ما تحتاجه فلسطين والقدس أن يفكر العرب فى وسائل جديدة مُبتكرة تناسب معطيات العصر،
أربع سبعات مرت بالعرب في سبعين سنة، وهم كما هم لم يتغيّر فهمهم للأمور عظيمها قبل صغيرها شيء، ولا تعاملهم معها، وتعاطيهم لها شيء، نفس الإدراك ونفس ردود الأفعال دون تغيير أو تجديد أو مراجعة، حالة من الجمود في الفكر، والبلادة في التصرف يصعب أن يكون فى البشر لها نظير.
سبعون عاماً لم يتعلم العرب أن الزمان يتغير، وأن الوسائل غير مقدسة، وأن الأهداف هي التي يجب أن نحافظ عليها ونسعى لتحقيقها.
فى عام 1947 صدر قرار تقسيم فلسطين ومنح وطن للعصابات الصهيونية القادمة من أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، تخلص الضمير الأوروبي في القارة العجوز من تأنيب الضمير بعد محارق النازي، وتخلصت بريطانيا العجوز من ديون الرأسمالية اليهودية المتوحشة؛ المطالبة بكل ما أقرضته لبريطانيا العظمى أثناء الحرب العالمية الثانية؛ بمنحهم قطعة أرض من أملاكها نظير هذه الديون وبذلك أسكتت عائلة روتشيلد، وغيرها من العوائل اليهودية التي تتحكم في الاقتصاد العالمي.
حققت أوروبا مصالحها على حساب الفلسطينيين بطردهم من بيوتهم، وتدمير قراهم، فكان رد العرب الانفعال والدخول في حرب دون استعداد والمقاطعة، والتظاهر والخطب العصماء واللجوء للمنظمات الدولية المتواطئة.
في عام 1967 وبعد الهزيمة النكراء لجيوش ثلاث دول عربية، منها مصر الأكبر والأعظم والأقوى أمام جيش دولة العصابات الصهيونية؛ مدعومة بكل القوة الأمريكية؛ رفع العرب عقيرتهم باللاءات الثلاث، لا تفاوض ولا صلح ولا اعتراف بإسرائيل، ومرة ثانية المقاطعة لإسرائيل، ومن يقف معها، والمظاهرات، واللجوء إلى المنظمات الدولية التى تحركها نفس القوى التى مكنت إسرائيل من هزيمة العرب.
وفى عام 1977عندما زار السادات القدس دون تنسيق مع باقي الدول العربية، قام العرب بنفس الأفعال وإن اختلف المفعول به هذه المرة، التظاهر ضد السادات، ومقاطعة مصر، ونقل الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، واستمر السادات في خطته وعاد العرب.
وفي عام 2017 يتخذ الرئيس الأمريكي قراراً يشبه وعد بلفور بمنح القدس لدولة العصابات الصهيونية لدعم موقفه الداخلي المعرّض للانهيار بالحصول على رضاء المنظمات الصهيونية التي تتحكم بدرجة كبيرة في صناعة القرار الأمريكي، فيكون رد العرب التظاهر، وحرق الأعلام، والمناداة بالمقاطعة، واللجوء للمنظمة الدولية المتواطئة، والمنظمة الإقليمية المشلولة.
سبعون عاماً لم يتعلم العرب أن الزمان يتغير، وأن الوسائل غير مقدسة، وأن الأهداف هي التي يجب أن نحافظ عليها ونسعى لتحقيقها. سبعون عاما والعرب لا يعرفون إلا التظاهر، وحرق الأعلام، والمناداة بالمقاطعة الدبلوماسية أو الاقتصادية. سبعون عاما والعرب يلجأون للأمم المتحدة التي لم تنصف فلسطين مرة واحدة بصورة جادة وحقيقية.
تاريخ مأساة فلسطين يقول لنا إن العرب حنّطوا القضية الفلسطينية وتحجّروا معها، تراهم مبدعين وحداثيين ومعاصرين في معظم مجالات الحياة، متفوقين فى التكنولوجيا والفنون والغناء والتمثيل، بعضهم ناجحون اقتصادياً بصورة مبهرة، منهم العلماء والمثقفون والمعماريون، إلخ، ولكنهم عندما يأتي الأمر لفلسطين يتحولون إلى آلات جامدة تفعل ما تعودت فعله منذ سبعين عاماً، دون مراجعة لجدوى هذه الأفعال أو تأثيرها، ودون ملاحظة أنها لم تحقق شيئا في المرة السابقة.
يقول أنشتاين: «من الغباء أن تكرر الشيء ذاته بنفس الخطوات وبنفس الطريقة وتنتظر نتيجة مختلفة»، ولكن العرب يختلفون مع أنشتاين مع احترامهم له، إنهم يفعلون نفس الخطوات ويكررونها ولا ينتظرون أية نتيجة مختلفة، هم يفعلونها على سبيل العادة، وإراحة الضمير، ورفع العتب، وتجنب اللوم، ولا يريدون غير ذلك.
لم يسأل أحد ماذا جنت المظاهرات المعادية لإسرائيل وأمريكا وحرق أعلامهما؟، هل لهذه الوسيلة أثر على الإطلاق؟، هل حركت ساكناً هنا أو هناك؟، هل انتبهت المنظمات الحقوقية الدولية لموقف العرب ومظاهراتهم؟، وهل سمع بها أحد؟.
وماذا حققت المقاطعة العربية لإسرائيل ومن يدعمها أو يساندها؟، التاريخ يذكر أن هناك مقاطعة واحدة في مرة واحدة في لحظة واحدة في مادة خام واحدة، حققت آثارها مرة واحدة أثناء حرب أكتوبر 1973، حين قطعت الدول العربية النفط عن الغرب، أما المقاطعة العربية قبلها وبعدها فلم تُحدث أية نتائج سياسية على الإطلاق، وفي هذه اللحظة التاريخية التي فقد فيها العرب التحكم في أية سلعة بما فيها النفط، وأصبحوا عالة على العالم في كل شيء، سوف تتحول المقاطعة إلى عقاب للعرب، وليس لأعداء العرب.
ما تحتاجه فلسطين والقدس أن يفكر العرب في وسائل جديدة مبتكرة تناسب معطيات العصر، ومعادلاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لتحقيق الهدف المنشود؛ وهو إعادة الحق الفلسطيني والعربي المهدور، وتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، ولا أقول كل فلسطين وإنما الأراضي المحتلة بعد 1967.
نحتاج أن نفكر في وسائل جديدة، وطرق جديدة لإقناع العالم والتأثير فيه، وتحريك العالم لمناصرة الحقوق المهدورة للشعب الفلسطيني أكثر شعب ظُلم بتواطؤ دولي على مر التاريخ، للقضاء على آخر صور الاستعمار الوحشي في زمن يتغنى فيه العالم بحقوق الحيوان.
نحتاج أن نفكر في طرق ووسائل يفهمها العالم اليوم، وتؤثر فيه بما فيه من يهود غير منتمين للحركة الصهيونية، نحتاج أن نفكك المجتمع الإسرائيلي بطريقة ثقافية واجتماعية، نحتاج أن نفكر خارج صندوق الزمن العربي الجامد.
نقلاً عن " الأهرام " المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة