وُصفت زيارة منسق الاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا، لطهران، بأنها "محاولة أخيرة لإنقاذ مفاوضات فيينا" لعودة اتفاق 2015 بخصوص نووي إيران.
وهي زيارة جاءت بعد شهرين من توقف محادثات فيينا، بعد أن وضعت إيران على طاولة المفاوضات شرط رفع "الحرس الثوري" من لائحة المنظمات الإرهابية للتوصل إلى اتفاق، وهو ما بدَّد كل التسريبات والتوقعات، التي تحدثت عن قرب التوصل إلى اتفاق، بل دفع بكثيرين إلى توقع فشل مفاوضات فيينا، رغم الحرص الكبير، الذي يبديه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، للتوصل إلى هذا الاتفاق.
شرط إيران رفع "الحرس الثوري" من لائحة المنظمات الإرهابية كان بمثابة دق جرس إنذار لإدراك مخاطر ذهاب "بايدن" إلى التجاوب مع هذا الشرط، وقد تجسد عمليا هذا الإدراك في سلسلة خطوات مهمة، لعل أهمها:
1-التصويت في الكونجرس على رفض رفع "الحرس الثوري الإيراني" من لائحة المنظمات الإرهابية، وقد كان هذا الرفض بمثابة تصويت تجريبي في الكونجرس من قبل الجمهوريين والعديد من الديمقراطيين على أي اتفاق يتم التوصل إليه مع إيران، وهؤلاء ينطلقون من حقيقة خطورة هذا الأمر على أمن الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وحلفائها في الخليج العربي وعموم المنطقة، خاصة بعد قصف "الحرس الثوري الإيراني" لأربيل في مارس الماضي، حيث القواعد الأمريكية في العراق والمنطقة، وسبق التصويت في الكونجرس توقيع مائتي نائب جمهوري على رسالة يحذرون فيها "بايدن" من أي اتفاق مع إيران دون العودة إلى الكونجرس.
2-بالتوازي مع موقف الكونجرس، أجرى الجانبان الأمريكي والإسرائيلي سلسلة مباحثات أمنية رفيعة المستوى، كان فحواها التحضير لما بعد فشل مفاوضاوت فيينا، وإعلان إسرائيل رفضها مسودة الاتفاق، الذي جرى الحديث عنه، ما يعني عودة البحث عن خطط مشتركة لكيفية التعامل مع مرحلة ما بعد فشل المفاوضات، وانتهاج الخيارات المناسبة، بما فيها الخيار العسكري الذي تحدثت إسرائيل عنه مرارا.
3-جملة التصريحات الرسمية الأمريكية الأخيرة، التي تحذر من قرب صنع إيران لأسلحة نووية في ظل احتفاظها بكميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بدرجات نقاء عالية، وهي تصريحات تتكامل مع التصريحات التي أطلقها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، وتأكيده أن إيران تتقاعس عن تقديم معلومات دقيقة وشفافة عن برنامجها النووي، لا سيما تلك المتعلقة بجزئيات اليورانيوم، التي عثر عليها في مواقع إيرانية، وهو ما يثير احتمال الصدام بين الوكالة وإيران في يوليو المقبل عندما يقدم "جروسي" تقريرا إلى محافظي الوكالة عن هذا الموضوع، وما يزيد الأمر تعقيدا، مطالبة طهران بإغلاق تحقيق الوكالة الدولية المتعلق بجزئيات اليورانيوم، التي تم العثور عليها في ثلاثة مواقع إيرانية غير معلنة.
دون شك، زيارة "مورا" إلى طهران مهمة، خاصة أنها تأتي في توقيت حساس للمفاوضات، وقد يحمل معه مقترحات سرية في ضوء أحاديث عن احتمال رفع الإدارة الأمريكية "الحرس الثوري الإيراني" من قائمة المنظمات الإرهابية، مع بقاء "فيلق القدس"، التابع لـ"الحرس الثوري" في القائمة، لكن المتابع للسياسة الإيرانية يعرف جيدا أن طهران لا تترك مسألة إلا وتستغلها حتى النهاية، ولعلها تراهن هنا على تطلع "بايدن" إلى اتفاق مع إيران يبعد الأخيرة عن روسيا، ويجعل نفطها في خدمة حل أزمة الطاقة التي تعصف بأوروبا على وقع الأزمة الأوكرانية.
وعليه بين رهانات طهران هذه، ودق الكونجرس جرس خطر التوصل إلى اتفاق مع إيران بشروط الأخيرة، تبقى مهمة "مورا" صعبة في طهران، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونجرس المقررة في نوفمبر المقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة