"العين الإخبارية" تتعقب حلقة الإخوان.. "ما تجاهلته الجزيرة كان أعظم"
تدّعي البحث عن الحقيقة، وكل ما تفعله هو طمسها وإزالة أو تجاهل كل خيط مهم يقود الناس إليها، ثم تصرخ "ما خفي كان أعظم".
هذا على وجه الدقة ما حمله البرنامج المثير للجدل "ما خفي أعظم" في حلقته الأخيرة، بعنوان "ليلة الاقتحام"، على قناة الجزيرة الفضائية، والتي تناولت مداهمات الإخوان في أربع ولايات نمساوية نهاية 2020.
مقدم البرنامج الإعلامي الفلسطيني تامر المسحال الذي حاول طوال الحلقة، سحب خيطين متوازيين وتسويقهما على أنهما الحقيقة، لم يكلف نفسه أو فريق إعداده عناء البحث الجيد، أو التقصي المُنصف، أو حتى الترجمة الصحيحة، وأخيرا نسب الأمور إلى أصحاب المصلحة الأولى.
نسف منطق البرنامج
فأمام مقر الادعاء العام النمساوي بمدينة جراتس، وقف المسحال متحدثا عن إصرار الادعاء على المضي قدما في تحقيقات جماعة الإخوان الإرهابية في هذا البلد الأوروبي، "رغم عدم تقديمه أدلة"، مدعيا "تجاوز الأمر الأبعاد القانونية إلى السياسة"، في إشارة لتسييس عمل المؤسسة القضائية.
ومن هذه النقطة الأخيرة وما ارتبط بها طوال الحلقة من تصوير مداهمات الإخوان بأنها جاءت نتيجة ضغوط سياسية على الادعاء العام من قبل حكومة سبستيان كورتس المحافظة وحلفائها الأجانب، يمكن ببساطة نسف أساس هذا التحقيق الصحفي، إن جاز وصفه بذلك.
فالبرنامج تجاهل بوضوح أن الادعاء العام الذي يحقق في ملف الإخوان بالنمسا، هو نفسه من حرّك ملف اتهام كورتس بالفساد، وأمر بمداهمة مقر المستشارية لأول مرة منذ عقود، ودفع السياسي الشاب الأكثر شعبية في البلاد للانسحاب من السياسة نهائيا أواخر 2021، فكيف إذن يسيس الأخير عمل الأول؟
اللعبة القديمة
وبعيدا عن المنطق الذي ابتعد عنه برنامج المسحال، فقد أعادت الحلقة إنتاج ما اعتاد عليه تنظيم الإخوان منذ تأسيسه، ولعب الضيوف دور الضحايا بامتياز، وتبادل البكاء والاستفهام والادعاء بالضرب والترويع والاضطهاد.
ففي الدقيقة الرابعة، انطلق المدرس والإمام ممدوح العطار، أحد المشتبه بهم، في البكاء، واصفا مداهمات الشرطة ضد أهداف وعناصر الإخوان بأنها "جريمة وإرهاب"، والتقط البرنامج الخيط وادّعى أن المداهمات ألقت بظلالها على واقع المسلمين في النمسا.
وسارت الأمور في الدقائق الأولى على هذا المنوال، ضيوف يلعبون دور الضحية، ومذيع يزيل كثيرا من المسافات الفاصلة بين الإخوان والجالية المسلمة، ويظهر الجماعة الإرهابية وكأنها كل المسلمين في الأراضي النمساوية، ما يعد خطأ كبيرا؛ فالنمسا تضم طيفا واسعا من الجمعيات من خلفيات مختلفة ومئات الآلاف من المسلمين بلا لون أو توجه سياسي.
كما أن عديد التفاصيل سواء الواردة في الحلقة أم التي أُسقطت عمدا، تنسف أيضا أساسها وسرديتها تماما، وتظهر كم التزييف الذي حاول البرنامج بيعه لمشاهديه، ثم التغني بوصول متابعي الحلقة ثلاثة ملايين شخص.
رابط وهمي
ففي الدقيقة 15 و42 ثانية، ربط البرنامج بوضوح بين هجوم فيينا الإرهابي الذي وقع في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ومداهمات الإخوان التي حدثت بعد هذا التاريخ بأسبوع، للتصوير بأن الحكومة النمساوية حاولت تقديم كبش فداء سريع، أو إظهار أنها تعمل بقوة على مكافحة الإرهاب الذي ضرب البلاد في ذلك الوقت.
وبعد ذلك بدقيقة، وبالتحديد 16 و39 ثانية، ناقض البرنامج نفسه بوضوح شديد، وأذاع وثيقة ادّعى أنها مسربة، يعود تاريخها إلى 16 مارس/آذار 2020، وتضمنت توجيها من الاستخبارات الداخلية بالنمسا باختراق حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بالمشتبه بهم في قضية الإخوان.
كما أن ضيف الحلقة، ممدوح العطار، أمعن في إظهار التناقض والتزييف في الدقيقة 16 و59 ثانية، وقال إن هاتفه تعرض للمراقبة لمدة 5 أشهر كاملة قبل تاريخ المداهمات، ما ينسف ربط عملية الإخوان بهجوم فيينا الإرهابي نسفا كاملا.
كما أن وزير الداخلية في وقت المداهمات والمستشار حاليا، كارل نيهامر، قال بوضوح للصحفيين، في يوم العملية، إن الإعداد لها استغرق عاما ونصف العام في أروقة سلطات إنفاذ القانون، وبدأت مرحلة الإعداد في عهد الحكومة السابقة التي لم يكن الرجل أحد أعضائها.
قصة السمسار
جزئية ثانية لافتة للنظر ظهرت في حديث العطار، وهو إمام مسجد في النمسا، حين قال إن السلطات استندت في أحد أركان التحقيقات ضده إلى مكالمة هاتفية مع سمسار قروض يستفسر فيها المشتبه به عن إمكانية الحصول على قرض من بنك النمسا الشهير لشراء بيت، كقرينة.
العطار الذي ذكر أنه يملك بيتا موّله أيضا من قرض من نفس البنك، تعجّب من وقوف السلطات عند هذه النقطة، رغم أنها تثير كثيرا من الحبر.
فإذا افترضنا أن الرجل أراد شراء بيت عادي جدا بـ700 ألف يورو في فيينا، فإنه سيدفع قسطا شهريا للقرض يقدر بـ2600 يورو، وفق حسابات موقع البنك نفسه.
هذه الأرقام تثير كثيرا من الحبر، فكيف لرجل أن يدفع مبلغا أكبر من متوسط الدخل للعاملين في مجاله "2000 يورو شهريا"، كخدمة دين لمدة 25 عاما، وما هو دخله الإجمالي إذن؟ ومن أين حصل على هذه الأموال؟
خبير من الحاشية
تفصيلة ثالثة أكثر جدلا تتمثل في استعانة البرنامج بـ" راؤول كونويكر"، كخبير قانوني مستقل ومسؤول سابق بوزارة نمساوية، وأُفردت مساحة كبيرة لحديثه على فترات مختلفة من الحلقة، خاصة كلامه عن "عجز الادعاء العام عن تقديم أدلة" في قضية الإخوان.
لكن ما خفي كان أعظم، فكونويكر منذ بداية ملف مداهمات الإخوان نهاية 2020، أعلن تأييده ووقوفه الكامل بجانب الأكاديمي فريد حافظ أحد أهم المشتبه بهم في القضية، وأصدر بيانات دعم للأخير رغم نأي "جامعة سالزبورج" التي يعمل بها حافظ عن مواقفه وانتماءاته.
كما أن كونويكر لا يمكن إظهاره في صورة المستقل، فالرجل كاتب شريك لفريد حافظ في عدد من المنشورات خلال السنوات الماضية، أبرزها كتيب بعنوان "شاب، مسلم، نمساوي.. 20 عاما من الشباب المسلم في ألمانيا"، تناولت تجربة منظمة الشباب المسلم المحسوبة على الإخوان وشارك حافظ نفسه في تأسيسها.
كما أن حديثه عن عجر الادعاء العام عن تقديم أدلة إدانة حتى الآن غير منطقي، فكيف يقدم ادعاء عام، أدلة إدانة في قضية لم ينته من فحص وتقييم ودراسة ملفاتها وأوراقها المتعددة، ولا يستطيع تحديد موعد للانتهاء من التقييم بسبب حجم الملفات والحاجة لترجمة كثير منها من العربية؟
"العين الإخبارية" وفي إطار تعقب تناقضات حلقة "ما خفي أعظم"، تواصلت مع الدكتور كريستيان كروشل، نائب رئيس المكتب الإعلامي بالادعاء العام في مدينة جراتس النمساوية، للوقوف على نقطة انتهاء التحقيق وتقديم أدلة إدانة في القضية وتحويلها للمحكمة.
فجاء الرد من كروشل بأن "فريق التحقيق جمع حوالي 200 تيرابايت من البيانات التي ماتزال قيد التقييم حتى الآن"، مشيرا إلى أن "عمليات التقييم هذه شخصية للغاية ومادية، وتستغرق كثيرا من الوقت، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ضرورة ترجمة العديد من النصوص من العربية".
وأكد المسؤول الإعلامي أن التحقيقات في ملف الإخوان مستمرة، والادعاء مستمر في تقييم العدد الضخم من البيانات، وترجمة النصوص العربية.
تزييف الترجمة
ومن انحياز الضيف إلى تزييف الترجمة، نصل للدقيقة 22 و19 ثانية، والتي تعمّد البرنامج عندها تزييف المحتوى الأصلي لوثيقة صادرة عن الاستخبارات الداخلية ونشرت صحف نمساوية مقتطفات منها في السابق، حيث ذكر أن الاستخبارات صورت اجتماعا يرفع صورة رابعة على أنه يحوي بالنازية ويرفع المشاركون فيه تحية هتلر، وتقديمه في أدلة المحاكمة.
لكن الحقيقة لم تكن كذلك، فالوثيقة وما ارتبط بها من أخبار، تفيد بتلقي الاستخبارات إفادة باجتماع يرفع فيه المشاركون تحية مشابهة لتحية هتلر عام 2014، مضيفة "لكن بعد تدقيق الاستخبارات، تبين أنهم من الإخوان المسلمين ويرفعون تحية رابعة" المرتبطة بالجماعة.
قضية السلاح
وفي الدقيقة 24 و50 ثانية، يبرر أحد أهم المشتبه بهم، أيمن مراد، حيازته لسلاح ورد ذكره في أوراق القضية، وقال إنه اقتنى هذا السلاح بعد أن أخبرته السلطات النمساوية قبل عام ونصف العام من المداهمات بأنه مهدد بالقتل.
لكن حديث مراد لا يتسق مع الإجراءات القانونية المتبعة في النمسا مع المهددين بأية صورة من صور الاعتداء، حيث تُخير السلطات المهدد بين تغيير مكان سكنه ودائرة تحركه، أو توفير حماية شرطية له، لا أن يقتنى سلاحا.
وحدث هذا الإجراء مع عامر البياتي الخبير العراقي الأصل الذي ورد اسمه في قائمة "أعداء الإخوان" عثرت عليها السلطات النمساوية في بيت أحد المشتبه بهم في قضية الإخوان، وغيّر محل سكنه، وفق ما قاله الخبير في تصريحات صحفية في أبريل/نيسان الماضي.
كما وفّرت الشرطة حماية شرطية لمنشق عن الإخوان قدم شهادة وافية ضد الجماعة في النمسا، وتعرض لاعتداء بدني من عناصر التنظيم في أحد شوارع فيينا قبل أشهر قليلة.
أكاذيب مستمرة
وفي الدقيقة 25 و57 ثانية نسب برنامج الجزيرة للمستشار نيهامر ما لم يقله أبدا في معرض تدليل البرنامج على استناد التحقيقات لأكاذيب، ونقل عن وزير الداخلية النمساوي في وقت المداهمات قوله إن الشرطة صادرت 25 مليون يورو نقدا، وتبين لاحقا أن المبلغ النقدي يتراوح بين 200 و400 ألف يورو، والباقي قيمة الأصول.
إلا أن نيهامر لم يذكر ذلك نهائيا، وقال بوضوح في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام النمساوية منها "دي برسه" العريقة، إن السلطات صادرت 25 مليون يورو (أصول)، فيما صادرت 100 ألف يورو في صورة مبلغ نقدي خلال المداهمات.
الوجه الحقيقي
وفي الدقيقة الـ43، بدأت حلقة برنامج الجزيرة تظهر وجهها الحقيقي وتتناول ورقة بحثية أعدها الباحث الأمريكي ذو الأصول الإيطالية، لورينزو فيدينو، عن الإخوان في النمسا، على أنها أساس التحقيقات الجارية ضد الجماعة، وزادت بأن الدارسة أجريت نتيجة ضغوط من الحكومة النمساوية اليمينية وحلفاء عرب.
بل إن أنس الشقفة، وهو الرجل الذي يُتهم على نطاق واسع بأنه قائد الإخوان بالنمسا، سرّع وتيرة التزييف وبيع الوهم، وقال لمقدم البرنامج تامر المسحال في الحلقة إن فيدينو لم تكن له أي علاقة بالدولة النمساوية عندما كتب هذه الدراسة، وتساءل عمن دفع الباحث الذي يعمل على ملف الإرهاب والإسلام السياسي منذ 15 عاما، إلى كتابة هذه الورقة؟، في استدعاء غريب أيضا للدور الأجنبي.
لكن غلاف الدراسة المنشورة على مواقع حكومية نمساوية، يظهر زيف البرنامج والضيف، فالدراسة نشرت في أغسطس/آب 2017، أي في ظل حكومة يقودها الاشتراكيون الديمقراطيون (يسار وسط)، وقبل وصول حكومة كورتس الأولى، للحكم بـ4 أشهر كاملة.
كما أن الغلاف نفسه، يظهر بوضوح أن فيدينو أعدّ الدراسة بالتعاون مع 3 مؤسسات حكومية نمساوية؛ هي جامعة فيينا، وهيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية)، وصندوق الاندماج التابع لوزارة الاندماج، أي أن الرجل كان له علاقة قوية بالدولة النمساوية، وسجلات الاستخبارات الداخلية وقت صياغة الدراسة، ولا دور أجنبيا فيها.
الأكثر من ذلك، الإصرار الغريب من مقدم البرنامج على إقحام اسم الإمارات كدولة في نقطة ليست طرفا فيها، حين حاول التدليل على الدور الأجنبي في دراسة فيدينو باستضافة باحث نمساوي يدعى توماس شميدينغر.
شميدينغر ادّعى بأن مؤسسة إماراتية، يُفهم من الحديث أنها بحثية، طلبت منه إجراء دراسة مقابل المال؛ مثل أي مؤسسة بحثية حول العالم، تستكتب الباحثين سواء بعقود عمل طويلة، أو في صيغة تعاون حر وفق أعراف العمل البحثي المعروفة.
والباحث نفسه أكد هذه النظرية بقوله بوضوح إن هذا الاستكتاب "لم يكن أمرا غير قانوني"، فالجهة بحثية وطلبت جهدا بحثيا رصينا في مجال وتخصص كاتبها، حتى يكون عمله دقيقا وما تقدمه لجمهورها رصينا.
لكن وبينما كان يستطرد الباحث النمساوي في حديثه عن المؤسسة، قاطعه المسحال مرتين، مقحما اسم دولة الإمارات، تارة بشكل غير مباشر، وأخرى بشكل مباشر حين ذكرها بالاسم.
مظلة الإخوان
وفي إطار طرح أدلته المزيفة، قال البرنامج إن النمسا تتهم منظمات مثل اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، "جزافا بالتبعية للإخوان"، لكنه لم يكلف نفسه عناء البحث والتدقيق ليعرف أن أهم المؤسسات الحكومية والبحثية الأوروبية، خاصة تقارير الاستخبارات الداخلية الألمانية، توصف هذه المنظمة بالتحديد على أنها مظلة الجماعة في القارة العجوز..
وعلى سبيل المثال، يقول الموقع الإلكتروني لهيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في ولاية بادن فورتمبيرغ الألمانية: "توجد شبكة من المساجد والمؤسسات والجمعيات المرتبطة بالإخوان المسلمين في جميع أنحاء أوروبا.. اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا هو المنظمة الجامعة ويعتبر نفسه نقطة الاتصال المركزية للجماعة".
ورغم هذا القصور في البحث والتدقيق والترجمة الذي ظهر في كل جزئيات الحلقة، إلا أن الأمر المضحك أنه ادّعى كذبا حصوله على وثائق مسربة تدعم موقفه، لم يكن معظمها إلا جزءا من ملف التحقيقات التي سمحت السلطات مؤخرا لدفاع جميع المشتبه بهم بالحصول على نسخة منها بما في ذلك الوثيقة التي تظهر شخصية شاهد رئيسي في القضية، وهو المنشق الذي اعتدى عليه الإخوان في شوارع فيينا بعد استلام الملفات فيما بعد.
كما أن إحدى الوثائق المسربة التي تباهى البرنامج بالحصول عليها في الدقيقة 48، هي مذكرة أرسلها وزير الداخلية إلى البرلمان في فبراير/ شباط 2020، ونشرتها "العين الإخبارية" في نفس الشهر، أي قبل نحو عام من حلقة "ما خفي كان أعظم لها" والاحتفاء بها.
"ما أُسقط كان أعظم"
بعد عرض كم التزييف والتحريف والأكاذيب والأخطاء في برنامج المسحال، تصل "العين الإخبارية" للنقطة الأهم وهي عنوان برنامجه "ما خفي كان أعظم"، والتي يمكن تسميتها في هذه الجزئية "ما تجاهله كان أعظم"؛ فالبرنامج تجاهل نقاطا رئيسية في ملف تحقيقات الإخوان لا تخدم الرسالة التي أراد توجيهها والتي دفعت إدارة القناة للترويج للحلقة في صورة إعلان ممول على الإنترنت، في النمسا.
أولى هذه النقاط، هي الركن الأساسي في التحقيقات وتتمثل في شهادة قدمها عضو مهم في الإخوان في النمسا ابتعد عن الجماعة في السنوات القليلة الماضية، لسلطات التحقيق.
الرجل الذي قدمته الصحف النمساوية باسم مستعار "أحمد. م"، وتحتفظ "العين الإخبارية" بهويته الحقيقية، قدّم شهادة رسمية شاملة عن هياكل وأنشطة الإخوان بالنمسا؛ تعد ضمن الأسس التي يقوم عليها التحقيق في أنشطة الجماعة في الأراضي النمساوية.
وحافظت السلطات النمساوية على هوية الشاهد سرية ضمن ملفات القضية، قبل إتاحتها لمحامي المشتبه بهم مؤخرا، ما أفضى إلى اعتداء بعض العاملين لدى إحدى القيادات الإخوانية على الشاهد أمام منزله في فيينا، واستدعى دخوله المستشفى ومروره بأشهر صعبة.
