انتخابات الرئاسة في موريتانيا.. التداول السلمي المنتظر للسلطة
تعكس خريطة المرشحين الستة على مقعد الرئاسة في موريتانيا حالة غير مسبوقة من الحراك السياسي في البلاد بشكل عام.
يُمثل العام 2019، نقطة تحول مهمة في تطور النظام السياسي الموريتاني، والتنافس الحزبي والتداول السلمي للسلطة في البلاد. ففي شهر يناير/ كانون الثاني من العام المشار إليه، أعلن محمد ولد عبدالعزيز الرئيس المنتهية ولايته رفضه أطروحات البعض من أنصاره بتعديل الدستور على نحو يسمح له بالترشح مرة ثالثة لرئاسة البلاد، وأصدرت مؤسسة الرئاسة بياناً أكدت فيه احترام الرئيس للدستور ورفضه إجراء أي تعديلات عليه، كما طالب البيان بالكف عن الدعوات ووقف المبادرات المطالبة بمراجعة بعض مواد الدستور أو بكتابة دستور جديد، يضاف إلى ذلك تأكيد ولد عبدالعزيز التزامه بموقفه الثابت بهذا الشأن في أكثر من مناسبة.
وقوبل التزام الرئيس ولد عبدالعزيز وبيان الرئاسة بتأييد من قبل نواب المعارضة في البرلمان الموريتاني والائتلافات والأحزاب السياسية والناشطين الحقوقيين وكافة الهيئات المجتمعية والسياسية الرافضة لتعديل الدستور.
وعبَّرت الغالبية من القوى السياسية عن اطمئنانها وارتياحها تجاه موقف مؤسسة الرئاسة. بيد أن هذا الموقف من شأنه تعزيز التنافس بين الأحزاب وتقوية مؤسسات المشاركة السياسية وتكريس التداول السلمي المنتظر للسلطة، وترسيخ الوحدة والاستقرار في بلد دمرته الصراعات السياسية، ووضع حدٍّ للانقلابات العسكرية، حيث شهدت موريتانيا منذ استقلالها العديد من الانقلابات والتي كان آخرها عام 2008 وقتما تم الإطاحة بالرئيس محمد ولد الشيخ عبدالله الذي يعد أول رئيس مدني منتخب لموريتانيا واستمر نحو عام و4 أشهر في منصبه، وتم الانقلاب على حكمه ووضعه تحت الإقامة الجبرية ليخلفه ولد عبدالعزيز الرئيس المنتهية ولايته.
التفاعلات السياسية والحزبية قبيل الانتخابات
مع تحديد المجلس الدستوري الموريتاني المشرف على الانتخابات الرئاسية مسوغات الترشيح للمنصب، وتحديد يوم 22 يونيو/ حزيران الجاري موعداً للجولة الأولى للانتخابات و6 يوليو/تموز القادم موعداً للجولة الثانية حال عدم حصول أي من المتنافسين على النصاب القانوني للفوز بالانتخابات، تمكّن 6 مرشحين فقط من استيفاء إجراءات الترشح وقاموا بتسليم ملفاتهم للمجلس استعداداً للتنافس السلمي على منصب رئاسة البلاد، بينما لم يتمكن آخرون ممن سبق لهم إعلان التنافس على المنصب من استيفاء الإجراءات المطلوبة، إذ تتضمن تلك الإجراءات حصول المرشح على تزكية من 100 مستشار بلدي من بينهم 5 عمد.
وتعكس خريطة المرشحين الستة حالة غير مسبوقة من الحراك السياسي في البلاد بشكل عام وحالة من التنافس الحزبي بشكل خاص نتيجة التحولات الراهنة التي تشهدها البلاد مع العام 2019، ففي مطلعه تم وقف مبادرات تعديل الدستور، وإنهاء عبثية المشهد الحزبي من خلال تعديل قانون الأحزاب الذي نص في المادة رقم (20) على أن "يتم بقوة القانون حل كل حزب سياسي قدم مرشحين لاقتراعين بلديين اثنين وحصل على أقل من 1%، من الأصوات المعبر عنها في كل اقتراع، أو الذي لم يشارك في اقتراعين بلديين اثنين متواليين" وتم تنفيذ القانون بصدور قرار وزاري قضي بحل 76 حزباً سياسياً شملت الأحزاب الموالية لأحزاب الحكم والمعارضة، وذلك من أصل 105 أحزاب قائمة.
وكان من شأن هذه التحولات، إعادة تموضع الأحزاب السياسية واتجاه بعضها لإقامة تحالفات وائتلافات سياسية استعداداً للانتخابات الرئاسية، وحرص القائم منها على تحقيق درجة من التماسك والتجانس.
وفي خضم هذه التحولات، شهدت بعض الأحزاب انقسامات داخلية كما هو الحال في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم لاختلاف وجهات النظر بين أعضائه تجاه تعديل الدستور، كما وقعت انشقاقات داخل حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعروف بـ "تواصل" الذراع السياسية لجماعة الإخوان، حيث شهد الحزب انشقاقات للعديد من كوادره في المواقع القيادية والقواعد الشعبية، ولازالت الصراعات قائمة داخله على خلفية تباين مواقف قياداته تجاه دعم مرشحي الرئاسة.
موقع مرشحي الرئاسة من التحالفات الحزبية
يحظى جميع مرشحي الرئاسة في موريتانيا بدعم من الأحزاب التي ينتمون إليها أو الموالية لهم والمتحالفة معهم. فيتنافس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم وصاحب الأغلبية البرلمانية في الجمعية الوطنية، من خلال مرشحه محمد ولد الغزواني وزير الدفاع السابق والذي يحظى بدعم وبتأييد نحو 21 حزباً من الأحزاب الموالية له، فضلاً عن تحالفه مع عدد من أحزاب المعارضة ومن أبرزها حزب عادل، وبعض الفصائل المنشقة عن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، وبعض رموز حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض.
ويخوض المرشح الثاني سيدي محمد ولد بوبكر رئيس الوزراء السابق، الانتخابات كمستقل، وقدم نفسه كمرشح المعارضة، وتكمن من إقامة تحالف سياسي مع جماعة الإخوان وحزبها السياسي "تواصل" ساعياً لكسب أصوات ممثليه في البرلمان الذين يمثلون نحو 16 نائباً، وأصوات أعضائه وأنصاره، لاسيما وأن الحزب حصل على 250 ألف صوت في الانتخابات التي أجريت عام 2018، كما أعلن عدد من قيادات التيار البعثي تأييدهم له.
ونجح ولد بوبكر في إقامة تحالف مع حزبي الاتحاد والتغيير الموريتاني والمستقبل وأعلنا تأييدهما له، كما حظي بتأييد اتحاد أحزاب قوى الديمقراطية الذي يضم أحزب "التجمع من أجل الحرية والمساواة والديمقراطية والجيل الثالث والعمل والمساواة".
بينما تتنافس حركة "إيرا" من خلال المرشح الثالث بيرام ولد اعبيدي عضو مجلس النواب الموريتاني والذي يعتمد على شعبيته الواسعة في أوساط الأرقاء السابقين أو المعروفين بـ "الحراطين"، ويحظى مرشح الحركة بدعم من حزب الصواب القومي أحد أحزاب التيار البعثي في البلاد، والذي أعلن تأييده لـ "اعبيدي" عقب قبول أوراق ترشحه من قبل المجلس الدستوري، وذلك في إطار التحالف المتفق عليه مسبقاً بين الحزب والحركة في مايو/أيار 2018، حيث قامت الحركة بدعم مرشحي الحزب والتنسيق مع مرشحيه في الانتخابات البلدية والجهوية والتشريعية التي عقدت في سبتمبر/أيلول 2018، في مقابل أن يدعم الحزب "اعبيدي" كمرشح للحركة في الانتخابات الرئاسية. وهكذا، كان الدعم على خلفية التحالف والاتفاق الموقع بينهما مسبقاً.
وإذا كان اعبيدي يمثل مرشح المعارضة والناشطين الحقوقيين، حيث سبق له الترشح في الانتخابات الرئاسية لعام 2014، وحصل على نحو 9% من أصوات الناخبين، فإن المرشح الرابع محمد ولد مولود يضاف لمصاف المرشحين المعارضين، فهو المعارض السياسي المعروف في الحياة السياسية الموريتانية، ومرشح حزب اتحاد قوى التقدم اليساري، المُمثل بنحو 3 أعضاء في مجلس النواب الموريتاني، ويحظى بدعم وتأييد من تحالف قوى التغيير الديمقراطي الذي تأسس في أبريل/نيسان الماضي بعد إخفاق المعارضة في الاصطفاف خلف مرشح بعينه لمواجهة مرشح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية والذي يُنظر إليه من قبل المعارضة باعتباره وريث الرئيس المنتهية ولايته.
وينافس مستقلاً المرشح المرتجي ولد الوافي البالغ من العمر 31 عاماً والذي قدم نفسه كمرشح الشباب، فهو أصغر المتنافسين سناً، تخرج عام 2014 من المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة ويعمل في وزارة الاقتصاد والمالية، ويحظى بتأييد من قبل بعض الجمعيات السياسية والحزبية الصغيرة التي شاركته حفل إعلانه الترشح.
بينما يترشح المنافس السادس والأخير كان حاميدو بابا عن ائتلاف التعايش المشترك الذي يضم أحزابا ذات خلفية قومية زنجية، كما يحظى بدعم من أحزاب "التحالف من أجل العدالة والديمقراطية، والقوى التقدمية للتغيير، والحرية والمساواة والعدالة"، إضافة إلى عدد من الحركات الشبابية.
وبصفة عامة، تعكس التحالفات الحزبية الداعمة لمرشحي الانتخابات الرئاسية الموريتانية تطوراً للتفاعلات السياسية في البلاد، وتمثل امتداداً للانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية التي أجريت في سبتمبر/ أيلول 2018، من حيث التنافس بين الأحزاب والقوى السياسية، فشهدت تلك الانتخابات مشاركة ممثلي 98 حزباً سياسياً من بينها الأحزاب المعارضة التي كانت مقاطعة للانتخابات التشريعية في عام 2013، وبغض النظر عن نتائج تلك الانتخابات وحصول المعارضة على تمثيل ضئيل إلا أنها تمثل مرحلة من مراحل التنافس بين الجماعة السياسية الموريتانية.
فتاريخياً لم تشهد موريتانيا تداولاً سلمياً للسلطة وتنافساً بين الأحزاب السياسية على النحو الذي تشهده الانتخابات الرئاسية الراهنة، فعقب استقلال البلاد عام 1960، تقلد المختار ولد داداه منصب رئيس الدولة واستمر في الحكم حتى تمت الإطاحة به عبر انقلاب عسكري عام 1978، وتولى المصطفى بن محمد السالك رئاسة البلاد وأجبر على الاستقالة تحت ضغط من زملائه في الجيش، وتلاه محمد محمود ولد لولي عام 1979 ولم يدم حكمه إلا أشهر قليلة ليخلفه محمد خونه ولد هيداله عام 1980 وتمت الإطاحة به عبر انقلاب عسكري عام 1984 أثناء مشاركته بالخارج في إحدى القمم الفرانكوفونية.
وتولى السلطة معاوية ولد سيدي أحمد الطايع والذي دام حكمه نحو 21 عاماً، وانتهي حكمه أيضاً عام 2005 عبر انقلاب عسكري، وتولى المجلس العسكري برئاسة علي ولد محمد إدارة البلاد، وأجريت أول انتخابات رئاسية عام 2007 والتي فاز فيها محمد ولد الشيخ عبدالله والذي يعد أول رئيس مدني لموريتانيا على النحو الذي سبقت الإشارة إليه، وتمت الإطاحة به ووضعه تحت الإقامة الجبرية ليخلفه محمد ولد عبدالعزيز الذي فاز في الانتخابات الرئاسية عام 2009 وأعيد انتخابه عام 2014، وتنتهي ولايته مع إتمام إجراءات الانتخابات الرئاسية الراهنة، لتبدأ مرحلة منتظرة من التداول السلمي للسلطة في بلد أنهكته الانقلابات العسكرية.