المثال الصارخ يأتي من لبنان دائما؛ حيث تنتشر الشائعات وتتردد التصريحات ثم يكتشف الجميع أن النار ستشتعل حقا والدخان سيتصاعد منها
تعودنا كلما سمعنا خبرا أو شائعة ما، أن نردد عبارة: "لا دخان بلا نار"، وبعدها نتأكد أننا كنّا على حق، والأمثلة كثيرة ومنها مقولة "الفوضى الخلاقة" وهي ما نعيشها هذه الأيام وشعار: "الشرق الأوسط الجديد" وهو ما يجري حاليا رسم خطوطه وحدوده و"الإسلاموفوبيا" وهو ما نعاني منه منذ عقدين.
بعد مساومات وتسويف ومفاوضات من تحت الطاولة أو بعيدا عن الإجراءات الدستورية، تم وضع العراقيل والأفخاخ في طريق الرئيس الحريري، وتم طبخ عملية تكليف الدكتور حسان دياب بتشكيل الحكومة بتدبير من حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل (وهو حزب رئيس الجمهورية) ضاربين عرض الحائط ببنود اتفاق الطائف.
إلا أن المثال الصارخ يأتي من لبنان دائما حيث تنتشر الشائعات وتتردد التصريحات ثم يكتشف الجميع أن النار ستشتعل حقاً والدخان سيتصاعد منها. وآخر ما صدم اللبنانيين أمر جلل تردد منذ زمن وقارب الحقيقة في الأيام الأخيرة لتصدر التصريحات محذرة من المساس باتفاق الطائف أو العبث ببنوده التي أنقذت لبنان من حرب دامية وأنجته من الزوال التام.
فقبل أيام سقط القناع وتم فضح النوايا المبيتة التي تستهدف تجميد الاتفاق تمهيدا لنسفه واستبداله بنظام هجين يفرض الغلبة ويضرب التوازنات والهدف واحد وهو تهميش دور المسلمين السنة وسحب الميزات التي حصلوا عليها وبينها صلاحيات رئيس الوزراء في تأليف الحكومات بعد حصوله على الغالبية من أصوات النواب في استشارات ملزمة يجريها رئيس الجمهورية وبعد استشارة النواب تقدم الحكومة للرئيس ليصدر مراسيمها.
كل هذه الخطوات ضرب بها عرض الحائط أخيرا بعد الأزمة التي أصابت البلاد وأدت إلى ثورة شعبية عارمة دخلت شهرها الثالث واستقال الرئيس سعد الحريري تجاوبا معها.. فبعد مساومات وتسويف ومفاوضات من تحت الطاولة أو بعيدا عن الإجراءات الدستورية تم وضع العراقيل والأفخاخ في طريق الرئيس الحريري وتم طبخ عملية تكليف الدكتور حسان دياب بتشكيل الحكومة بتدبير من حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل (وهو حزب رئيس الجمهورية) ضاربين عرض الحائط ببنود اتفاق الطائف.
ولهذا تصاعدت الاحتجاجات لخرق مبادئ الميثاقية التي تحدد عمل مؤسس الدولة والسلطات والتوازن بين الطوائف (١٨ طائفة) مع الأفضلية للطوائف الكبرى وهي السنية والشيعية والمارونية.
كما تم ضرب ما تم الاتفاق عليه في مبدأ مبتكر وهو أن المرشح الأقوى في طائفته المسيحية المارونية يتولى رئاسة الجمهورية والأقوى شيعيا يتولى رئاسة مجلس النواب والأقوى سنيا يتولى رئاسة مجلس الوزراء وهذا ما لم يعمل به هذه المرة باختيار دياب وهوليس نائبا، بل إنه لا يملك حيثيات القوة في طائفته والبرلمان والشارع والمؤسسة الدينية على عكس الرئيس الحريري.
وكان اتفاق الطائف قد عقد بعد فترة من التقلبات والاضطرابات فقد كان رئيس الجمهورية يملك صلاحيات تامة في الدولة وأطلق على هذه المرحلة صفة "حكم المارونية السياسية" ووصلت الأزمة إلى مرحلة المواجهات والحرب الأهلية التي استمرت ١٥ عاماً بعد دخول العامل الفلسطيني ثم الاحتلال الإسرائيلي ما كاد يوصل لبنان إلى حافة الانهيار الكامل.
وهذا ما دعا المملكة العربية السعودية للدعوة إلى مؤتمر وطني عقد عام ١٩٨٩وأقر فيه المجتمعون وثيقة الوفاق الوطني التي تنص على إعادة تأكيد دور السلطة وانسحاب القوات السورية خلال عامين وحل الميلشيات ونقل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً وحصر صلاحياته بتكليف رئيس الوزراء بنتائج الاستشارات النيابية الملزمة وإنشاء مجلس شيوخ طائفي إلى جانب مجلس نيابي منتخب، حسب حجم القوى، وإلغاء الطائفية وتعديلات أخرى ما دعا البعض لتسمية المرحلة بأنها "حكم السنية السياسية".
وبقيت الأوضاع ممسوكة خلال تلك الفترة لأن الوجود السوري كان يشكل ضابط إيقاع أو شرطي سير يطوق الخلافات ويحل الخلافات إلى أن اغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
ولم تمض سنوات قليلة حتى اختلت الموازين وبدأت الضغوطات لتعديل المعادلة أو فرض تجميد اتفاق الطائف من قبل حزب الله الذي أصبح يملك اليد العليا متحالفاً مع حركة أمل الشيعية أيضاً ليبدأ ما سمي "حكم الشيعية السياسية". ووقعت مواجهات وسيطر حزب الله على بيروت فارضا احترام دوره في كل القرارات متماشياً مع مرحلة بروز دور إيران في المنطقة.
وبعد توتر دام أكثر من عام تمت الدعوة لمؤتمر وطني في الدوحة في أيار/مايو ٢٠٠٨ وجرى فيه ضرب المسمار الأخير في اتفاق الطائف وأقرت أمور تتناقض مع مبادئه بفرض التوافق في كل القرارات من انتخاب الرئيس إلى تشكيل الحكومة على أن تكون حكومة وحدة وطنية مع احترام سيادة الدولة وإزالة السلاح غير المشروع.
بعد هذا الاتفاق تكررت محاولات القضم والتجاوز والتجاذب والشد والجذب إلى أن بدأ عهد الرئيس عون الذي وصل على متن تسوية رئاسية على أن يضمن بقاء الرئيس الحريري رئيساً للوزراء طوال مدة رئاسته لكن المطالبة بإعادة حقوق المسيحيين واسترجاع صلاحيات رئيس الجمهورية وتّرت الأجواء بعد حملات شنها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
وأخيراً نشبت الأزمة الحالية لتبدأ خطوات متدرجة للتخلص من الميثاق الوطني تمهيدا لعقد مؤتمر الوطني جديد يكرس ما أشرت إليه حول "حكم الشيعية السياسية".
فقد كان اتفاق الطائف ينص على المناصفة في كل الأمور بين المسيحيين والمسلمين، بينما التغيير المرتقب ينص على المثالثة بينهم ويصبح انتخاب الرئيس أو رئيسي الوزراء والنواب والمناصب العليا غير ممكن إلا بموافقة حزب الله. وينتظر أن يتكرس الواقع الجديد مع تسارع الأحداث التي بدأت يوم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في فبراير ٢٠٠٥واكتملت أخيرا بتهميش السنة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة