لا تزال ايران تعول على استراتيجية متوارية، أي استخدام أحزاب ومليشيات موالية لها في خوض هذه المواجهة العسكرية المحتملة
مما لا شك فيه أن العقل الإيراني قطع أشواطاً كبيرة في التطور، إلا أن عجلة السياسة منذ عام 1979 جعلته يتراجع ولا ينمو في بيئة يهيمن عليها الرأي الواحد، وفي المحنة التي تواجهها إيران لا بد لأي عاقل أن يطرح التساؤل التالي: هل ينتصر العقل الإيراني على العقيدة؟
تتخيل طهران أنها تمتلك مفاتيح الأسرار في المواجهة العسكرية المحتملة مع الولايات المتحدة لكنها واهمة؛ لأن الحرب لا يمكن أن ينتصر فيها البلد الذي يعاني من اقتصاد متهاوٍ وبشر ضائعون وسياسة توسعية، لذا فإن الحرب لو وقعت ستحكم على كل المؤسسات الحالية في إيران بالتفكك والزوال، وهي لا تدرك أن الحرب لها أوجهاً عديدة، آخرها السلاح. عندما سُئل جنكيزخان: كيف تنتصر في حروبك؟ قال: إنني أحاصر العدو أولاً، فالكثير منهم يهربون أما الباقون في الداخل فهم عبارة عن أجساد بلا أرواح، أدخل عليهم وأقطع رقابهم بالسيوف.
لا تزال إيران تعوّل على استراتيجية متوارية، أي استخدام أحزاب ومليشيات موالية لها في خوض هذه المواجهة العسكرية المحتملة، لكنها لا تدرك أن الصراع بين الأطراف الشيعية الموالية لأمريكا والمعادية لها سيولد أوضاعاً جديدة ليس في صالحها بالضرورة
في الواقع فإن المجتمع الإيراني يعاني من النخر والخراب والأحادية عبر عقود من هيمنة العقيدة والطائفية والرأي الواحد والاقصاء للآخر، والتفكير بالتوسع على حساب الآخرين، فإذا كانت إيران لا تستطيع التعامل مع جيرانها فكيف لها أن تتعامل مع العدو الخارجي البعيد؟
صحيح أن أمريكا تتجنب المواجهة العسكرية المباشرة، ولكن يمكن لذلك أن يقع في أية لحظة، يعرف القادة كيف يبدأون الحروب ولكنهم لا يعرفون كيف ينتهون منها! كان صدام حسين يستهين بالقوة العسكرية الهائلة التي تمتلكها أمريكا، حتى قال ذات مرة: إن الراعي عندنا يستطيع ببندقيته -البرنو- أن يُسقط طائرة الشبح! لا تزال هذه العقلية تتحكم في إيران، وبسبب العمى السياسي لا تريد أن تستفيد من العبر والدروس!
الولايات المتحدة تفكر بتكاليف هذه الحرب على عكس إيران، التي على استعداد كامل بالمغامرة بكل ما تمتلك، دون أن يهمها مصير الملايين وما ستؤول إليه أحوالهم.
يهتم الأمريكي كثيراً بنتيجة الحرب، ولكن إيران لا تهتم بنتائجها حتى لو أدت إلى حرق المنطقة بكاملها؛ لأنها تتمتع بعقلية انتحارية وعقائدية وغيبية، ولا تفكر بموقعها الاستراتيجي الذي يمكن أن يكون عامل خير واستثمار وربح في المنطقة، بينما تسعى إلى تحويله إلى شّر وركود وخسارة في أية لحظة، لا تدرك إيران أن شعبها سيتفرق عن النظام عند أول صاروخ أمريكي، مراهنة نظامها الأيديولوجي المستند على العقيدة القومية والطائفية. إن وجود 400 ألف مسلح عقائدي لا يفيد في الحرب المحتملة؛ إذ لم تعد لحروب اليوم أهمية للعدد والعديد، فالتكنولوجيا الحربية أصبحت العامل الحاسم على أرض المعركة، وهذا ما لا تفهمه إيران، لذا فقد استمرت 40 عاماً تتحدى أمريكا دون جدوى، بل إن هذا التحدي لم يوفر لشعبها العيش الكريم ولا الحياة السياسية المستقرة، بل دمرت شعوباً أخرى مثل العراق؛ حيث أصبحت المليشيات الموالية لها عامل اضطراب وفساد وتغوّل، وهي لا تزدهر إلا في أجواء التوترات.
ثمة حقيقة ماثلة، وهي أن كافة المؤسسات والمعاهد تشير إلى أن المليشيات الشيعية في العراق مثل كتائب حزب الله وحركة النجباء وعصائب أهل الحق، وهي الأكثر تعصباً وولاء لإيران، جهات فاعلة إلى ما وراء الحدود الإقليمية، وهنا تكمن خطورتها، فهي تتمتع بالسلاح والمال ولها تأثير في الانتخابات والبرلمان، ولا تزال الحكومة العراقية ضعيفة أمام تغولها، ومن هنا تفكر الولايات المتحدة بتعزيز نفوذها في العراق أولاً من أجل المواجهة مع إيران التي ستستخدم العراق؛ لأنها المسيطرة على ملفاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في آن. وتتصرف إيران وكأنها بريئة من أذرعها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان وغيرها، لقد نجحت إيران في ربط العراق بأجندتها وتوظيفه كيفما تشاء، سياسيا وعسكريا واقتصاديا من خلال تأمينها للممر البري الذي يربط إيران بكل من سوريا ولبنان عبر العراق، لذلك تذّر الرماد في العيون عندما تتكلم عن سياستها الخارجية، وتستخدم الرياء من خلال طرح أفكار عن الاتفاقيات مع بلدان الخليج العربي.
يبقى العراق الحديقة الخلفية لإيران؛ حيث وصل التبادل التجاري بينهما إلى ما قيمته 13 مليار دولار سنوياً لصالح إيران، فكيف ستتخلى عن العراق في ظروف الحصار؟ إيران تدرك جيداً أن تصدير النفط الخام يوفر أكثر من 60% من وارداته بالعملة الصعبة، وهذا ما يجعلها قد تتصرف بطريقة تؤثر على السلم العالمي وإشاعة الفوضى الاقتصادية.
يا تُرى.. هل ستغير إيران من سلوكياتها السياسية بعد كل ما جرى لها، خاصة في مجال الملف النووي؟
لا تزال إيران تعول على استراتيجية متوارية، أي استخدام أحزاب ومليشيات موالية لها في خوض هذه المواجهة العسكرية المحتملة، لكنها لا تدرك أن الصراع بين الأطراف الشيعية الموالية لأمريكا والمعادية لها، سيولد أوضاعاً جديدة ليس في صالحها بالضرورة.
تتوهم إيران أنها ستواجه أمريكا بحرب الوكالة أو الحرب البديلة، لكنها مخطئة، فتلك استراتيجية لا يمكن أن تنجح في كل الأحوال والظروف في عالم متغير من التحالفات الصلبة والتقنيات المتطورة والاستراتيجيات الجديدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة