أقدِّر العقود والبنود والأموال والاحتراف والفرص والطموح، لكن مجرد إعلان إنريكي عودته كان من المفترض أن يلغي تماماً أي نقاش
تابعت على مدار الأيام الماضية أزمة الصديقين -أو اللذين كانا صديقين- لويس إنريكي مدرب المنتخب الإسباني حالياً وسابقه في المنصب ذاته روبرت مورينو، والتي نشبت بسبب التنافس على منصب الرجل الأول لـ"الماتادور".
أقدِّر العقود والبنود والأموال والاحتراف والفرص والطموح.. لكن مجرد إعلان إنريكي رغبته في العودة لتدريب إسبانيا بعد وفاة طفلته كان من المفترض أن يلغي تماما أي نقاش ويكمم فاه أي معارض فما بالك وأنت تتحدث عن صديقه وتلميذه!
في البداية أريد أن أذكِّر بأن إنريكي كان السبب في الأساس بدخول مورينو عالم التدريب، حينما اصطحبه معه في جهازه التدريبي برحلته إلى روما الإيطالي في موسم 2011-2012، وهي كانت التجربة التدريبية الأولى لروبرت، ومن بعدها اصطحبه لويس مجدداً في رحلتيه مع ناديي سيلتا فيجو وبرشلونة الإسبانيين في الفترة بين عامي 2013 و2017.
وبعد قيادته لمنتخب إسبانيا في يوليو/تموز من عام 2018، لم ينس إنريكي صديقه القديم الذي فضّل العمل كمساعد لمدرب آخر (كارلوس أونزوي) بنادي سيلتا فيجو في الموسم التالي مباشرة بعد رحيلهما عن برشلونة، ليقرر إنريكي الاستعانة به مرة أخرى في منصب الرجل الثاني لمنتخب إسبانيا.
ولا يخفى على أحد ما حدث بعد ذلك من ابتعاد إنريكي عن تدريب إسبانيا في بداية عام 2019 بسبب مرض نجلته بسرطان العظام قبل وفاتها في وقت لاحق، وفي هذه الأثناء كان قد تم تصعيد مورينو لمنصب الرجل الأول ثم رفض بعد ذلك العودة كمساعد لإنريكي صاحب الفضل الأول عليه.
أقدِّر العقود والبنود والأموال والاحتراف والفرص والطموح، لكن بالنسبة لي فإن مجرد إعلان إنريكي رغبته في العودة لمنصب المدير الفني لمنتخب إسبانيا بعد وفاة طفلته والظروف التي مرّ بها كان من المفترض أن يلغي تماماً أي نقاش ويكمم فاه أي معارض فما بالك وأنت تتحدث عن صديقه وتلميذه!
الحقيقة هي أن الموضوع ليس فرصة أو طموحا يا مورينو، وإنما هو أمر إنساني بحت، هو موضوع قِيمي يتعلق بأخلاق المهنة وواجب الصداقة ومقابلة المعروف بالمعروف، الموضوع يتعلق بالوفاء والاحترام والأخلاق.
لا أتصور ما رواه إنريكي عن اللقاء الذي دار بينه وبين مورينو في منزل الأول، كيف وقف أمام إنريكي ونظر في عينيه وقال إنه يريد أن يستمر مدرباً لإسبانيا حتى نهاية يورو 2020 قبل أن يعود مساعداً له! أراد أن يلمع نفسه خلال البطولة ومن ثم لن يكون في حاجة إلى مساعدة إنريكي أو غيره في ظل العروض المتوقع أن تنهال عليه بعدها في حالة النجاح! تفكير ذاتي بحت.
أتفهم تماماً قرار إنريكي وقتها بعدم الاستعانة بمورينو كمساعد له مجدداً إذ إن شخصا مثله بات لا يؤتمن، وأثمن في الوقت ذاته الخطوة التي أقدم عليها الاتحاد الإسباني لكرة القدم لاحقاً بإعلان عودة إنريكي، إذ تمثل بالنسبة لي انتصاراً للمبادئ والقيم.
المناصب تأتي وتزول فالمدرب البرتغالي كارلوس كيروش ترك منصب مساعد السير أليكس فيرجسون وما أدراك ما فيرجسون في مانشستر يونايتد من أجل الحصول على فرصة الرجل الأول في ريال مدريد، وبعد عدم توفيقه مع الفريق الملكي أراده فيرجسون مرة أخرى مساعدا له فعاد، لكن في جو يسوده الاحترام المتبادل والاتفاق.
لكل مهنة أخلاقها، والتدريب بالأساس أخلاق، شخصياً أنظر إلى المدرب كالمعلم في المدرسة فكلاهما يتعامل مع أجيال يؤثر فيها ويخرجها للمجتمعات، وكم رأينا من نجوم عالميين يتحدثون عن التأثير الإيجابي لمدربيهم في تكوين شخصياتهم.
إذا لم تُكنّ لصديقك الاحترام، كيف ستغرس هذه القيمة في لاعبيك في مهمتك القادمة يا مورينو؟! كيف ستطلب منهم ألا يكونوا أنانيين سواء داخل الملعب أو خارجه وأن يعلوا مصلحة الفريق؟! ففاقد الشيء لا يعطيه!
المواقف هي الباقية يا مورينو، موقف إنريكي الإنساني تجاه نجلته سيظل باقياً وسنظل نتحاكى عنه، وموقفك تجاه صديقك وصاحب الفضل عليك سيظل باقياً، فالصديق وقت الضيق ليس مجرد مثل شعبي وإنما قيمة إنسانية تعلّمها الجميع من الصغر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة