تتنامى الشواهد على أن بعض الجهات الإعلامية التي يقف خلفها "مقاول التحريض الاعلامي" تحوّلت من منابر رأي إلى أدوات تنفيذية في حملات منظمة تستهدف دولًا عربية بعينها.
فالرجل الذي قدّم نفسه يومًا كمفكر قومي، بات اليوم يدير شبكة إعلامية مترابطة تتوزع بين قنوات فضائية ومواقع إلكترونية ولجان إلكترونية تعمل بأسلوب ممنهج لتوجيه الرأي العام، وتضليل المتابعين وبيع هذه الخدمات لمن يشتري من الانظمة والتنظيمات المأزومة!.
الأدهى من ذلك أن نشاط هذه الشبكات لا يقتصر على التحريض الإعلامي، بل يمتد وفق ما تتداوله مصادر موثوقة إلى تنسيق حملات مدفوعة تشمل وقفات احتجاجية يتم فيها استئجار مجموعات محددة من الأشخاص مقابل بدل مالي وطعام وتنقل، وكأن "الاحتجاج" أصبح خدمة مدرجة في قائمة الأسعار لمن يدفع أكثر.
فكل شيء في "المينيو" متاح: تغطية إعلامية، مقاطع فيديو مجهزة، ولجان إلكترونية تتكفل بنشر الأكاذيب وإعادة تدويرها حتى تتحول إلى "رواية" في ذهن المتابع البسيط.
المؤسف أن بعض الأنظمة العربية، التي يفترض أن تكون حريصة على القيم والأعراف العربية، اختارت اللجوء إلى هذه الأساليب الرخيصة لتصفية حساباتها السياسية مع دول شقيقة. وهي بذلك لا تسيء إلى خصومها فحسب، بل تسيء إلى نفسها وإلى فكرة العمل العربي المشترك، لأنها تستبدل الحوار الصادق بمرتزقة إعلاميين لا يعرفون معنى الأخلاق أو المسؤولية.
إن من يلجأ إلى مقاول التحريض ليست له ثقة بنفسه ولا بقدرة موقفه على الإقناع، فيعتمد على شراء الأصوات وتزييف الحقائق.
أما الدول الواثقة من مبادئها وموقعها الإنساني، فهي لا تحتاج إلى حملات مأجورة لتثبت قوتها، لأن قوتها تنبع من مواقفها النبيلة وسجلها المشرف في خدمة الإنسان أينما كان.
إن خطر "التحريض المأجور" لا يهدد دولة بعينها، بل يهدد الوعي العربي بأسره، ويحول الإعلام من وسيلة بناء إلى أداة هدم. لذلك بات من الضروري أن تتبنى المؤسسات الإعلامية العربية ميثاق شرف جديداً يجرّم هذا النوع من الارتزاق السياسي، ويعيد الاعتبار للكلمة الحرة الصادقة التي تبني ولا تهدم.
علي العامري
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة