في حوار مع "العين الإخبارية ".. السنيورة يفتح النار على حزب الله ويرسم طريق نجاة لبنان
معركة شرسة يخوضها رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة لمواجهة حزب الله محذرا من مقاطعة انتخابات مفصلية لإنقاذ لبنان "المخطوف".
وفي مقابلة مع "العين الإخبارية" جرت بالعاصمة اللبنانية بيروت، يطرح السنيورة رؤيته لتداعيات مقاطعة الاقتراع الذي انطلق الجمعة الماضية بالنسبة للبنانيي الخارج، وينتهي منتصف الشهر الجاري في الداخل، مؤكدا أنها تصب في مصلحة حزب الله.
ويرى أن مواجهة المليشيات التي "تخطف" الدولة اللبنانية قد تتطلب مسارا طويلا، لكن محطتها الأولى تكمن في هذه الانتخابات التي تشكّل الأساس لإعادة تكوين السلطة وإخراج لبنان من الأزمات التي تعصف به.
ويشدد السنيورة على أنه لا يطمح إلى موقع أو منصب سياسي معيّن، لكن قراره بالمواجهة في الانتخابات النيابية عبر لوائح يدعمها، خاصة بعد اتخاذ رئيس "تيار المستقبل" قرار الاعتكاف، هو "واجب أخلاقي".
وفيما يثني رئيس حكومة لبنان السابق على قرار دول عربية بعودة السفراء إلى بيروت، يؤكد على أن هذه الخطوة يجب أن تتعزز بممارسات لبنانية تحترم العلاقة اللبنانية العربية، ولا يجوز أن يكون لبنان في وضع يصبح فيه منصة للتهجم على أشقائه العرب.
وفي ما يلي نص المقابلة:
*تخوضون هذه الانتخابات بشعار واضح برفع سيطرة حزب الله عن لبنان. هل من الممكن تجسيد رؤية مماثلة؟
هذا ممكن ولكنه غير قابل للتحقق في لحظة واحدة، لأن الأمور كما تجري لا يمكن أن تستمر في سيطرة دويلة حزب الله على الدولة اللبنانية.
نحن الآن أمام محطة أساسية في الوصول إلى أن تصبح الدولة هي صاحبة القرار الحر الوحيد وصاحبة السيطرة الوحيدة في لبنان. هذا مسار طويل لكنه يتطلب جهدا مثابرا وواعيا وواضحا. هذه البداية والانتخابات النيابية هي الطريقة الوحيدة والصحيحة من أجل إحداث التغيير في لبنان أي عبر الوسائل والأساليب الديمقراطية.
الانتخابات التي هي الأساس في إعادة تكوين السلطات في لبنان، بداية من المجلس النيابي ومن ثم نحن على موعد آخر بعد أشهر لانتخاب رئيس جديد للبنان، والتوصل إلى الخطوات اللازمة الواجب اتخاذها من أجل إخراج لبنان من هذه الأزمة التي تعصف به والتي أدت إلى هذه الانهيارات على أكثر من صعيد، انهيارات وطنية وسياسية واقتصادية ومالية ومعيشية وإدارية ونقدية، كلها ينبغي أن تؤدي إلى تكوين القدرات وتعزيزها من أجل التقدم نحو استعادة الدولة.
ونحن نعتبر اليوم أن الدولة مخطوفة من قبل حزب الله ومن قبل الأحزاب الطائفية والمذهبية، وجرى تخريب النظام الديمقراطي عبر اعتماد ما يسمى بدعة الديمقراطية التوافقية والتي كانت وسيلة من أجل إطباق حزب الله على الدولة اللبنانية، وبالتالي منعها من اتخاذ اي قرار إلا بموافقة حزب الله وهذه كانت الوسيلة من أجل ان تتحكم الأقلية بالأكثرية في مجلس النواب.
*تراهنون على هذه الانتخابات، لكن تبين من خلال اقتراع المغتربين نوع من الاعتكاف أو التراجع السني. ما تعليقكم؟
هناك وضع عام نتيجة الانهيارات، وبالتالي ما جرى خلال هذه السنوات، ولاسيما بعد الانقلاب الذي جرى على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عام 2011 وأدى إلى إحداث اختلال كبير في التوازنات الداخلية داخل لبنان واختلالات كبرى على صعيد علاقة لبنان مع أشقائه العرب وأصدقائه في العالم.
