بعد 40 عاما على ثورة الخميني،يقول الايرانيون إن الثورة كانت بالنسبة للشعب الايراني أسدا جائعا أكلهم.
تقول الحكاية القديمة "إنه من العبث أن تربي أسدا وأنت غير قادر على ترويضه، والتعامل معه لأنه حتما سيأكلك".
هذا ما حدث تماما مع الملف الإيراني النووي، بعد ذروة الصدام منذ 2003 وحتى اليوم، سبعة عشر عاما من الصراع، منذ نوفمبر 2003 حين خلصت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تحقيقاتها إلى أن إيران لم تلتزم باتفاقات ضمانات معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وبعدها طالب مجلس الأمن بتعليق إيران لكامل أنشطتها النووية .
خاضت إيران صدامات متعددة مع المجتمع الدولي، تحت عنوان الملف الإيراني النووي من أجل الحصول على مكاسب سياسية من الأوروبيين أو من أمريكا نفسها .
لكن للأسف تحول الملف من رغبة إيران في أن يكون بقرة حلوب إلى أسد ألتهم صاحبه.
وهنا ارتفعت أسئلة الشعب الإيراني، ماذا جنينا بعد سبعة عشر عاما من الصراع؟
لم ينتجوا قنبلة ذرية واحدة، لم يحققوا أية مكاسب سياسية، أما اقتصاديا فقد ابتلع الملف الاخضر واليابس.
بعد سبعة عشر عاما من الصراع توالت مطرقة العقوبات، حتى وصلت ذروتها بعد عام 2018 حين انسحب الأمريكان من الاتفاق الإيراني النووي الذي وقع في 2015 برعاية أوباما، بعدها زاد الضغط ، وتوالت وتعددت العقوبات حتى وصلت إلى سياسة الضغط الأقصى، فكانت النتيجة أن خسرت إيران في عامين فقط ما قد يصل إلى 200 مليار دولار أمريكي أي أربعة أضعاف من حجم ميزانيتها السنوية، إذا وصلت ميزانيتها في 2018 إلى 47 مليار دولار .
أي أن الملف الإيراني النووي ابتلع ما ينفقه الإيرانيون خلال أربعة أعوام في أقل من عامين .
فقدت صادراتها النفطية حتى وصلت إلى صفر تصدير، وهي التي كانت تنتج 2.5 مليون برميل يوميا وتصدر ما يزيد عن مليون ونصف .
توقفت أكثر من 100 شركة عن التعاون مع إيران في أعمال التجارة، رفض السماح لأكثر من 75 ناقلة من حمل النفط الإيراني ، فرضت عقوبات على أكثر من 970 كيانا إيرانيا اقتصاديا .
حدث ولا حرج عن تفريغ الخزينة الايرانية، وعدد الأشخاص الذين فرضت عليهم عقوبات ، ومستوى معيشة الإيرانيين التي وصلت إلى أدنى مستوياتها .
أما سياسيا فقد وصلت سياسة العزل إلى أقصاها وباتت إيران غير قادرة على إدارة نفسها ولا التعامل مع محيطها .
كل ذلك من أجل ماذا ؟
من أجل اللاشيء، من أجل الفراغ، من أجل العناد السياسي الذي يفضي إلى السراب .
إذا أضفنا إلى سجل الخسائر الإيرانية ما تنفقه على ميليشياتها في المنطقة فسنجد الأمر كارثيا ، إيران تنفق حسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية 16 مليار دولار على ميليشياتها في اليمن وسوريا والعراق .
و700 مليون دولار سنويا على حزب الله اللبناني فقط .
أما ما أنفقته على مليشياتها في سوريا منذ بداية الثورة السورية في 2011 فقد وصل خلال ثمانية أعوام إلى 48 مليار دولار أمريكي، أي بمعدل 6 مليار دولار سنويا .
بمعايير الاقتصاد ما تفعله إيران عبث، محاربة طواحين الهواء لا تنتج ماء ولا شي، ضجيج بلا طحين .
القاعدة الحاكمة لأي اقتصاد تقول المال ينفق ليأتي بالمال، وبلغة السياسة المال ينفق ليأت بالمصالح، وفي الحالة الايرانية المال أنفق ولما يأتي لهم بأي شيء سوى بالخراب والخسارة .
ما الفرق إذا بين ادارة نفس الملف في عهد الشاه أي قبل مجيء الخميني بنظامه عام 1979 حتى وفاته عام 1989 وما حدث في عهد خامنئي حتى الآن .
في مارس 1957 أطلق الشاه برنامجه الإيراني بمشاركة ورعاية أمريكا ضمن مشروع الذرة من أجل السلام الذي دشنه الرئيس الأمريكي أيزنهاور .
وقع الشاه مع إيران اتفاقيات لإقامة 23 محطة ذرية إيرانية، تسابق الأوروبيون ليوقعوا مع الشاه اتفاقات تجارية في مجال الطاقة الذرية ، فرنسا ، السويد ـ بلجيكا وإسبانيا.
تأسس في عام 1967 مركز طهران للبحوث النووية برعاية أوربية أمريكية، وقعت إيران على معاهدة عدم الانتشار النووي عام 1968 وصدقت عليها عام 1970 .
هنا قراءات في المتغيرات الزمانية والسياسية، نفس الذين أسسوا المشروع الإيراني أيام الشاه هم الذين يتخوفون ويقفون في وجه الآن أيام ولاية الملالي .
الأمريكيون والأوروبيون أيام الشاه ليس هم أنفسهم هذه الأيام .
المتغير هنا يسمونه في علم السياسة الثقة التي يأتي بها أهل الثقة.
إيران وصلت إلى حالة الفشل الكامل في كل دوائرها السياسية، مع جيرانها العرب بعدما فككت إيران أوطانهم وخاضت حروبا خفية عبر ميليشياتها داخل العراق ولبنان وسوريا واليمن، أدت إلى تفكيك هذه البلاد عبر التغول الإيراني .
ومع المحيط الإسلامي و المحيط العربي والدولي .
لا يمكن أن يكون هناك عاقل يفتح أبواب العداوات على مصراعيها مع الجميع في وقت واحد ، لا توجد قاعدة في العلاقات الدولية تنبني على الصراع والصدام والحروب والتأزيم فقط، لا يمكن أن يكون ذلك دليل قوة سياسية، ولا عزة قومية ، لا يمكن لأي نظام في العالم أن يؤسس سياسته بمعزل عن مصلحة شعبه .
النظام الإيراني يدير إيران وكأنها بلا شعب، دولة تم أخذ شعبها رهينة، شعب معتقل، ليس له رأي ولا قرار، تقاد كما يقاد القطيع، ومن يرفض أو يعترض يسجن ويعدم.
بعد أربعين عاما على ثورة الخميني، يقول الايرانيون إن الثورة كانت بالنسبة للشعب الايراني أسدا جائعا أكلهم.
وبعد سبعة عشر عاما من الملف الايراني النووي منذ 2003 ، يتأكد للجميع أن الملف أيضا كان أسدا أكل النظام الإيراني وأكل الشعب في نفس الوقت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة