شعرة معاوية.. توتر يقارب القطيعة بين عون والحريري
توتر زاد من منسوبه تفاقم الخلافات السياسية التي كان آخرها اتهام الحريري لعون بتجاوز الدستور.
مرحلة متقدمة من التوتر قاربت حد القطيعة.. تلك هي ملامح العلاقة في هذه الأيام، بين العهد الذي يمثله الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري. في مشهد يطرح تساؤلا حول شعرة معاوية بين التيار البرتقالي والأزرق في بلد الأرز.
توترٌ زاد من منسوبه تفاقم الخلافات السياسية التي كان آخرها اتهام الحريري رئيس البلاد بتجاوز الدستور ومحاولته تحويل النظام اللبناني إلى نظام رئاسي، جرّ وراءه حرب بيانات بين الطرفين.
فبعد إقرار حكومة حسان دياب المؤلفة من وزراء محسوبين بشكل أساسي على التيار الوطني الحر الذي يرأسه النائب جبران باسيل صهر عون، ومليشيات حزب الله وحلفائهما، الخطة الاقتصادية، دعا الرئيس اللبناني الكتل النيابية للقاء يعقد الأربعاء في القصر الرئاسي للبحث بها.
لكن هذه الدعوة لاقت استياء في أوساط المعارضة، خاصة أنها أتت بعد إقرار خطة رأى فيها "تيار المستقبل" الذي يرأسه الحريري، تجاوزا للدستور، معتبرا أن البحث فيها يجب أن يكون في البرلمان وليس في القصر الرئاسي.
مناوشات الحريري وعون
واعتذر سعد الحريري عن عدم حضور لقاء القصر الرئاسي، وأصدرت كتلة المستقبل النيابية بيانا أكدت فيه أن "المكان الطبيعي للاطلاع على البرنامج هو المجلس النيابي".
وأشارت كتلة المستقبل إلى "ممارسات وفتاوى سياسية وقانونية تتجاوز حدود الدستور لتكرس مفهوم النظام الرئاسي على حساب النظام الديمقراطي البرلماني".
لتعود بعدها رئاسة الجمهورية وتصدر بيانا ترد فيه على الحريري، مؤكدة أن "أهداف اللقاء واضحة ومحددة وهي إطلاع رؤساء الكتل النيابية على تفاصيل الخطة الإصلاحية والاستماع لملاحظاتهم حيالها، والتمهيد للمناقشات التي ستجري في مجلس النواب لاحقاً بعد إحالة مشاريع قوانين تطبيقية للخطة".
وأضافت الرئاسة: "أما الحديث عن نظام رئاسي على حساب النظام الديمقراطي البرلماني- كما جاء في بيان المستقبل- ففيه الكثير من التضليل لأن رئيس الجمهورية يمارس صلاحياته في ظل النظام الديمقراطي البرلماني الذي أقسم اليمين على المحافظة عليه".
وعبّرت الرئاسة اللبنانية عن استغرابها من دعوة قيادات سياسية لـ"عون" إلى تحمّل مسؤولياته، لكن حين يتحرك على الأرض تنهال عليه الحملات، متسائلة: "أي منطق أعوج يساق في هذا القبيل؟".
لتعود بعدها كتلة المستقبل وترد على رئاسة الجمهورية، متسائلة: "ما الداعي بعد الإعلان عن الخطة ونشرها الدعوة إلى الاجتماع؟ إذا كان الهدف هو رمي المسؤولية على الكتل النيابية المشاركة منها في الحكومة وغير المشاركة، فإننا باعتذارنا نؤكد أن المسؤولية كما أنها عن تنفيذها تقع كاملة على العهد وحكومته".
المستقبل يختار القطيعة
ومع هذه السجالات والاتهامات المتبادلة، قالت مصادر سياسية مقربة من الرئاسة اللبنانية لـ"العين الإخبارية"، إن الحريري هو من اختار القطيعة بتوجيه اتهامات للرئيس بتغيير النظام.
فيما يضعها النائب في تيار المستقبل محمد الحجار في خانة التوتّر الشديد في العلاقة التي وصلت إلى حد القطيعة، مؤكداً ضرورة أن يتصرف الرئيس وفق صلاحياته الدستورية لمنع تكرار ما يحصل.
وقال الحجار إن "العهد" منذ فترة طويلة لا يتوقف عند تحميل تيار المستقبل مسؤوليته عن الأزمة والسياسات الاقتصادية في السنوات الماضية، بل يرفعون نبرة الحديث عن تركة ثقيلة بينما هم موجودون في السلطة منذ 15 عاما وتولوا أكثر الوزارات التي فيها فساد وهدر الأموال.
وأشار إلى أن قرار الحريري بمقاطعة الاجتماع كان رفضا للممارسات الخاطئة والمخاوف من محاولات تحويل النظام البرلماني إلى رئاسي، وهي ليست المرة الأولى التي يسجل فيها سياسات كهذه من قبل رئاسة الجمهورية.
وتابع: "عندما دخلنا في التسوية الرئاسية عام 2016 لانتخاب عون رئيسا للجمهورية وخسرنا جزءا من جمهورنا الذي كان رافضا لها، دعمناه ليمارس دوره وليس أدوار الآخرين، للأسف المسار الذي يسلكونه فيه خروج على النصوص الدستورية وهو ما لم ولن نقبل به".
تجاوزات دستورية
النائبة في كتلة المستقبل، رلي الطبش اعتبرت بدورها أن شعرة معاوية انقطعت بين تيار المستقبل والعهد، قائلة في حديث تلفزيوني: "الأزمة ناتجة عن تراكمات لتجاوزات دستورية وقانونية قام بها العهد، بدأت منذ ما قبل استقالة الرئيس الحريري، مرورا بمشاورات التكليف، وصولا إلى لقاء بعبدا المرتقب".
وتساءلت "الطبش": "ما الغاية من هذا الاجتماع؟ إذا كان للتشاور مع الكتل النيابية فيما خص الخطة الإنقاذية، كما يسمونها، فالأجدى لو تمت هذه المشاورات قبل إقرارها".
وأضافت: "ما يجري هو مصادرة دور السلطة التشريعية، وهو شكل من أشكال تكريس الممارسة نحو النظام الرئاسي، ما يشكل انتهاكا للدستور، ومحاولة إرساء صيغة مشوهة لنظام ما قبل اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية".
وتعود علاقة عون – الحريري إلى ما تعرف في لبنان بـ"التسوية الرئاسية" بين الأطراف وبشكل أساسي التيار الوطني الحر الذي كان يرأسه عون ومن ثم صهره، النائب جبران باسيل، وتيار المستقبل الذي يرأسه الحريري.
وقادت التسوية السياسية إلى انتخاب ميشال عون رئيسا للبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بعد عامين ونصف العام من الفراغ في الرئاسة الأولى.
ومنذ ذلك الحين شهدت العلاقة السياسية خلافات متعددة نتيجة الاختلاف في مقاربات سياسية واقتصادية عدة، وصولا إلى استقالة الحريري من الحكومة على وقع التحركات الشعبية التي انطلقت في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وكانت لاستقالة الحريري وما تلاها انعكاسات سلبية متلاحقة على العلاقة بين الطرفين؛ بداية من كونها لم تكن برضى عون وحليفه حزب الله، وثانيا لرفض الأول العودة لترؤس حكومة من التكنوقراط واشتراطه أن تكون من غير السياسيين، وهو ما لم يقبل به "العهد"، فدعموا حسان دياب لرئاسة الحكومة، وبقي "المستقبل" في المعارضة.
وبين استقالة الحريري وتسمية دياب، شهدت أيضا العلاقة بين الطرفين توتّرا كبيرا، على خلفية اتهام رئيس تيار المستقبل مدعوما من رؤساء الحكومة السابقين، عون بتجاوز الدستور، وذلك نتيجة رفضه تحديد موعد للاستشارات النيابية لتسمية رئيس للحكومة، قبل الاتفاق على الاسم في وقت مسبق.
وظل الرئيس اللبناني أكثر من شهر إلى أن دعا للاستشارات، بعدما تم الاتفاق على دياب وتشكيل حكومة محسوبة على عون وباسيل وحزب الله.
واستمر التوتر بين الطرفين وصولا إلى ذكرى اغتيال والد الحريري، رئيس الحكومة الراحل، رفيق الحريري، في 14 فبراير/شباط الماضي، حيث تعمد تيار المستقبل استثناء رئيس الجمهورية وباسيل من الدعوات، في رسالة سياسية واضحة لهما، وشنّ في الوقت عينه هجوما على رئيس التيار الوطني الحر.
وقبل أيام أيضا، وبعد اجتماع لرؤساء الحكومة السابقين، بينهم الحريري، تم إصدار بيان مشترك حذروا فيه من ضرب صلاحيات رئاسة الحكومة، قبل أن يعود رئيس تيار المستقبل ويحمل باسيل المحمي من حزب الله مسؤولية الاستئثار بالقرار في لبنان.