هذه الأمور انعكست في تدهور سريع على صعيد جميع المؤشرات الاقتصادية والنقدية بدءا من عام ٢٠١١ وأيضا حدوث اختلال في التوازن. وأدت كذلك تحركات ما سمي بـ"الربيع العربي" إلى إحداث ارتباك ضاعف من الارتباكات داخل لبنان والارتباكات في علاقات لبنان مع العالم العربي.
كل ذلك انعكس عل صعيد المؤشرات الاقتصادية والمالية والتي فاقمتها بعد ذلك التسوية التي أتت أدت إلى انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية، والاجتهادات التي أدت إلى إقرار هذا القانون الأعرج للانتخابات والذي أدى بدوره إلى مزيد من التشنجات والاحتقانات الداخلية في لبنان ما بين الأطراف التي يتكون منها المجتمع اللبناني بدلا من أن تساهم في تهدئة الخواطر وتعزيز اللحمة الداخلية، كل هذه الأمور أدت إلى هذه الانهيارات.
وأمام هذا الواقع، نؤكد أن هذه الخطوة التي نخطوها في الانتخابات هي من أجل تعزيز وضع الفئات السيادية في لبنان والتي تؤمن باستعادة الدولة وضرورة أن يعود الجميع إلى الدولة بشروط الدولة.
ما جرى خلال السنوات الماضية، هو تخريب النظام الديمقراطي البرلماني بما يتألف من أربع قوائم أساسية أكثرية تحكم، ولكنها تكون مسؤولة وتخضع للمساءلة ويمكن أن يصار إلى إسقاطها، وأقلية غير مهمشة تعارض وتحاول إسقاط الحكومة وبالتالي يستقيم العمل الديمقراطي البرلماني بهذا الشكل، وأن تكون هناك مسألتان أساسيتان وهما: سلطة قضائية مستقلة لا أن تصبح السلطة القضائية مخلبا في يد أصحاب النفوذ في لبنان من أجل الانتقام من الخصوم السياسيين، وأيضا إدارة حكومية غير تابعة.
المشكلة التي وقعنا فيها وتتناقض مع الدستور تكمن في أنه أصبح هناك خلاف على جميع المواقع الإدارية في لبنان، من صغيرها إلى كبيرها أصبحت موزعة بحسب ولاءات الأحزاب الطائفية، هذا كله أدى هذا التخريب والانهيارات.
من هنا، نقرّ أن الأمر ليس سهلا، وهذه الانتخابات خطوة على مسار طويل، هي بداية للنضال، وعلى الفئات السيادية أن تتحد فيما بينها وتؤلف مجموعة صلبة تستطيع أن تقف في وجه الإطباق الكبير الذي يمارسه حزب الله ومعه القوى الحزبية والطائفية.
*هل هناك عمل على هذا الموضوع أي تشكيل جبهة معارضة بما يشبه ما كان يعرف بفريق 14 آذار؟
الآن يجب أن يكون الهاجس الأساسي لهذه المجموعة هو الإيمان بالدولة اللبنانية ذات الهوية العربية والانتماء العربي، وعليها أن تؤمن باستعادة الدولة وسيطرتها الكاملة على البلاد، ونؤمن بالإصلاح نهجا وممارسة، وأن نستعيد الحوكمة الصحيحة داخل النظام اللبناني، وأن نعمل من أجل أن يصار أن يتم تطبيق اتفاق الطائف بحذافيره. لا أن يتم العمل بعملية انتقائية وخاطئة واحترام الدستور والشرعيتين العربية والدولية واستقلالية القضاء ومبادئ الحوكمة الصحيحة والقيام بالإصلاحات اللازمة من أجل استعادة الاقتصاد اللبناني عافيته.
