عام من المعركة.. مدنيو الموصل يصارعون كارثة إنسانية
وسط انتصارات القوات العراقية على مسلحي التنظيم الإرهابي، تظل معاناة المدنيين ممتدة لما بعد داعش
مشرد محاط بالخوف والفزع، تبحث أعينه الحائرة عن أبسط متطلبات الحياة من مأكل وملبس ومأوn يحمي جسمه الهزيل من قسوة البرد وشدة الحرارة.. هذه الصورة أصبحت متكررة لمدنيي الموصل بعد عام من المعركة.
وفي الـ 17 من أكتوبر/ تشرين الجاري تمر الذكري الأولى لبدء معركة الموصل، المعركة التي تعد نقطة تحول أساسية في استكمال باقي المعارك القتالية والعمليات العسكرية المستهدفة تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق.
ووسط انتصارات القوات العراقية على مسلحي التنظيم الإرهابي من الموصل لتلعفر وصولًا للريحانة وعانة غربي الأنبار، تظل معاناة المدنيين ممتدة لما بعد داعش، حيث قدرت أعداد الأطفال المشردين من الحرب بنحو 400 ألف طفل بحسب تقرير أصدرته هيئة إنقاذ الطفولة، بالإضافة لنحو 673 ألف عراقي مشرد غير قادر للعودة للمدينة وفقًا للمجلس النرويجي للاجئين.
كارثة إنسانية
" لا يعني توقف القتال في الموصل أن الاحتياجات الإنسانية ليست ضخمة، قبل كل شيء.. الأطفال يحتاجون مساعدتنا الآن أكثر من أي وقت مضي، من لا يزالون مشردين ومن يعودون لمعرفة ما بقي من منازلهم" بهذه العبارة تحدثت مديرة هيئة إنقاذ الطفولة بالعراق آنا لوكسن عن المعاناة التي يعشيها مدنيو الموصل وتحديدًا الأطفال بعد نحو عام من النزوح.
ورغم أن الموصل محررة منذ الـ 10 من يوليو/ تموز الماضي، إلا أن عودة المدنيين لمنازلهم وديارهم تظل أكثر العقبات التي تهدد المدينة العراقية بعد دحر داعش وتطهير آخر جيوب البلدة القديمة الشاهدة على فرار أكثر من 30 ألف نازح وحصار حوالي 100 ألف آخر خلال القتال في غربي الموصل.
وخلف داعش نسبة دمار قدرت بنحو 80% بالموصل، حيث دمر أكثر من 60 مسجدا وكنيسة ونحو 77 مركزا صحيا ومستشفى وحوالي 11 ألف منزل ومبني وأكثر من 300 مدرسة وحوالي 200 مبني صناعي ما بين ورشة ومعمل، ويعد هذا الخراب والدمار الذي تركه التنظيم بمثابة إرث يتحمله الجيش العراقي والمدنيون.
وذكر بيان منظمة إنقاذ الطفولة أن المناطق الواسعة والشوارع الكبرى بالموصل شرقًا وغربًا تحولت لأنقاض، فالمدارس والمنازل والمستشفيات والطرق والملاعب والمتنزهات لم تعد لصورتها الأولى قبل الحرب، ما يزيد من معاناة العراقيين المشردين ويعمق الأزمات النفسية لديهم التي تحتاج لسنوات طوال لعلاجها.
وعقب تحرير المدينة بالكامل، عاد أكثر من 228 ألف نازح من أصل مليون و200 ألف عراقي، ما يؤكد على صعوبة مرحلة إعادة الإعمار وترتيب المدينة من جديد لاستيعاب المشردين والنازحين من الكبار والصغار الذي فاروا بعيدًا عن الحروب مصطدمين بواقع مرير من سوء أحوال المعيشة في الخيم.
وفي شهور ماضية أعلن وزير الهجرة والمهجرين بالعراق جاسم محمد عن خطة إعادة النازحين لمنازلهم، عن طريق إعادة نصف الفارين خلال 100 يوم، وبالأرقام الحالية التي أعلنتها هيئة إنقاذ الطفولة، تظهر حجم الكارثة الإنسانية التي تواجه نازحي الموصل.
من معاناة لأخرى
وطوال 365 يوما عاش سكان الموصل في مأساة تتجدد مع بداية كل مرحلة جديدة في الحرب، وامتدت مع مراحل ما بعد داعش.
من الموت بالرصاص ومخاوف الفرار ومعاناة العيش بالمخيمات إلى الموت جوعًا عاش آلاف المدنيين العراقيين النازحين من شرق وغربي الموصل طوال العام الماضي، وفصول معاناة المدنيين لم تتوقف، حيث قتل عدد كبير منهم ممن لم يتمكنوا الهرب، وفر نحو أكثر من مليون وشرد أكثر من 400 ألف نازح.
ومرت المعركة بمراحل بالغة الصعوبة في القتال، حيث استخدام مسلحو داعش المدنيين أداة للضغط على القوات العراقية عن طريق حصارهم والتنكيل بهم كدروع بشرية لمنع الجيش العراقي من التقدم داخل المدينة
ونظرًا لأن معركة البلدة القديمة كانت حاسمة في دحر داعش بالموصل، لذا ظهرت وحشيته بإعدام نحو 200 مدني بالشوارع وإلقاء الجثث بأحياء الزنجيلي والنجار، بالإضافة لسقوط العشرات جراء السيارات المفخخة والألغام المزروعة بالشوارع.
وظهرت معاناة العراقيين بالموصل في صورة أخرى، حينما تعرض 100 ألف طفل للموت جوعًا وجراء القصف الجوي بعد سقوط عشرات المنازل أثناء المراحل الأخيرة بالعملية العسكرية.
وفي الوقت نفسه لم يكن العيش بالمخيمات هو السيناريو الأفضل لهؤلاء الفارين من نيران الحرب، ولكن تضاعف عدد الفارين وتكدست المخيمات الواقعة على أطراف محافظة الأنبار.
واتسمت أوضاع المعيشة بمخيمات الكيلو 60 ومخيم الكيلو 18 غربي الرمادي والخازر بالسوء من حيث تجهيز الخيام وندرة المواد الغذائية من الطعام والدواء، ليتوقف استيعابها للاجئين العراقيين عند 566 ألف لاجئ فقط، ليصبح الفارون من الموصل في مهب كارثة إنسانية جديدة.