خارطة طريق «الخماسية» لحل أزمة لبنان.. هل تتحرك المياه الراكدة؟
خارطة طريق رسمها سفراء دول «الخماسية» لتسهيل انتخاب رئيس للبنان، تظل رهينة أرضية سياسية يأمل أن تمهد لإعادة فتح أبواب البرلمان من جديد.
وشكل البيان الأخير لسفراء دول الخماسية في لبنان جرس إنذار دبلوماسي ونيابي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية.
وبعد جولات عدة واجتماعات مع الكتل السياسية اللبنانية، وبعد أكثر من 18 شهراً من الفراغ الرئاسي، أعاد سفراء مصر وفرنسا وقطر والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية التأكيد على الوضع الحرج الذي يواجه الشعب اللبناني والتداعيات، صعبة التدارك بسبب تأخير الإصلاحات الضرورية.
ولفتوا في بيان إلى أن بعض الكتل أعربت عن استعدادها للمشاركة في جهد متصل لملء الشغور في هذا الملف خلال الأسبوعين المقبلين، وتحديدا قبل انتهاء الشهر الجاري، وفقا لآلية مشاورات محدودة النطاق والمدة بين الكتل والمجموعات السياسية.
وبحسب البيان، فإن الغرض من المشاورات المقترحة يهدف فقط إلى تحديد مرشح متفق عليه على نطاق واسع أو قائمة قصيرة من المرشحين للرئاسة.
وفور اختتام هذه المشاورات يذهب النواب إلى جلسة انتخابية مفتوحة في البرلمان مع جولات متعددة حتى انتخاب رئيس جديد.
ودعا السفراء النواب إلى المضي قدما في المشاورات والوفاء بمسؤولياتهم الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية.
وشددوا على ضرورة انتخاب رئيس لضمان وجود لبنان بفاعلية في موقعه على طاولة المناقشات الإقليمية، وكذلك لإبرام اتفاق دبلوماسي مستقبلي بشأن حدود لبنان الجنوبية.
ردود فعل
بيان السفراء غرق في سجالات متناقضة بين الفرقاء السياسيين اللبنانيين، وسط تحذيرات من عدم تحمّل اللبنانيين شهرا إضافيا من الفراغ.
والثلاثاء، عقد سفراء اللجنة الخماسية اجتماعاً في السفارة المصرية ببيروت، بهدف البحث في ردود الفعل على البيان المشترك.
وحسب المعلومات، فإن الاجتماع يهدف إلى تقييم ردود الفعل اللبنانية، وعدم ترك المجال أمام تفسيرها من قبل كل طرف بشكل متناقض مع حسابات الطرف الآخر.
وفي السياق، تشير المعلومات إلى أن السفراء سيلتقون رئيس مجلس النواب نبيه برّي، لوضعه في صورة اجتماعاتهم، وللبحث معه في كيفية إجراء التشاور لفتح المجلس النيابي وعقد جلسات انتخابية.
في السياق أيضاً، تتحدث بعض المعلومات عن احتمال إجراء المبعوث الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، زيارة إلى بيروت، للبحث مع المسؤولين اللبنانيين في تجديد المساعي للوصول إلى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية.
وتعليقاً على تلك التحركات، اعتبر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أنّها "ليست المحاولة الأخيرة للجنة، لكن لا يعني ذلك أنّنا سننتخب رئيساً بعد أسبوعين".
واعتبر جعجع، في حديث تلفزيوني، أن ما يجري خطوة إضافيّة على طريق الخماسيّة التي "تعمل على ملف الشغور الرئاسي أكثر من بعض الفرقاء اللبنانيّين، خصوصاً من يقومون بتعطيلها، بينما تسعى للبحث عن مخارج".
وأضاف أن "رئاسة الجمهوريّة مسألة لبنانيّة بامتياز، وعلى النوّاب تحمّل مسؤوليّاتهم، وخصوصاً رئيس المجلس النيابي"، متابعا: "ننتظر زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان، لأنّه يتابع الملف من مختلف جوانبه، وهم ملمّ بالخطوات وخصوصاً المتعلقة بتحديد المواصفات التي وُضعت لانتخاب رئيس".
وتابع: "لست متفائلاً كثيراً، لكن على اللجنة الخماسيّة أن تتابع عملها عبر الضغط على محور الممانعة لكي يكفّ عن دوره التعطيلي"، في إشارة لحزب الله وحركة أمل.
ورأى جعجع أن "محور الممانعة فاشل بكلّ شيء إلا بالكذب وتحوير الوقائع"، موضحا: "الأكثر وضوحاً في بيان الخماسيّة كان الدعوة إلى التشاور. إذ ليس صحيحاً أنّ اللجنة دعت إلى حوار على طريقة بري، بل إلى تشاور بين الكتل وهذا التشاور قائم أصلاً منذ بدء الفراغ الرئاسي، لكنّه يواجه تعطيلاً من محور الممانعة بسبب عجز الأخير عن إيصال مرشّحه سليمان فرنجيّة".
علامة فارقة
في تعقيبه على الموضوع، قال النائب المستقل غسان سكاف إن هذا البيان "شكّل علامة فارقة قياسا مع كل الحراك السابق للخماسية، سواء في ما يتعلق بتوقيت الإصدار أو ظروف صياغة البيان".
وأضاف سكاف، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أنه "في التجارب السابقة كانت حدود الأمور عند الخماسية عبارة عن عموميات وتمنيات ونصائح، لكننا نجد أن البيان الأخير ينطوي على عناصر جديدة ومهمة وعملية، أبرزها أنه يتضمن مهلة لانتخاب الرئيس محددة بنهاية مايو/أيار الجاري أو أوائل (يونيو) حزيران المقبل".
وموضحا عوامل تفاؤله، أشار إلى أنها تنبع بالأساس من "معلومات استقيتها مؤخرا وفحواها أن الحراك الداخلي والخارجي على حد سواء بقصد تأمين انتخاب رئيس جديد ستزداد وتيرته في الأيام المقبلة، وهذا يعكس حزماً وعزيمة عند المعنيين".
وبالنسبة للنائب اللبناني، فإن "بيان سفراء الخماسية الأخير صيغ بطريقة دبلوماسية ذكية جدا من شأنها أن ترضي الأطراف كافة".
ولفت إلى أن "البيان دعا إلى مشاورات تسبق الانتخاب كبديل لطاولة التفاوض التي يرفضها البعض، وتحدث في الوقت نفسه عن جلسات انتخاب بدورات متتالية. والواضح أن الهدف الأعمق هو لمّ الشمل اللبناني على هدف واحد".
وشدد على أن "انتخاب رئيس جديد بات ملحّاً ليس فقط لإخراج البلاد من أزمتها المالية والاقتصادية الخانقة، بل أيضا ليكون لها مكان على طاولة المفاوضات الإقليمية المقبلة، خصوصا أن مسألة الترتيبات الحدودية ستكون مطروحة بإلحاح بناء على القرار 1701".
إعادة اعتبار
أما الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم بيرم فيعتقد أن "موقف الخماسية أعاد الاعتبار لدور اللجنة التي انطلقت بعد وقت قصير من حدوث الشغور، لأن حراكها السابق بقي عديم الفائدة".
ويقول بيرم، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "البيان صيغ هذه المرة بلهجة ومضامين مختلفة بدت أكثر حزماً وتحديداً للأمور، وهو ما ترك تداعيات على المشهد السياسي اللبناني من جهة، ووضع اللاعبين الأساسيين في حلبة هذا المشهد أمام تحديات جديدة من جهة أخرى".
وبرأيه، فإنه في كل الأحوال، فإن "البيان بمثابة حجر أُلقي في بحيرة سياسية كان المقيمون على ضفافها يتصرفون باطمئنان باعتبارها راكدة، وهذا المستجد أثار موجات ردود فعل ستأخذ وقتها وهو ليس بقليل".