وضع رجب طيب أردوغان خلال زيارته الأخيرة للندن بلاده في مأزق اقتصادي.
عكس وضع إيران والخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها الآن بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها من الاتفاق النووي، حجم ما يمكن أن تسببه المواقف السياسية من تأثير سلبي قد يؤدي إلى انهيار دول وصعود أخرى في أوقات قياسية.
ورغم أن الكثير من الدول الغربية أعلنت عن مواقفها بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، إلا أن شركات أوروبية ضخمة على غرار "توتال" الفرنسية بدأت بالانسحاب من إيران تحسباً لأية تطورات في المواقف.
وتراجع العديد من الشركات العالمية الأخرى والتي سارعت بالدخول لإيران، وعقد صفقات ضخمة معها، الآن مواقعها، ولا يبدو أي منها مستقرة بل يستشعر المراقبون حالة من التأهب للمغادرة.
ما نراه اليوم من تجاوزات ليس صادراً عن عصابات منظمة، أو أفراد أو جماعات إرهابية أو أشخاص فحسب، بل الأمر الخطير هو تجاوز بعض الدول على غرار إيران وتركيا وقطر للأنظمة الدولية، عبر اختراقات واضحة كشفها الإعلام والمنظمات الإنسانية ودول رصدت هذه التجاوزات.
والمقلق في المسألة الإيرانية أن أزمة البلاد ليست سياسية فحسب، بل إن الأوضاع السياسية فيها وتدخلها العسكري في دول المنطقة يجعل مخاوف المستثمرين مضاعفة.
بدوره ومن جهته وضع رجب طيب أردوغان خلال زيارته الأخيرة للندن بلاده في مأزق اقتصادي، فبعد أن أبدى البريطانيون وبعد طول انتظار من أنقرة، استعدادهم لفتح التعاون الاقتصادي مع تركيا، أفسد أردوغان شهيتهم بلهجته في الكلام التي استعمل فيها أسلوب الوعظ والإرشاد خلال جلسة في مركز تشاتم هاوس.
ورغم أن الليرة التركية تعاني من هبوط، ورغم أن البنك المركزي التركي يعاني من أزمات، يحاول إصلاحها خبراء في الاقتصاد والأموال على مستوى عالٍ من الخبرة إلا أن التدخل السياسي في هذه الأمور يعيق فتح آفاق التعاون مع الغرب.
يبدو أن أردوغان مقتنع تماماً بأنه إمبراطور المنطقة، وهذا ما ينعكس في السلطات المطلقة واللامحدودة التي منحها لنفسه في بلاده والقمع الذي يتعرض له الشعب التركي، واتساع رقعة تجاوزات النظام التركي فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ويبدو أيضاً من خلال محاولات التوسع أملاً في استعادة الإمبراطورية العثمانية عبر التدخل في دول الجوار بالاعتماد على دعم حلفائه الإيرانيين والقطريين بالمال والسلاح.
وعلاقة السياسة بالاقتصاد متشابكة ومرتبطة بشكل وثيق منذ بداية التاريخ، لكن اختلفت المعاملات بين البشر حسب الزمان والمكان وحددتها أطر مختلفة.
والإطار الذي يحدد هذه المعاملات الآن هي الدبلوماسية الدولية والاتفاقيات السياسية، ولذلك أصبحت من أولويات التعامل وقاعدة الهرم في المعاملات بين الشعوب الآن هي دبلوماسية الاقتصاد، أو الدبلوماسية المالية.
وطرق التعامل الدولي واضحة محددة تم التوصل إليها بعد جهود إنسانية وتطوير اتفاقيات وقوانين تنظم الحقوق والواجبات فيما يخص المعاملات في المسائل الاقتصادية والمالية.
لكن ما نراه اليوم من تجاوزات ليس صادراً عن عصابات منظمة، أو أفراد أو جماعات إرهابية أو أشخاص فحسب، بل الأمر الخطير هو تجاوز بعض الدول على غرار إيران وتركيا وقطر للأنظمة الدولية، عبر اختراقات واضحة كشفها الإعلام والمنظمات الإنسانية ودول رصدت هذه التجاوزات، أو عبر مواصلة التمويل الخفي للإرهابيين بدعم مالي مباشر أو عبر المال والأسلحة والدعم اللوجيستي والأخطر من كل هذا هو التسويق لسياسات التطرف.
والإشكال الأكبر هو وقاحة هذه الأنظمة وجرأتها في استعراض عضلاتها أمام الرأي العام، تدعي قوى لا تمتلكها موهمة شعوبها أنها الأقوى وأن التوسع ممكن، على حساب تدمير دول وتشتيت شعوب.
ولكن يبدو أنهم وعلى دهائهم فاتهم أن يتعظوا من التاريخ وأن يتعلموا أن الخبز والكرامة هما سر ولاء الشعوب لحكوماتها، وسر استمرار الأمم ومقياس الأعمار فيها والإعمار.
القمع للحريات ورفض كل من يخالفهم وتجاوزات حقوق الإنسان في إيران وتركيا، مع تصاعد العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران وانسحاب المؤسسات الدولية الكبرى وإلغاء اتفاقيات ضخمة، وتعنت أردوغان ولغته المكابرة في التعامل مع المستثمرين الأجانب بالتوازي مع استنزاف أموال هذه البلاد خارجها وإنفاقها على الحروب التي لا تخص شعوبها، كل هذا لن يؤدي إلا إلى طريق واحد، ولا خيارات معه وهو السقوط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة