مالي في قلب العاصفة السياسية.. هل تستطيع الأحزاب إنقاذ وجودها؟

في قلب باماكو، حيث تعلو الأصوات بين هتافات التأييد وصرخات الاعتراض، تكتب مالي فصلاً جديداً في صراعها بين الحكم العسكري والتعددية.
فلم تعد الأحزاب السياسية لاعباً رئيسياً على رقعة المشهد العام، بل أصبحت متهمة بالخذلان والتواطؤ مع الفشل، وفي المقابل، يبرز المجلس العسكري كلاعب أوحد يعيد رسم حدود اللعبة بلا منافسين.
- توصيات مؤتمر الحوار الوطني.. مالي تختار طريق الاستقرار
- «القاعدة» يوسّع نفوذه غرب أفريقيا.. خطر الإرهاب يهدد «جيران مالي»
فهل يشهد البلد ولادة نظام جديد يقوده الجيش باسم «الإصلاح»، أم هي مجرد مرحلة انتقالية تنذر بإقصاء طويل المدى للطبقة السياسية؟
استعراض قوة من أنصار الجيش
وفي مشهد لافت، احتشد المئات من أنصار المجلس العسكري أمام قصر الثقافة يومي 3 و4 مايو/أيار في العاصمة باماكو، رافعين شعارات مؤيدة للجنرال أسيمي غويتا رئيس المجلس العسكري الانتقالي، ومطالبين بـ«تحرير البلاد من الأحزاب الفاسدة».
وكشفت الاحتجاجات غير المسبوقة عن عمق التصدعات داخل المجتمع المالي، والأحزاب السياسية.
وقال الدكتور سليمان تراوري، الباحث في العلوم السياسية بجامعة سيغو، لـ«العين الإخبارية» إن ما يجري ليس «قمعاً» بقدر ما هو «إعادة هيكلة ضرورية لمشهد سياسي فاسد».
وأضاف أنه: «منذ 1992، لم تنتج الأحزاب سوى تحالفات انتخابية مصلحية. لقد فقدت شرعيتها لدى الشارع، وأصبحت عبئاً على الدولة وعلى الشعب».
ولفت تراوري إلى أن «المرحلة الانتقالية جاءت لتكسر هذا الجمود وتفتح الطريق لإصلاح سياسي حقيقي».
وتابع: «يجب ألا نخاف من تغيير جذري.. الحل ليس في استنساخ النمط الحزبي القديم، بل في إشراك الشباب، والمجتمع المدني، والشرائح المهمّشة في صياغة ميثاق سياسي جديد».
الأحزاب «لا تمثل تطلعات الشارع»
من جهته، قال الباحث المالي في شؤون الحكم الانتقالي، موسى كوليبالي، لـ«العين الإخبارية» إن مقترح تمديد ولاية الرئيس غويتا لخمس سنوات وتجميد الأحزاب ينسجم مع ما سماه «الضرورات السيادية».
وأضاف كوليبالي أن «مالي تخوض حرباً متعددة الأوجه: ضد الإرهاب، وضد النفوذ الخارجي، وضد فساد داخلي تغذيه النخب الحزبية».
كما اعتبر أن «الانتقال يجب أن يُمنح الوقت الكافي لإعادة بناء الدولة من الأساس، خارج الحسابات الانتخابية الضيقة».
وأضاف أن «التعددية الحزبية ليست غاية في حد ذاتها»، متسائلاً: «هل نريد أحزاباً كثيرة أم دولة مستقرة وفعالة؟ لقد اختار الشعب الجيش، وهذا خيار يجب احترامه إلى حين إنهاء الإصلاحات البنيوية».
المعارضة ترفض الإقصاء
ورغم المنع، قال الخبير السياسي الفرنسي لوران فيليو، الباحث في مركز دراسات أفريقيا المعاصرة، لـ«العين الإخبارية» إن «التعبئة الشعبية في الثالث من مايو/أيار الجاري فتحت ثغرة سياسية».
وأضاف أن «الأحزاب تدرس الآن توسيع تحركاتها نحو المناطق الداخلية، واستقطاب نقابات كبرى مثل الاتحاد الوطني للعمال، والمنظمات الدينية والتقليدية، أملاً بتكوين جبهة وطنية للدفاع عن التعددية».
لكن الطريق يبدو محفوفًا بالمخاطر، خصوصًا في ظل الاستخدام المتكرر لتهم «زعزعة الأمن» و«المساس بهيبة الدولة» ضد المعارضين.
هل ما زال هناك أمل؟
واعتبر أن مالي تعيش لحظة مفصلية، بين من يرى في الحكم العسكري فرصة للقطيعة مع مرحلة فاشلة، ومن يعتبره انزلاقاً نحو الاستبداد، ويبقى صوت الشارع هو الفيصل.
وأشار إلى ما قاله أحد قادة الأحزاب المعارضين: «سنبقى داخل الإطار القانوني.. لكن هذه معركة وجود، ونحن مستعدون لخوضها بعقلانية وصبر».