*بعد عودة السفراء العرب، ما المطلوب برأيكم من لبنان لإعادة علاقاته لمسارها الصحيح؟ وهل ستستقيم هذه العلاقات بوجود حزب الله وسلاحه؟
عودة السفراء العرب خطوة يجب أن تتعزز بالممارسات اللبنانية الصحيحة، يعني الإخوة العرب قاموا بهذا الدور، وهذه من الدروس المستفادة التي يجب علينا أن نستوعبها في لبنان وهي أنه لا يمكن أن يغرد لبنان وحيدا بعيدا عن أشقائه العرب ولا يمكن أن يعمل خلافا لما تمليه عليه مصلحته ومصلحة أبنائه المنتشرين في العالم ولاسيما العالم العربي، وأن يصار إلى استعادة هذا الوئام وهذا العمل الذي يخدم لبنان بشكل كبير، لأن استمرار لبنان في حالة ما يسمى عدم وجود علاقات سوية بينه وبين الدول العربية يعود بالوبال عليه وعلى أبنائه.
لذلك هذا الأمر جيد جدا يجب أن يتعزز بممارسات لبنانية تحترم العلاقات اللبنانية العربية، ولا يجوز أن يكون لبنان في وضع يصبح فيه منصة للتهجم على أشقائه العرب، لبنان دائما كان حريصا على هذه العلاقة وعلى الإجماع العربي. ونؤكد أن مصلحة لبنان أن يكون مع أشقائه العرب، فلبنان منذ تأسيسه حريص على علاقاته العربية وعلى الدول العربية، ومصلحته أن يكون على علاقة مع الأشقاء العرب، لا أن يصبح منصة للتهجم عليهم، أو منصة للتهريب أو تهريب المخدرات من أجل تخريب الأجيال الجديدة والمجتمعات في الدول العربية فهذا عمل مضر يجب المسارعة في مواجهته من قبل الحكومة الجديدة ورئيس الجمهورية الجديد الذي يجب أن يكون فعليا رئيسا لكل اللبنانيين وليس رئيسا لفريق منهم.
*هل أنتم متفائلون بانتخاب رئيس يمثل جميع اللبنانيين؟
علينا أن ننهي المسألة الأولى وهي الانتخابات النيابية التي هي القاعدة التي يُبنى عليها من أجل التوصل لانتخاب رئيس جمهورية، لأنه يجب أن نستخلص العبر من انتخاب ميشال عون. كان هناك من ينادي بأننا نريد رئيسا قويا في لبنان، نعم نحن فعليا نريد رئيسا قويا في لبنان، ولكن الرئيس ليس قويا فقط ضمن طائفته بل يجب أن يكون رئيسا قويا ضمن مجموعة المكونات التي يتألف منها المجتمع اللبناني والجامع للبنانيين والحامي للدستور، وهو الذي يجب أن يكون قادراً على أن يأتي باللبنانيين جميعاً إليه، وأن يعمل على كل ما يؤدي إلى تعزيز اللحمة الداخلية، وأيضاً التوصل إلى قرارات تخدم اللبنانيين وكل لبنان، وعلينا أن نستخلص كل العبر والعظات مما حصل، ولا نرمي بهذه التجارب جانباً.
*هل السنيورة مرشح لترؤس الحكومة الجديدة؟
البحث الآن هو بالانتخابات النيابية، وأمر الحكومة يجب أن نعود إليه لنرى من يستطيع أن يتحمل هذه العملية، الأشخاص غير مهمين إنما من يستطيع أن يقوم بهذا الدور الوطني الكبير الذي نحن بحاجة اليه، ومن يستطيع أن يستعيد للدولة احترامها ودورها وسلطتها، لأنه في حال واصلنا على هذا المنوال وعدم التنبه إلى المخاطر فإن ذلك سيقود لمزيد من الانهيارات وبالتالي لم يعد اللبنانيون قادرين على تحمل استمرار هذه الانهيارات.
*ما المطلوب لإعادة لبنان إلى مساره الصحيح اقتصاديا وسياسيا؟
سياسيا أن يعود لبنان إلى حضنه العربي، واحترام الدستور واحترام سلطة النظام والقانون واستقلالية القضاء والشرعيتين العربية والدولية، والعمل من أجل أن يكون لدينا حكومة تنتهج الحوكمة الصحيحة والنظام الاقتصادي الحر، والمحافظة على وجه لبنان المنفتح للتعاون مع أشقائه في العالم وأن نعتمد الإصلاح الحقيقي وليس بالكلام فقط، ولم يعد أمام لبنان سوى أن يعتمد الإصلاح نهجاً وأسلوباً ومتابعة.
كذلك علينا أن نستعيد ثقة اللبناني بالغد وهذا لا يكون إلا من خلال جملة من السياسات والممارسات السياسية والإصلاحات على أكثر من صعيد مالي واقتصادي وأن نحل الانهيارات التي حصلت والتي لها علاقة بودائع الناس، ونأخذ اللبنانيين نحو المستقبل، ليس بإمكان حلّ المشكلات التي تعصف بنا الآن إلا باستعادة الدولة إلى سيطرتها الواحدة على الاراضي اللبنانية، ونستعيد إيمان اللبنانيين بغد أفضل وتكون الممارسات منسجمة مع هذا الأمر، لا أن نضع أهدافاً ونقوم بممارسات مخالفة.
واليوم نحتاج إلى أمور مهمة هي: حكم لديه رؤية وقرار وقيادة حقيقية وشجاعة وصدق، وهذه شروط أساسية يجب أن تتوفر في أي حكومة و أي عهد بالفترة القادمة حتى يستطيع اللبنانيون أن يثقوا بالغد، وأن نعود وننطلق من جديد حتى يستطيع العالم أن يقف إلى جانبنا، لا نستطيع أن نتوقع أن يساعد العالم لبنان إذا لم يساعد اللبنانيون أنفسهم.
*تحت "شعار بيروت تواجه" تخوضون حملتكم الانتخابية. من يدعم السنيورة في مواجهته؟
أواجه كل شيء ضد صيغة لبنان المنفتح الديمقراطي البرلماني المؤمن بدولته، قمت بهذه المبادرة، ويعلم الجميع أني حققت في حياتي السياسية كل ما يتمناه أي ناشط سياسي، عملت لمدة عشرة سنوات كوزير للمالية، وكرئيس للحكومة في حكومتين ألفتهما واستمرتا لأربع سنوات ونصف وأيضاً نائباً ورئيسا للكتلة البرلمانية الكبرى في لبنان لمدة ثمانية سنوات، وما كان بإمكاني أن أحقق كل ذلك لو لم يدعمني اللبنانيون والمسلمون في لبنان، وبالتالي لا أستطيع في هذه المرحلة التي يعاني منها لبنان من أزمات كبرى أن أغادر أو أبقى متفرجا، هناك واجب أخلاقي أقوم به مع كل مخاطره، لكن هذه المخاطر هي أقل من المخاطر التي تقع على بلدي.
لذا أعتبر أن لبنان بحاجة لي ولأمثالي وهم كثيرون، وأعتقد أن هناك واجبا علي أن أقوم به، ولا أطالب بموقع أو منصب معين، وأتمنى على اللبنانيين أن يلبوا هذه الدعوة، وهي عدم الاستماع للذين يقولون لهم إنه يجب عليهم مقاطعة الانتخابات، فمقاطعة الانتخابات تصب في مصلحة من لا يريدون الدولة، لا سيما أن هذا النظام الانتخابي الذي نعمل به هو نظام شيطاني، فالمشاركة الضئيلة في الانتخابات تعطي للأحزاب المنضوية تحت عباءة حزب الله قدرة على تحقيق مواقع كثيرة، ومقاعد في مجلس النواب.
من هنا أشدد على أن الهم الأساسي هو أن يصار إلى المشاركة في الانتخابات وبشكل كثيف، وهذه هي الرسالة الحقيقية التي يمكن أن يوجهها اللبنانيون إلى بعضهم البعض وللعالم، وهي أن لبنان ليس أرضاً شائعة وسائبة يستطيع الطارئون أن يضعوا يدهم عليها ويزوّروا إرادة اللبنانيين. فنحن نريد أن تعود الدولة اللبنانية قادرة على أن تبسط سلطتها على جميع الأراضي اللبنانية، ويكون قرارها ساريا على الجميع، ولكن بشروط الدولة، وهذا هو الأساس الذي يجب ان يكون واضحاً لدى الجميع.
واليوم نحن أمام فرصة يمكن ألا تكرر للبنان، وأمام قضية لا تخص طائفة بعينها في لبنان إنما تخص اللبنانيين جميعا والعرب أيضاً وبالتالي هذه العودة العربية ينبغي أن نقابلها بمواقف حاسمة وصارمة من أجل أن يكون لبنان فعليا قادرا على تحقيق طموحات أبنائه.
aXA6IDMuMTcuMTc5LjEzMiA= جزيرة ام اند امز