لكن برنامج الجزيرة أسقط هذه الشهادة، وواقعة بلطجة الإخوان في شوارع الأُنس بفيينا الهادئة، وتحقيقات الشرطة التي أعقبت الاعتداء، وتوفير حماية شرطية للشاهد الذي يمر بفترة صعبة.
كما تجاهل البرنامج أي ذكر لأهم الجمعيات والمساجد المرتبطة بالإخوان لوجود دلائل واضحة على ذلك؛ فلم يذكر رابطة الثقافة؛ رغم أنها المنظمة الأهم في دائرة الإخوان والتحقيقات. وذلك ببساطة لوجود روابط واضحة بينها وبين الإخوان واستضافتها العديد من القيادات المصرية في فعاليات سابقة، وهو ما أيدته دراسة حديثة لمركز توثيق الإسلام السياسي الحكومي بالنمسا نشرت قبل أشهر.
وتجاهل البرنامج أيضا ذكر مسجد النور في مدينة جراتس والذي انتشرت صورة لجندي نمساوي شارك في العملية، على بوابته يوم المداهمات، على مواقع التواصل الاجتماعي، لثبوت أيضا علاقته بالإخوان عبر أيمن علي الذي كان إمامه في السابق، قبل أن يصبح مستشارا لمحمد مرسي.
هزيمة مزلزلة
وفي نقاط عدة، ركز برنامج المسحال على لجوء الإخوان للقضاء واللعب على الثغرات من أجل تعطيل عمل الادعاء العام، واحتفى بحصولها على بعض الأحكام من محكمة جراتس ضد التحقيقات.
لكن "العين الإخبارية" سعت إلى الحصول على رد من نائب رئيس المكتب الإعلامي بمكتب الادعاء العام في مدينة جراتس، والذي قال "حتى الآن، قررت محكمة جراتس الإقليمية وقف التحقيقات ضد مشتبه به في القضية، لكن هذا القرار ليس نهائيا، لأننا في الادعاء العام تحركنا ضده وقدمنا بالفعل طعنا ضده".
وأضاف "تنظر محكمة جراتس الإقليمية العليا (محكمة أعلى درجة) القضية في الوقت الحالي. كما أن عددا آخر من المشتبه بهم تقدموا بطلبات لوقف التحقيق أمام القضاء، لكنها لا تزال معلقة".
المسؤول الإعلامي بمكتب الادعاء أوضح أيضا أن التحقيقات في ملف الإخوان، مستمرة، على الرغم من قرارات محكمة جراتس الإقليمية، والادعاء مستمر في تقييم العدد الضخم من البيانات.
وفي هذه النقطة، برز تجاهل برنامج المسحال للحقائق عمدا أيضا، فرغم مناقشة ضيوفه في أكثر من موضع، مسألة انحياز الخبراء الذي قدموا آراء اعتمد عليها الادعاء العام في التحقيقات، وهما الخبيران نينا شوتس وهايكو هاينتش، إلا أن البرنامج تجاهل فشل محاولات الإخوان في الإطاحة بالخبيرين عبر المسار القضائي.
وقبل أشهر قليلة، قضت محكمة جراتس برفض شكاوى الإخوان ضد الخبيرين واتهامات الانحياز الموجهة لهما، وتثبيت دورهما في التحقيقات، بل والاستعانة بهما أمام المحكمة في نفس القضية، في هزيمة قضائية مزلزلة للإخوان تجاهلها المسحال في برنامجه، ليُكتشف أن ما أسقطه وتجاهله كان أعظم.
وبعد كل هذه السقطات، لم يكن هناك مفر من تقصي الحقيقة، وشد خيوط ما تجاهلته الجزيرة عمدا، فالأمر كله باختصار "ما تجاهلته الجزيرة كان أعظم".
aXA6IDMuMTM5Ljg3LjExMyA= جزيرة ام اند امز