"فايننشال تايمز": إيران تتذكر أوجاع العقوبات وتتجه "لسنوات عجاف"
إيران تشعر بالضغط المالي على اقتصادها بعد قرار واشنطن الانسحاب من الاتفاق النووي، ويبدو أن نظام الملالي يواجه سنوات عجافا مقبلة.
قبل انطلاق بطولة كأس العالم الأسبوع الماضي، كان يخطط أحد برامج كرة القدم الأكثر شعبية على التلفزيون في إيران لجذب المشاهدين، من خلال حملة ترويجية تتضمن منح سيارة بيجو هدية لأولئك الذين يتنبأون بنتائج المباريات بشكل صحيح.
غير أنه قبل أيام من بدء البطولة، ألغت إدارة البرنامج تلك الخطط بعد أن اعترض رعاة البرنامج على ارتفاع تكلفة السيارة الجديدة بحلول نهاية البطولة الشهر المقبل، وعرض البرنامج مكافأة نقدية بدلا منها؛ ثم أعاد الجائزة الأصلية في محاولة لإنهاء الإحراج.
- مخاوف إيران تتصاعد مع زيادة متوقعة لإمدادات النفط
- مركز أمريكي: العقوبات تقود إيران لاحتجاجات داخلية مؤكدة
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، التي التقت عددا من التجار الإيرانيين، تؤكد هذه الحادثة إلى أي مدى تشعر إيران بالضغط المالي؛ إثر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي متعدد الأطراف مع طهران، وإعادة فرض العقوبات على نظام الملالي، وهو ما انسحب بدوره على مناخ الأعمال في القطاع الخاص.
لكن المخاوف من أن الاقتصاد الإيراني سوف يتدهور بسرعة مع تشديد العقوبات، علاوة على انسحاب الشركات الأجنبية مثل بيجو؛ دفعت أسعار السيارات والمنازل والذهب إلى الارتفاع، كما يقول محللون.
ولهذا يشعر الإيرانيون بالقلق من أن بلادهم تنزلق مجددا إلى الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها عندما كانت العقوبات الغربية في شدة قسوتها خلال السنوات التي سبقت الاتفاق النووي لعام 2015، وبالنسبة لكثيرين، فإن الأولوية هي تحويل الريال إلى أصول ثابتة قبل أن تنخفض قيمة العملة.
في السياق ذاته، قال أحمد زماني، وهو تاجر سيارات، إن "شراء السيارات أو العملات الصعبة لا يحتاج إلى أي خبرة، ولكنه يمكن أن يدر أرباحاً بسرعة".
وأضاف: "في العام الماضي، كانت السيارة (هيونداي) توكسون تباع بسعر 1.7 مليار ريال. والآن تباع بسعر 3.7 مليار ريال. والناس الذين اشتروا سيارات العام الماضي زادت القيمة الاسمية لأموالهم أكثر من الضعف في عام واحد فقط عبر شراء سيارة".
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن الريال الإيراني بدأ يتعرض لضغوط حتى قبل انسحاب ترامب رسميا من الصفقة النووية، حيث خسر أكثر من 30% من قيمته هذا العام، بعد أن أشارت واشنطن إلى نيتها. وفي محاولة لوقف أزمة العملة، فرضت طهران في أبريل/نيسان الماضي سعر صرف ثابت للدولار الأمريكي، وسجنت عشرات من تجار العملة السوداء بالسوق (الموازية).
وفي الوقت الراهن، يطلب عدد محدود من تجار العملة الذين لا يزالون يعملون 75 ألف ريال لكل دولار، في حين تضطر البنوك ومكاتب الصرافة إلى البيع بالسعر الحكومي مقابل 42 ألف ريال.
وقال أحد المصرفيين: "في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كنا نتعامل مع نحو 6 طلبات عملة صعبة يوميا، والآن أصبح العدد 100.. يحصل 2 فقط من العملاء على عملات"، مشددًا على تغير الأحوال.
وعلق مصرفي آخر قائلا: "على طهران أن تخبر الناس بأمانة أن هذه حرب اقتصادية وتسمح بتداول الدولار بسعر حقيقي. ولا يمكن التظاهر بأن كل شيء على ما يرام".
أما حسن، الذي يستورد الملونات والنكهات لقطاع الأغذية، فقال إنه قبل تطبيق القيود على العملة، كان قادراً على شراء اليورو الذي يحتاج إليه على الفور، والآن عندما يتقدم إلى البنك المركزي بطلب عملة أجنبية، عليه الانتظار لأيام أو أسابيع.
وفي إشارة إلى الفترة السابقة للاتفاق النووي، أضاف حسن، الذي طلب عدم استخدام اسمه الحقيقي: "إننا نعود إلى الأوقات الصعبة للعقوبات السابقة، أصبحت العقوبات جزءًا لا يتجزأ من حياتنا".
وفي تلك الفترة، ومع فرض العقوبات خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد، التي انتهت في عام 2013، سقط الاقتصاد الإيراني في ركود عميق، وأصبحت العملات الصعبة نادرة وارتفعت نسبة التضخم إلى 40%.
وفي الوقت الرهن، بدأ الرئيس الحالي حسن روحاني السيطرة على ارتفاع الأسعار، وكان يسعى إلى فتح الاقتصاد قبل أن تقوم إدارة ترامب بتحركها.
وفي الوقت الذي بدأت فيه بعض الشركات تتعافى من السنوات العجاف، تفاجأت بمواجهة عقوبات جديدة، وعن هذه الأوضاع الجديدة، قال أبوالفضل روجاني، من غرفة التجارة الإيرانية، إن "قطاع الصناعة متشائم" بشأن المستقبل، وحذر من تضرر الصناعات الصغيرة ومتوسطة الحجم، مثل منتجي السيارات الآلية والسلع المنزلية كثيراً.
ومن المتوقع أن تتدهور الأوضاع الاقتصادية، وفق الصحيفة، حيث ستعيد الولايات المتحدة في أغسطس/آب المقبل فرض قيود على قدرة إيران لشراء الدولار الأمريكي، فضلاً عن أي تجارة عالمية في الذهب والفحم والصلب والسيارات والعملة والديون الإيرانية.
وفي وقت لاحق من العام، ستفرض واشنطن عقوبات على صادرات النفط والطاقة والجمارك والموانئ في الولايات المتحدة، وعلى تعاملات البنوك المركزية؛ لكن يبقى التحدي الأكبر الذي يواجه نظام الملالي، بحسب تايمز، هو كيفية التعامل مع حالة الإحباط العام الذي يعيشه الإيرانيون إزاء ارتفاع تكاليف المعيشة.