تمثل الدعوة التي أطلقها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بإمكانية عودة إيران إلى مراجعة مواقفها الجزئية أو الكلية تجاه الدول الأوروبية
تمثل الدعوة التي أطلقها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بإمكانية عودة إيران إلى مراجعة مواقفها الجزئية أو الكلية تجاه الدول الأوروبية، وفقا لبنود الاتفاق النووي شريطة توافر الدعم الاقتصادي الأوروبي لإيران، مدخلا لفهم ما يجري في الداخل الإيراني في الوقت الراهن من تطورات مهمة وعاكسة بالفعل لما يمكن أن يجري في المدى المنظور، خاصة أن إيران مقبلة على انتخابات تشريعية خلال أيام.
تبدو إيران دولة مرتبكة في تعاملاتها وخياراتها الراهنة، خاصة أن الانتخابات التي ستبدأ بعد عدة أيام ستحسم بعض المواقف وليس كلها في ظل استمرار صراع التيارات، الذي لن ينتهي بل سيظل معبرا عن نفسه في صورة كبيرة
وفي ظل مخاوف من تمددات لصراع التيارات الداخلية الذي سبق أن نفاه الجميع رغم أن واقعا تعيشه إيران انعكس بصورة أو بأخرى على مواقفها من العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بل أيضا على العلاقات الإيرانية العربية، واللافت أن المشكلات والتحديات اللتين تجريان في إيران لا يمكن إنكارهما، أو استبعادهما خاصة مع سيل التقارير التي تتحدث عن المشكلات متعددة التأثير على القطاعات الشعبية ومعاناة الاقتصاد الإيراني من أزمة بنيوية حقيقية لا يمكن الوقوف أمام تطوراتها في ظل استمرار العقوبات الكبيرة، والتي تم تفعيلها بصورة كبيرة.
وفي ظل رهانات الإدارة الأمريكية على أنها ستكون مدخلا لتغيير سلوك النظام الإيراني، وإعادته إلى رشده بدلا من الاستمرار في تهديد دول الإقليم بأكمله، وهو ما ثبت نجاحه، إذ بدأ النظام الإيراني يعاني بصورة كبيرة في ظل افتقاد الداخل الإيراني للخطط البديلة، ولعل إشارات مؤسسات المال والائتمان الدولي لما يجري في إيران من تطورات سلبية ستدفع إيران إلى التراجع عن مسارها الذي مضت فيه طوال الأشهر الأخيرة، وكان أمامها فرص للدخول في مفاوضات جادة وحقيقية، وهو ما لم تفعله، واليوم تتغير الصورة تدريجيا.
وبدأ سلم التنازلات من قبل إيران لعدة أسباب، منها أن منظومة العقوبات باتت معقدة وتضمنت قطاعات متعددة وليس قطاع المال والنفط والاستثمارات، وتطرقت لمجالات أكبر وأوسع، وهو الأمر الذي لم يكن في تقدير الساسة الإيرانيين أنه سيتسع ويدخل في قطاعات عدة، بل بالعكس كان الرهان الخاسر، ومنذ البداية هو قدرة الدولة الإيرانية على تحقيق اختراق في المواقف والتوجهات المعادية في منظورهم، والاتجاه إلى ابتداع أساليب جديدة، وغير مشروعة في اختراق المواقف، وهو ما تم بعض الوقت دون أن يصل إلى نتيجة فعالة في ظل الضغوطات الأمريكية الكبيرة، ولعل التحرك الأوروبي الداعم لاستمرار الاتفاق النووي كان مهما بالفعل.
واستمر الالتزام من قبل الترويكا الثلاثية لهذا الاتفاق مع استحداث الآلية البديلة التي عمل بها الجانبان لبعض الوقت برغم تصميم الإدارة الأمريكية على إفشالها، وهو ما تم في ظل رهان أمريكي مسبق بأن الاتفاق لن ينجح أصلا، ولن يستمر وهو ما تم في ظل إعلان الجانب الإيراني عن خطوات عدم الالتزام ببنود الاتفاق تباعا، بل والاتجاه إلى قرارات تكتيكية بالبدء في تخصيب جديد لليورانيوم، واستثمار بعض الثغرات في الاتفاق النووي كبنود للتنصل من الإطار العام، وهو ما دفع الجانب الأوروبي لمراجعة مواقفه بل والبدء في تبني سياسات جادة وحازمة في مواجهة السلوك الإيراني الذي بدأ يتبنى خطوات تصعيدية، في حين بقي الموقف الأمريكي يصعد ويفعل منظومة عقوباته بصورة كبيرة، وهو ما أثر بالفعل على إيران من الداخل.
إن تراجع إيران قد بدأ بالفعل، وتصعيدها الإعلامي والسياسي سيقل في الفترة المقبلة، ولن يقتصر فقط على تصريحات المسئولين الإيرانيين بل سيتعداه إلى الدعوة للعودة للاتفاق النووي مع الدول الأوروبية كخطوة للعودة للتفاوض مع الإدارة الأمريكية الراهنة، بصرف النظر عن صعود تيار المتشددين في الفترة المقبلة، وهو على عكس ما كانت إيران تراهن وتتوقع، بل كانت التقديرات الإيرانية تؤكد أن الرئيس ترامب سيخرج من البيت الأبيض، وأن إيران في طريقها لبناء استراتيجية سياسية مغايرة تماما لما هو جارٍ في الداخل الأمريكي، وإزاء أن ذلك لم يحدث، وتمسكت دول الاتحاد الأوروبي بمواقفها، واستمرت تراقب ما يجري بل وتشددت دول الترويكا مؤخرا في التعامل مع المواقف الإيرانية المتضاربة بهدف إعادتها للاتفاق النووي من جديد.
تبدو إيران دولة مرتبكة في تعاملاتها وخياراتها الراهنة، خاصة أن الانتخابات التي ستبدأ بعد عدة أيام ستحسم بعض المواقف وليس كلها في ظل استمرار صراع التيارات الذي لن ينتهي بل سيظل معبرا عن نفسه في صورة كبيرة، ومرتبطا بالسياسات الإيرانية الكبرى تجاه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي الخريطة الإقليمية التي توجد فيها إيران التي ستفشل في الجمع بين الأمر ونقيضه أو الرهان على الاستمرار في خططها، وهو أمر صعب في ظل ما تشهده من مشكلات حقيقية في الداخل، والتي تمثل بالفعل تحديا سيصعب على النظام الإيراني الالتفاف حوله، وفي التوقع باتساع خريطة الحراك الاجتماعي واستمرار استئناف سياسة التظاهرات، لتشمل قطاعات جديدة لم تلتحق من قبل بالحالة الإجتماعية غير المستقرة التي تشهدها إيران منذ عدة أشهر.. إيران مقبلة على مواقف وخيارات صعبة، ولكن سلم التنازلات قد بدأ بالفعل حتى قبل إجراء الانتخابات المقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة