يصبح من السهل، في ظل التوترات الحاصلة بين المكونات العراقية، استخدام هذا السلاح المنفلت في مناطق الوسط والجنوب
هل تريد أن تحصل على سلاح في العراق؟ أصبح هذا الأمر أسهل من شراء البضائع والخضراوات لأن الأسلحة معروضة في بسطيات في أسواق مكشوفة لا تختلف عن بسطيات بيع الملابس القديمة والأدوات المنزلية في سوق مريدي الشعبي الشهير في مدينة الصدر شرق بغداد.
والأسهل من ذلك يمكنك حيازة الأسلحة عن طريق صفحات الفيسبوك، حالها حال أي صفحة أخرى معنية ببيع السيارات أو العقارات أو الأراضي.
يصبح من السهل، في ظل التوترات الحاصلة بين المكونات العراقية، استخدام هذا السلاح المنفلت في مناطق الوسط والجنوب، كون العشائر أصبحت تمتلك الأسلحة الثقيلة. ولا توجد للحكومة العراقية أية خطط لحصر السلاح بيد الدولة، بل أصبح العراق في ظل الحكومات المتعاقبة بوابة سهلة لتهريب السلاح من منافذ متعددة
ليس هذا فحسب بل يمكنك إذا توفر لديك المال أن تشتري الأسلحة الأوتوماتيكية والقذائف الصاروخية والمسدسات الكاتمة للصوت، وأنواع المدافع وقذائف الهاون، فضلاً عن الطائرات المسيّرة، مروراً بأنواع الكلاشنكوف. ومن أي منشأ تريد، الألماني أو البرازيلي أو الأمريكي أو الإيراني أو اليوغوسلافي أو الروسي، وحتى الإسرائيلي! بات السلاح غير المجاز مرتبطاً بأسواق في كل محافظة بل بمصانع أسلحة، فضلاً عن انتشار السوق السوداء. لذلك أصبح العراق من أكثر الدول العربية التي تنتشر فيها الأسلحة المنفلتة حسب دراسة أعدتها الأمم المتحدة.
بعض أصوات السياسيين تنبهت إلى ذلك لكنها لم تكن سوى صرخة في الوادي. من أين يتدفق هذا الكم الهائل من السلاح على العراق؟ حتى بات العراق مخزنًا للأسلحة بكل أنواعه. والسؤال المطروح هو: كيف يتم استخدام هذا السلاح؟ ومن هو الذي يستخدمه؟ وضد من؟ ووفق أي أجندات؟
لم يعد الموضوع سراً إذ يعود هذا السلاح إلى جهتين أساسيتين: النظام الإيراني والمليشيات المسلحة التابعة لها، والهدف منه هو استخدام الأراضي العراقية لأية مواجهة عسكرية في المنطقة.
مما لا شك فيه أن الدولة العراقية هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن فوضى السلاح، خاصة بعد حصول شيوخ قبائل وأبنائهم على رخص حمل سلاح، ومنح عشرات الآلاف من رخص حيازته للمواطنين.
يشكل انفلات السلاح وعدم تنظيمه بقوانين محكمة من أكبر المخاطر التي انعكست على أمن المواطنين، وأدت لوقوع الكثير من جرائم القتل على الرغم من إقرار البرلمان العراقي السابق لقانون تنظيم عملية حيازة الأسلحة. لكن منح الرخص تتم من خلال العلاقات والوساطات. وتقوم الجهات الخاصة بإنجاز نحو 500 رخصة جديدة كل يوم حسب الإحصائيات الأخيرة.
إن انفلات الأسلحة بهذه الطريقة وشرعنة قوانينها أحدث بلبلة في الشارع العراقي وخاصة أن بعض المدن مثل البصرة تشهد معارك عشائرية، وغالبية الشيوخ وأبنائهم حصلوا، عن طريق علاقاتهم أو عبر المال، على رخص حمل سلاح حيث تنفّذ معظم الجرائم عبر هذه التراخيص. وأصبحت النتيجة أن قانون حمل الأسلحة أدى إلى عسكرة المجتمع وتهديد السلم فيه بعد تسربه إلى العصابات المنظمة، والجهات الإرهابية التي أصبحت تتنقل بسلاح مرخص، ولا أحد يستطيع اعتراض طريقها.
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل تعدت الأسلحة الخفيفة إلى الأسلحة المتوسطة مثل المدافع وقذائف هاون ودرون التي أصبح استخدامها أمراً مألوفاً في النزاعات العشائرية المتكررة بحيث إن عشائر البصرة وحدها تمتلك سلاحًا وذخيرة يمكنها تجهيز فرقتي مشاة عسكريتين بمعدل 5 آلاف جندي لكل فرقة.
تنتشر الآن ملايين قطع السلاح المجازة وغير المجازة من مخازن ومشاجب أسلحة في كل مكان في العاصمة والمحافظات، الأمر الذي يُعقد عملية حصرها رغم إجراءات الحكومة الشكلية بين آونة وأخرى. ولعل تشريع قانون الحشد الشعبي كان أحد الأسباب التي جعلت السلاح شائعاً ومتسيباً في ظل عدم تفاهم الأحزاب الدينية ومليشياتها.
إن عمليات بيع السلاح وتهريبه تتم من خلال مجموعات وفصائل مسلحة محسوبة على الأحزاب الدينية، تتحرك بكتب رسمية صادرة عن الحشد الشعبي.
أما تدفق هذا السلاح على العراق فيتم من خلال المنافذ الحدودية مع إيران، وكذلك من تركيا عبر إقليم كردستان، وعن طريق الموانئ في البصرة وخاصة ميناء أم قصر، والحدود الإيرانية العراقية المطلة على البصرة مع البضائع المستوردة العادية. يصبح من السهل، في ظل التوترات الحاصلة بين المكونات العراقية، استخدام هذا السلاح المنفلت في مناطق الوسط والجنوب، كون العشائر أصبحت تمتلك الأسلحة الثقيلة.
ولا توجد للحكومة العراقية أية خطط لحصر السلاح بيد الدولة، بل أصبح العراق في ظل الحكومات المتعاقبة بوابة سهلة لتهريب السلاح من منافذ متعددة، أمام عجز القرارات الرسمية بحصر السلاح بيد الدولة منذ الغزو الأمريكي عام 2003 وحتى الوقت الحاضر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة