«الاستغلال هو الحل».. كيف «تحلب» الإخوان الظروف وتدير الأموال؟
"الاستغلال" هو شعار التنظيمات المتطرفة، ترفعه على كل المستويات، سواء استغلال الأنصار أو الظروف السياسية، أو حتى المناخ الاقتصادي.
وجماعة الإخوان الإرهابية ليست استثناء على هذه القاعدة، بل أول من ابتدعها؛ فلعبت على وتر الظروف السياسية لتحقيق أقصى استفادة، بالتوازي مع استغلال مناخ الانفتاح الاقتصادي لتأسيس شركات الواجهة وجني الأموال لصالح أنشطتها، بل واستغلال أنصارها أنفسهم لجني التزام مالي دائم.
وفي الحلقة الثانية من دراسة حديثة عن التنظيمات المتطرفة، نركز على نقطتين رئيسيتين؛ الأولى تطور الجماعات المتطرفة وظروف ازدهارها، والثانية هي ملف التمويل وجمع الأموال لإنفاقها على الأنشطة المختلفة.
وفي حلقات متتالية، تعرض "العين الإخبارية"، نتائج دراسة منير أديب الباحث المصري في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، تتناول صعود التنظيمات المتطرفة وتطورها ومنابع تمويلها وسبل المكافحة.
الدراسة تُناقش خطر التنظيمات المسلحة بعد قراءة الأصول الفقهية والتنظيمية التي ساعدت في نشأتها، ومصادر تمويلها، كما أنها تعقد مقارنة أو فصلا بين المجموعات المسلحة ذات الخلفية الشيعية مثل حزب الله اللبناني وفصائل الحشد الشعبي في العراق، وبين التنظيمات المتطرفة ذات الخلفية السنية مثل القاعدة و"داعش" والإخوان.
كيف استغلت الظروف؟
في مسألة تطور الجماعات المتطرفة على مر عقود، مرت أغلب هذه التنظيمات في المنطقة العربية بعدد من التحولات؛ جعلتها أكثر انتشارًا وربما استفادت من الظروف السياسية التي تعاقبت على الشرق الأوسط.
الدراسة أوضحت أن "ضعف بعض الأنظمة السياسية ساعد في وجود أكبر لهذه التنظيمات؛ ويُضاف لهذا أن التنظيمات مرت بتحولات داخلية جعلتها أكثر شراسة في التعامل مع الأنظمة السياسية؛ فالتنظيمات المتطرفة تزداد تطرفًا مع الوقت".
وتابعت "بعض التنظيمات المتطرفة استغلت الظروف السياسية التي مرت بها المنطقة في العام 2011 على خلفية ما سُمي بربيع الثورات العربي، والبعض الآخر ساعد في صناعة هذه الظروف.. ولا شك أن الهدف من وراء ذلك هو القفز على السلطة والوصول إليها".
الأكثر من ذلك، سمحت بعض الأنظمة العربية بوجود بعض هذه التنظيمات، كما سمحت لهم بالمشاركة السياسية أو بالوجود العسكري، حتى باتت أمرًا واقعًا مفروضًا، وباتت هذه التنظيمات جزءا من التركيبة الاجتماعية والسياسية لعدد من البلدان، وهنا بات خطر هذه التنظيمات مرئيًا ومسموعًا، وفق الدراسة.
وضرب الباحث مثالا بجماعة الإخوان الإرهابية التي سٌمح لها بالمشاركة السياسية في مصر، "فخاضت عددا من الانتخابات البرلمانية ومن قبل دخلت انتخابات النقابات المهنية، كما سمح بالتمثيل من مراكز الشباب واتحادات الطلاب في المدارس والجامعات، وهو ما أدى في النهاية إلى وصول التنظيم إلى السلطة في عام 2012".
وحاول الباحث تفسير هذه الاستراتيجية، وقال "هدفت السلطة من وراء مشاركة الإخوان، السياسية، لتهذيب الجماعة، بمعنى فتح منافذ من المشاركة السياسية حتى تبتعد الجماعة تمامًا عن استخدام العنف، كما حاولت أن تقدمها في قالب سياسي"، لكن النتائج كانت عكسية، حيث أسفرت هذه الاستراتيجية عن "تنفيذ عدد ضخم من العمليات الإرهابية داخل وخارج البلاد، كما مثلت أداة ضغط كبيرة على الأنظمة العربية".
الدراسة ذكرت أيضا أن "الإخوان حلمت بالسلطة ووصلت إليها في مصر، ثم رفضت تركها، واستخدمت العنف بصورة كبيرة من أجل أن تحتفظ بها رغم الثورة عليها، ونسقت في ذلك مع الجماعات المتطرفة الأخرى، وبالتالي بات وجودها هو مصدر تهديد للمنطقة بأكملها بل والعالم".
وتابعت: "صحيح أن تهديد الإخوان لبعض الدول وبخاصة الأوروبية لم يكن التهديد الأول، ولكنه يظل تهديدًا، والأخطر أن بعض الدول استخدمت هذه التنظيمات كجماعات تمرد مسلح من أجل تحقيق أهدافها".
ملف التمويل
هناك عدة مصادر لتمويل التنظيمات الإرهابية، بعضها مصادر تمويل ذاتية، وبعضها يأتي عبر السرقات والإغارة على ممتلكات الآخرين، وهناك أموال تحصل عليها هذه التنظيمات دعمُا من بعض الدول وأجهزة استخباراتها، والتي تهدف إلى تعويمها ومن ثم الاستفادة من وجودها، أو من الدور الذي تلعبه.
أغلب الجماعات المتطرفة تفرض ضريبة على دخل أعضائها، يُطلق عليها داخل الإخوان "سهم الدعوة" وهي تُقدر بقرابة 2% وتصل إلى 5% وهناك تبرعات استثنائية ودائمة ترتبط بأي نشاط للجماعة، وفق الدراسة.
وبالتالي تصل حصيلة هذه الأموال إلى مئات الآلاف من الدولارات، فضلًا عن وجود شركات تُجارية باسم تنظيم الإخوان، ولكن يُشرف على بعضها أشخاص قد لا ينتمون إلى الإخوان وبعضهم قد يكون مسيحيًا، بهدف الهروب من المراقبة الأمنية؛ ومن ثم المصادرة.
ولفتت الدراسة إلى أن الإخوان تهدف إلى تنويع مصادر الدخل التي تنفق منها على أنشطتها وفعالياتها.
كما أن الجماعة دخلت سوق الاستثمار في العملات المشفرة، وبدأت تُرسل مئات الملايين من الدولارات لاستثمارها خارج حدود القطر الذي تتواجد فيه حتى لا تقع أسيرة المصادرة، وحتى يكون هناك متسع من ممارسة كل أنشطتها طالما توافرت الأموال، وفق الدراسة.
الدراسة عادت وفندت مصادر التمويل عبر تقسيمها إلى دائمة وغير دائمة، وذكرت أن "هناك مصادر تمويل دائمة، وهي أموال يتم جمعها بشكل مستمر من أعضاء التنظيم، وهي مقدرة بنسبة، وقد ترتبط بحاجة التنظيم أيضًا، وهناك استثمارات خاصة بالتنظيم، غالبًا غير معلنة، ولكن يُنفق منها على الأنشطة؛ العلنية وغير العلنية".
وتابعت "يبقى المال رافدا مهما لهذه التنظيمات، لا يمكن للتنظيم أن يكون له نشاط أو أن يتحرك بدون الأموال، ولذلك تبقى حركة الأموال أحد الروافد المهمة والإمدادات التي لابد أن توفرها هذه التنظيمات أو تؤمن وجودها".
بعض الجماعات التي يسمح لها بممارسة الأنشطة العلنية في بعض البلدان، قد تستخدم المناخ السياسي الذي يسمح بتواجدها من أجل جمع التبرعات، وبالتالي تُعتبر هذه التبرعات أحد أهم مصادر الدخل الرئيسية.
وتفصيلا، تجمع بعض الجماعات تبرعات تحت عناوين ترتبط بالصدقة والزكاة أو من أجل دعم الشعب الفلسطيني، وبعدها يتم خلط هذه الأموال، واستخدامها في دعم الأنشطة التنظيمية للجماعات المتطرفة، على حد قول الدراسة.
وكثير من الدول لا يوجد بها قوانين تنظيم عملية جمع هذه الأموال؛ وهذه مشكلة كبيرة، فطالما هناك أموال يتم جمعها فسوف تُحافظ هذه التنظيمات على بقائها، وبالتالي لا يمكن القضاء عليها دون وقف مصادر تمويلها أو كشفها على الأقل.
الأكثر من ذلك، تقول الدراسة إن "بعض الجماعات المسلحة في بعض البلدان تُسيطر على بعض موارد الدخل، كما أنها تتلقى تمويلات خارجية وتؤثر على الاقتصاد الوطني للدولة، وربما يكون ذلك بهدف إرغام الدولة على قبول بعض طلباتها".