظيمات الأخرى التي تهدد كيان الدول الوطنية وما تزال، ومن ثم فواهم من يتصور أن إيران يمكن أن تتخلى عن مخططها ومشروعها في الإقليم بأكمله ولن تتراجع عنه، في الحضور في قلب العواصم العربية ومحاولة تطويع أنظمة الحكم الوطنية، ونشر المذهب الشيعي كمنطلق أساسي للفكر الفارسي الذي يعلمه الجميع، وبالتالي فإن إيران لن تتوانى عن القيام بدورها في زعزعة الاستقرار في الدول العربية وفي دول الخليج وخارجها مع العمل على تطويع كل القوى السياسية لصالحها، مع اتباع استراتيجية من المرواغة والعزف على منظومة التغيير التي تبحث عنها، مع استمرار المناكفة لأنظمة الحكم العربية وقد حدث هذا بعد موجة التغييرات السياسية التي ضربت المنطقة منذ سنوات.
يجب علينا عدم إعطاء الفرصة لأي تمدد إيراني مع العمل على حصار وتطويق العلاقات القطرية الإيرانية في نطاقها، والتمسك بخياراتنا الوطنية في مواجهة الخطر الإيراني الذي لن يتوانى بالمساس بالأمن القومي العربي
وفي التقدير العام، لن يكون حسن روحاني في ولايته الثانية أفضل من الأولى خاصة أنه سيعمل على إخراج إيران من حالة العزلة الراهنة وتحويل إيران لدولة مقبولة دولياً حال الاستمرار في تنفيذ البرنامج النووي الإيراني، والذي لن تقترب من بنوده الولايات المتحدة، وستظل الدول الكبرى الموقعة على الاتفاق ملتزمة به حتى إشعار آخر، ولكن عين إيران ستكون بالأساس على حسم ملف العقوبات الدولية، لتحقيق طموحاتها في الإقليم وخارجه، وهي تدرك بالفعل أن نجاح الموقف الخليجي بعد قمم الرياض الأخيرة ستلقي بتداعياتها الكاملة على إيران التي تتأهب لكل الخيارات بما في ذلك تعاملها الجديد في المنطقة من منطلق أنها دولة كبيرة ومستقرة، وأنها تمضي وفقاً لرؤية شاملة وأنها ليست دولة عابرة في الإقليم، ولعل علاقاتها التاريخية مع جماعة الإخوان المسلمين دليل على الترابط الفكري والأيديولوجي الكامل، وهو ما بدأه حسن البنا مبكراً من خلال دعوته لتقريب الفكر السني والشيعي في إطار واحد والعمل تحت مظلة واحدة، كما دعا عدد من كتاب الإخوان إلى بناء مذهب خامس ليكون خاصاً بالمذهب الشيعي الذي هو في رأي هؤلاء صالح للتطبيق، ومن الضروري المضي لتحقيق هذا الهدف، كما أن مرشدي الإخوان تباعاً كانوا حريصين على التعامل الإيجابي مع إيران، وأذكر أن خامنئي نفسه ترجم من قبل كتباً لسيد قطب وأن عديداً من كتّاب الشيعة سعوا للتعليق على بعض كتابات مفكري الإخوان من زاوية المصلحة السياسية النفعية والبراجماتية وليس اقتناعاً أو تقرباً من الإخوان كما يروج البعض من كتاب الإخوان الذين يرون في العلاقات بين الجماعة والشيعة أمراً طبيعياً ومعتاداً في ظل الخيارات التي يعمل عليها التيار الشيعي، الذي هو بالأساس مذهب ومشروع ومخطط، وبالتالي فإن الإخوان كثيراً ما دعموا حق إيران في امتلاك النووي واعتبروه حقاً مشروعاً لها في مواجهة المد الصهيوني المتصاعد، كما أن الإخوان روجوا لولاية الفقيه مثلما كانت مرجعية المرشد هي الحاكمة لمنطق الطاعة والولاء داخل جماعة الإخوان.
في هذا الإطار علينا أن نفهم لماذا يتم دعم حركة حماس والجهاد الفلسطيني من قبل إيران، ولماذا دخلت إيران الساحة الفلسطينية لترتيبها من منطلق توظيف الملف الفلسطيني لحسابات ومصالح إيرانية في مواجهة إسرائيل، وعند الضرورة فإن مصالح إيران السياسية والاستراتيجية تتداخل مع حسابات جماعات الإخوان في الاقليم بأكمله.
إن التحرك الإيراني غير المشروع يجب أن يفهم في سياقه ويجب أن يكون لدينا عربياً وخليجياً رؤية جمعية وشاملة في مجابهة الخطر الإيراني، مع ضرورة العمل على بناء موقف متماسك في مواجهة المد الشيعي وليس التسليم بالحضور الإيراني في عواصم عربية كقضية مسلم بها بل علينا أن نقف في مواجهة مباشرة ثقافياً وسياسياً ومجتمعياً، ومن خلال استراتيجية متكاملة، مع استمرار التنسيق مع الجانبين الأمريكي والروسي، ويجب علينا عدم إعطاء الفرصة لأي تمدد إيراني مع العمل على حصار وتطويق العلاقات القطرية الإيرانية في نطاقها، والتمسك بخياراتنا الوطنية في مواجهة الخطر الايراني الذي لن يتوانى بالمساس بالأمن القومي العربي.
يملك العرب خيارات عديدة في مسار المواجهة الممتدة مع إيران وليس صحيحاً أن العرب في موقف رد الفعل، إن الصراع مع المشروع الإيراني لن يهدأ بل سيتصاعد، ومن ثم فإن الحركة العربية المتماسكة والمخطط لها جيداً ستظل هي المنطلق في مواجهة التحركات الإيرانية بل ولتعامل مع تداعياتها برؤية استباقية حقيقية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة