سياسة الاحتواء.. نحو عقوبات رادعة لمرتزقة إيران في العراق
تلجأ الولايات المتحدة إلى تطويق النفوذ الإيراني ومعاقبة الشخصيات الموالية لإيران في العراق بإنفاذ النسخة الدولية من قانون ماغنيتسكي
لا تكتفي إدارة دونالد ترامب في سياسة الاحتواء containment policy التي تنتهجها ضد إيران بسلسلة العقوبات المفروضة عليها منذ إعلان الرئيس الأمريكي انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018 بغية "الضغط الأقصى" على النظام الإيراني لثنيه عن تطلعاته النووية من خلال تصفير صادرات النفط الإيراني وغيرها من الإجراءات العقابية فحسب.
إذ تلجأ الولايات المتحدة أيضا إلى تطويق النفوذ الإيراني ومعاقبة الشخصيات الموالية لإيران في دولة العراق، وذلك بإنفاذ النسخة الدولية من قانون ماغنيتسكي الأمريكي، وإدراج مجموعة من الشخصيات السياسية العراقية البارزة وقادة المليشيات المدعومة من قِبل إيران على لائحة الأفراد الخاضعين لعقوبات ماغنيتسكي كان آخرها إخضاع 4 شخصيات عراقية؛ بينهم 3 من قادة مليشيات الحشد الشعبي متهمون بـالتورط في حملة القمع الممنهجة ضد المتظاهرين العُزَّل وقتلهم، والرابع رجل أعمال متهم بـالفساد في ديسمبر/كانون الأول 2019.
ولم تكن هذه المرة الأولى لإخضاع سياسيين وقادة مليشيات ورجال أعمال عراقيين لعقوبات ماغنيتسكي. ففي يوليو/تموز 2019، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على اثنين من زعماء المليشيات العراقية ومحافظين سابقين لاتهامهم بانتهاكات حقوقية وممارسات فساد. وقد استهدفت العقوبات آنذاك "ريان الكلداني" و"وعد الشبكي" وهما من زعماء الفصائل المسلحة، وكذلك المحافظين السابقين "نوفل العاكوب" و"أحمد الجبوري".
وفي هذا السياق، تناول مقال نُشِر على موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى تحت عنوان "معاقبة القتلة العراقيين المدعومين من إيران: حملة عقوبات واسعة النطاق" للخبير في شؤون المليشيات والشخصيات السياسية العراقية المدعومة من قِبل إيران "مايكل نايتس"، قانون ماغنيتسكي الأمريكي لمحاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان والشخصيات العراقية التي استهدفها القانون. ويُخْتتم المقال بتقديم جملة من التوصيات لأجل نظام عقوبات أكثر فاعلية في ردع مرتزقة إيران في العراق.
ماهية قانون ماغنيتسكي
في ديسمبر/كانون الأول عام 2017، صدَّق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على النسخة الدولية من قانون ماغنيتسكي Magnitsky Human Rights Accountability Global وهو القانون الذي يستهدف منتهكي حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم بفرض حزمة من العقوبات من قبيل حرمانهم من الحصول على تأشيرات لدخول الولايات المتحدة، وتجميد أصولهم هناك وغيرهما من أشكال العقوبات لاحتواء أولئك الشخصيات المدرجين على قائمة عقوبات ماغنيتسكي.
ومنذ ذلك الحين، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات ماغنيتسكي على أكثر من 460 شخصا وكيانا وُجِّهت إليهم اتهامات بالتورط في انتهاكات لحقوق الإنسان أو جرائم فساد بشكل مباشر، استنادا إلى قانون ماغنيتسكي، الذي يُلْزم الرئيس الأمريكي بفتح تحقيق وإصدار تقرير خلال 120 يوما من تلقيه طلبا من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي لفرض عقوبات على السياسيين المتورطين في ارتكاب جرائم قتل وتعذيب والاحتجاز دون محاكمة. وأوضح الكاتب أشكالا عدة للعقوبات التي يجري فرضها على المتورطين في انتهاكات حقوقية بموجب هذا القانون:
أولا: وضعهم على اللائحة السوداء من قِبل المصارف، ويستتبع تلك الخطوة مباشرةً تجميد الأصول المالية المملوكة لأولئك الأشخاص في المصارف الأمريكية. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل يجري حظر التعامُل معهم من قِبل المصارف في العديد من الدول الأجنبية وليس فقط البنوك الأمريكية. وينسحب هذا الأمر على النشاطات التجارية لأولئك الأشخاص؛ إذ غالبا ما يتخلى المستثمرون عن التعامُل مع الأفراد الخاضعين للعقوبات وشركاتهم مما يقود إلى انهيار أعمالهم.
ثانيا: فرض قيود على السفر، إذ إنَّه بمجرد إخضاع الفرد لقانون ماغنيتسكي، يجري حرمانه من تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة، إضافةً إلى تعقُّد إجراءات إصدار تأشيرات دخول إلى دول أخرى.
ثالثا: إحداث قطيعة مع الحكومة الأمريكية، فإذا كان الشخص الخاضع لعقوبات ماغنيتسكي في منصب سياسي، فإنه سيغدو في قطيعة كاملة مع المسؤولين والكيانات الأمريكية؛ فلا يُخوَّل أبدا للمسؤولين الأمريكيين أو أي مؤسسة أمريكية التعامُل مع هذا الشخص.
فضلا عمَّا سبق، ارتأى الكاتب أنَّ هذه العقوبات المفروضة بموجب قانون ماغنيتسكي تشكِّل حجر عثرة أمام الطموح السياسي لأي شخص. وفي هذا الصدد، ركَّز المقال على الحالة العراقية على وجه الخصوص؛ إذ أوضح أنَّه ليست ثمة سابقة على تقليد أي شخصية عراقية خاضعة لتلك العقوبات منصبا سياسيا كوزير في الحكومة أو كمحافظ.
4 شخصيات عراقية مستهدفة
تطرَّق الكاتب إلى تطبيق قانون ماغنيتسكي الأمريكي في الحالة العراقية؛ ففي 6 ديسمبر/كانون الأول فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 4 شخصيات عراقية؛ بينهم 3 من قادة مليشيات الحشد الشعبي متهمون بـالتورط في حملة القمع الممنهجة ضد المتظاهرين العُزَّل وقتلهم، والرابع رجل أعمال متهم بـالفساد، ألا وهم:
أولًا: قيس الخزعلي، وهو أحد أبرز السياسيين وزعيم جماعة "عصائب أهل الحق"، وقد قدَّم الدعم الكامل، بمساعدة الحرس الثوري الإيراني، لحملة القمع ضد المحتجين، كما قاد حملة تشويه المظاهرات باعتبارها مؤامرة خارجية لنشر الفوضى بالعراق.
ثانيا: ليث الخزعلي، وهو شقيق قيس وخضع لعقوبات ماغنيتسكي بسبب مشاركته أيضا في حملة قمع المحتجين، فضلا عن مشاركته في عملية التطهير التي استهدفت السُنَّة في محافظة ديالى. كما أنَّه شارك في عمليات استهدفت قتل جنود أمريكيين، وهذا الأمر ينطبق على أخيه أيضا.
ثالثا: حسين فالح اللامي، وكنيته أبوزينب اللامي، وهو عنصر في كتائب حزب الله، التي سبق إدراجها من قِبل الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية، ومسؤول أمن مليشيات الحشد الشعبي، وقام بتنسيق عمليات القناصة ضد المتظاهرين العُزَّل.
رابعًا: خميس الخنجر، عضو بارز في كتلة البناء في البرلمان العراقي، وقد خضع لعقوبات ماغنيتسكي بسبب اتهامه بالتورط في عمليات فساد ورشوة لدعم النفوذ الإيراني بالعراق. وقد أوردت تقارير عدة أنَّ الخنجر، وهو رجل أعمال وسياسي عراقي بارز، يمتلك مجموعة من الشركات والمشروعات التجارية، ويحاول استغلال ثروته، التي تُقَدَّر بمئات الملايين من الدولارات لإقامة منطقة حكم ذاتي للسُنَّة بالعراق.
