اللبنانيون غاضبون: المصارف تحتجز أموالنا
متظاهرون يتهمون المصارف بتحويل مبالغ مالية ضخمة لمسؤولين ومموَّلين إلى الخارج، في وقت تفرض إجراءات مشددة على المودعين في لبنان
تستمر معاناة اللبنانيين مع سحب ودائعهم ورواتبهم، بل تزداد الأزمة وتتعاظم يوما تلو الآخر، ليصبح مشهد الغضب عرضا مستمرا، حيث تجد سيدة تصرخ "راتبي، راتبي، أريد راتبي"، ويضرب رجل بيده على الطاولة طالباً سحب مبلغ إضافي قدره 200 دولار من حسابه، لكن لا أحد يستجيب لهما في المصرف.
في مصرف آخر في بيروت، يقول شخص عرف نفسه بأنه خالد، 68 عاماً: "إنها تجربة صادمة... رأيت امرأة ترجو موظف البنك حرفياً، حتى إنها ركعت على الأرض أمامه لتحصل على المال. لكن البنك ببساطة لا يهتم".
ويضيف: "يحتفظون بأموالنا، ولا يعطوننا ما نريد، مثل الوالد الذي يعطي ابنه مخصصات أسبوعية".
منذ الساعة 8 صباحاً، يبدأ العملاء بالتجمع أمام المصارف اللبنانية بانتظار أن تفتح أبوابها، ويتهافتون على الآلات التي تعطيهم أرقاما تنظم الأدوار لسحب الأموال، قد ينتظر بعضهم طويلا للحصول على مبلغ صغير بالدولار الأمريكي.
وبعد مرور أربع ساعات كحد أقصى، يفاجأ من لم يصلهم الدور بموظف يبلغهم: "لم يعد هناك دولار، عودوا غداً".
منذ شهر سبتمبر/أيلول 2019، تتفاقم أزمة السيولة في لبنان، وتُفرض قيود متصاعدة على سحب الأموال، واليوم، لا يمكن للزبائن في بعض المصارف سحب أكثر من 800 دولار شهرياً. وقبل مدة قصيرة، فُرضت قيود أيضاً على سحب الليرة اللبنانية.
"لم يعد لدينا دولار"
وتحولت المصارف إلى مسرح للصراخ والدموع وإشكالات وصلت إلى حدّ التضارب بين الزبائن والموظفين.
ونشرت وزارة الداخلية، بناء على طلب نقابة موظفي المصارف، أمام كل فرع مصرفي رجلي أمن على الأقل.
قبل 6 أسابيع، كان المصرف سمح لخالد التقي بالحصول على 300 دولار فقط في الأسبوع، وانخفض المبلغ في الأسبوع الذي بعده إلى 200 دولار. وفجأة، وفي آخر زيارة له إلى المصرف قبل أيام، أتاه الجواب: "لم يعد لدينا دولار".
ويتم التشارك على وسائل التواصل الاجتماعي بأشرطة فيديو يصورها زبائن لموظفين يرفضون تسليمهم أموالهم. في فيديو تم تداوله قبل أيام، يدخل أحد الزبائن إلى فرعه المصرفي يحمل بيده فأسا ليطالب بأمواله.
ويقول موظفون إنهم لا علاقة لهم بالقرارات التي تتخذها إدارات المصارف، وإنهم يدفعون الثمن إذ يتعرضون للإهانات والتهجم.
ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، ما يهدد المواطنين في وظائفهم ولقمة عيشهم تزامناً مع أزمة سيولة حادة وارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية.
ويتهم متظاهرون المصارف بتحويل مبالغ مالية ضخمة لمسؤولين ومموَّلين إلى الخارج، في وقت تفرض إجراءات مشددة على المودعين في لبنان.
وفي تقرير لمركز "كارنيجي" للأبحاث في الشرق الأوسط في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني، قدّر خبراء تحويل 800 مليون دولار إلى الخارج منذ انطلاق الاحتجاجات ضد الطبقة السياسية في لبنان في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وهي الفترة التي كانت فيها أبواب المصارف مقفلة.
ويُعد القطاع المصرفي في لبنان العمود الفقري للاقتصاد المحلي ودعامة للنظام المالي الذي يقترب من حافة الإفلاس.
ويقول الباحث في معهد "تراينغل" سامي حلبي إن "سُمعة المصارف تشوهت تماماً"، مضيفا: "لن يثق أحد بها بعد اليوم ولسنوات عدة".
ونظمت مظاهرات عدة خلال الأسابيع الماضية في اتجاه المصرف المركزي في بيروت المتهم من الحركة الاحتجاجية باعتماد سياسة مالية ساهمت في الأزمة الحالية. ورفعت شعار "ليسقط حكم المصرف".
وفيما لا يزال سعر صرف الدولار محددا رسميا بـ1507 ليرات لبنانية، فإن السعر يصل في السوق الموازية الى ألفين أو أكثر.
وبالإضافة إلى الحد من سحب الأموال داخلياً، تمنع المصارف التحويلات إلى الخارج، ولا يمكن للبناني المقيم في الخارج والذي يملك حسابات مصرفية في لبنان سوى الاستفادة من مبالغ مالية محدودة.
وتقول إحدى المتضررات عرفت نفسها بـ"رنا"، 47 عاماً، إنها تعيش اليوم "كابوساً مالياً"، إذ لا يسمح لها المصرف سوى بتحويل ألف دولار شهرياً إلى حسابها في الخارج. وبالكاد يكفي هذا المبلغ لدفع إيجار منزلها في إيطاليا، عدا عن حاجتها لـ30 ألف دولار لدفع مستحقات شركة الإنشاءات التي تبني لها منزلا في أوروبا.
وتضيف رنا التي غادرت لبنان قبل عامين: "الضوابط على رأس المال خربت حياتي".
من نظر وجهة المصرف، مجرد حصولها على هذا المبلغ المحدود "معجزة" بحد ذاته. فبعد تقدمها بشكاوى عدة، وصلتها رسالة من المصرف مفادها: "لا أحد يستطيع إخراج ألف دولار من بيروت".