شخصيات عراقية ينبغي إخضاعها للعقوبات
أشار المقال إلى وجود عدد من الشخصيات العراقية يجدر وضعها على قائمة الخاضعين لعقوبات قانون ماغنيتسكي، وهم عدد من السياسيين العراقيين وقادة المليشيات التي خوَّلت لهم مواقعهم صلاحية إعطاء الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين وتورطوا في حملات القمع الممنهجة ضد المحتجين، لعل أبرزهم مستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة الحشد الشعبي "فالح الفياض"، الذي سهَّل إطلاق النار على المحتجين والهجمات على محطات التلفزيون.
بالإضافة إلى "الفياض"، طرح المقال أسماء أخرى لعل من بينها "ثامر محمد إسماعيل"، وكنيته "أبوتراب"، وهو مقاتل في صفوف فصيل "بدر" المتحالف مع إيران ويترأس حاليا "فرقة الرد السريع" في وزارة الداخلية. ومن ثم فهو في منصب يخوِّل له صلاحية إصدار الأوامر باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين.
ومن أبرز الأسماء أيضا التي يجب استهدافها بعقوبات ماغنيتسكي "أبومنتظر الحسيني"، مستشار شؤون وحدات الحشد الشعبي في مكتب رئيس الوزراء، بسبب انخراطه في عمليات قتل المتظاهرين والهجمات على محطات التلفزيون. ومساعدا "أبوزينب اللامي"، وهما أبوبكر، مدير الأمن المركزي لمنطقة الرصافة، حيث تتمركز العديد من مواقع الاحتجاجات، و"حجي غالب"، وهو رئيس قسم التحقيقات في مديرية الأمن المركزي.
وفيما يتصل بقادة المليشيات، التي تُعَد أذرع إيران العسكرية في العراق، ويجب استهدافهم بالعقوبات، فهم "حميد الجزائري"، قائد المليشيا المدعومة من إيران "سرايا طليعة الخراساني"، اللواء 18 ضمن الحشد الشعبي، الذي نسق الهجمات على محطات التلفزيون؛ و"هاشم بنيان السراجي" وكنيته "أبوآلاء الولائي"، وهو قائد مليشيا "كتائب سيد الشهداء"، اللواء 14 ضمن الحشد الشعبي، وهو متورط في حملات قمع المحتجين.
وختاما، طرح الكاتب جملة من التوصيات من أجل نظام عقوبات رادع لمرتزقة إيران في العراق؛ لعل في مقدمتها توفير موارد بشرية ومالية لإنفاذ عقوبات ماغنيتسكي بمعنى تخصيص كوادر من العاملين في المجالات الإدارية والقانونية والاستخباراتية لمهمة محددة ألا وهي رصد الشخصيات العراقية الذين تورطوا في انتهاكات حقوقية، وتحديث لائحة الأفراد الذين يلزم إخضاعهم للعقوبات بشكل مستمر كما ارتأى الكاتب ضرورة توسيع نطاق العقوبات لتشمل ذوي الشخصيات المستهدفة بالعقوبات من قبيل منع دخول أفراد عائلة أولئك الأشخاص إلى الولايات المتحدة، وقد يدفع ذلك دولا أخرى لتحذو حذو الولايات المتحدة في هذا الشأن.
وأكَّد الكاتب، في خاتمة مقاله، ضرورة دعم التعاون والتنسيق مع بريطانيا لأنَّ المسؤولين العراقيين الذين أُدْرِجوا على قائمة الخاضعين لعقوبات ماغنيتسكي قد يلجأون هم وذووهم إلى بريطانيا كبديل عن الولايات المتحدة لحماية ثرواتهم وشراء الممتلكات والأصول والحصول على الرعاية الطبية والتعليم الجيد لأولادهم. وهذا الأمر لا بد أن يسترعي انتباه صانع القرار الأمريكي؛ ذلك لأنَّه يحد كثيرا من فاعلية العقوبات، وعلى المسؤولين الأمريكيين حفز بريطانيا لانتهاج ذات الإجراءات العقابية على غرار الولايات المتحدة، والوصول إلى أعلى درجات التنسيق بين الدولتين لكي تؤتي العقوبات ثمارها في ردع مرتزقة إيران بالعراق.
aXA6IDE4LjIyNy4xOTAuMjMxIA== جزيرة ام اند امز