الشخصية النرجسية.. خطر على الصحة النفسية والجسدية
صاحب الشخصية النرجسية دائما ما يرسم صورة عن نفسه تملؤها العظمة والفوقية، ويكون في حاجة للأضواء طوال الوقت.
القدرة على تقديم النفس، الاهتمام بأدق التفاصيل الشخصية بدافع حب الذات أو الأنانية والسعي بشكل متواصل لتلبية كل الاحتياجات والرغبات، إنها مميزات الشخصية النرجسية التي ربما تكون الوحيدة في هذا النوع من الشخصيات التي تعاني من مشكلات نفسية وعضوية.
فدائما ما يرسم صاحب الشخصية النرجسية صورة عن نفسه تملؤها العظمة والفوقية، ويكون في حاجة للأضواء طوال الوقت، وينظر للآخرين على أنهم دمى يقتصر دورهم على إشباع حاجاته ورغباته، كما أنه يتقبل بصعوبة الانتقادات التي توجه له أو الآراء المغايرة لمعتقداته.
وتعد هذه أهم سمات الشخصية النرجسية، وفقا لخبير الصحة النفسية فيدل استايري، أحد أعضاء رابطة "الأطباء النفسيين بمدريد".
ولا تبتعد الصورة التي ترتبط في أذهان العامة عن الشخصية النرجسية عن التوصيف العلمي، فهو هذا الشخص المغرم بنفسه، وإن كان الخبير يزيد على ذلك أنه "يعاني عجزا في تقبل الآخرين وصعوبة في التأقلم مع أشخاص آخرين، ما يجعله يشعر على المدى البعيد بالعزلة والوحدة".
ولا يتسامح النرجسيون مطلقا مع الإحباط أو أي موقف لا يتوافق بالكامل مع توقعاتهم، ويعانون من صعوبة في الشعور بأحاسيس مثل التعاسة والحاجة العاطفية والضعف، ويقيمون المواقف على مبدأ كل شيء أو لا شيء، ولا يدركون مشاعرهم الحميمة وحاجاتهم العميقة على نحو جيد.
ووفقا للخبير فإن النرجسي هو شخص توقف تطوره النفسي عند مرحلة الطفولة، والتي يدور فيها الكون حول رغباته الشخصية.
ويقول الخبير إن المشكلة تظهر عندما لا تنجح شخصية الطفل في تجاوز تلك المرحلة، إما لمشكلات الهجر والإهمال أو الفتور العاطفي للأهل أو شعوره بأنه منبوذ، الأمر الذي يصيبه بـ"جمود" في القدرة على التطور نحو النضوج.
ويتابع: "الشخص النرجسي هو طفل لم تحترم مشاعره، والصعوبة التي يواجهها في التعامل مع مشاعر مثل خيبة الأمل يفسرها الافتقار إلى الدعم العاطفي".
وإلى جانب المشكلات التي تعاني منها الشخصية النرجسية في إقامة علاقات مع الأشخاص وفي محيط العمل والأسرة وأعراض الاكتئاب والعوز العاطفي، قد يتعرض هؤلاء الذين يعانون من نرجسية مبالغ فيها أو مرضية لآثار سلبية على صحة الرجال.
وقد كشفت دراسة أجراها الطبيبان النفسيان سارا كونراث بجامعة ميتشجان وديفيد رينهارد بجامعة فيرجينيا عن أن الذكور الذين يعانون من النرجسية قد يتعرضون لمشكلات صحية، إلى جانب تلك التي يعانون منها في علاقاتهم.
وشمل البحث دراسة 106 طلاب من الجامعة، والدور الذي تلعبه النرجسية والنوع في زيادة نسب الكورتيزول، الهرمون الذي يمكن قياسه بعينة في اللعاب، وهو مؤشر على التوتر النفسي.
مشاكل صحية
وتم قياس نسبة هرمون الكورتيزول لدى المشاركين في الدراسة في موقف لا يتعرضون فيه لضغط لأن مستوى هذا الهرمون قد يشير إلى مدى تأهب نظام الاستجابة للتوتر، الذي يطلق عليه اختصارا بالإنجليزية "HPA"، والذي يؤثر سلبا على الصحة، ويزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
ولتقييم النرجسية لدى المشاركين، وجه لهم القائمون على الدراسة مجموعة من الأسئلة تكشف 5 من أبرز ملامح الشخصية.
ويقول رينهارد "رغم أن النرجسيين يكوّنون صورة معظمة عن أنفسهم، فإن لديهم رؤية سلبية عن ذواتهم، وكثيرا ما يلجأون للهجوم عندما يشعرون بأن فوقيتهم معرضة للخطر، هذا النوع من الاستراتيجيات الدفاعية يرتبط بارتفاع ضغط الدم".
ورصد القائمون على الدراسة ارتباط الجوانب الأسوأ للنرجسية بمعدلات مرتفعة من الكورتيزول بين الذكور المشاركين دون الإناث.
وأشارت كونراث "هذا يعني أن مستوى تأهب نظام الاستجابة للتوتر قد يظل مرتفعا بين الرجال الذين يعانون من معدلات نرجسية مرضية، حتى دون وجود عامل توتر واضح".
وتابعت: "هذا قد يكون نابعا من أن هؤلاء الرجال يمثلون أدوارا جنسية نمطية، مثل ضرورة أن يكون الذكر متعجرفا ومهيمنا، وهو ما قد يُشعر النرجسيين بالضغط الشديد".
وعلى صعيد آخر، اكتشف باحثون بجامعة ويسترن إلينوي بالولايات المتحدة علاقة بين عدد من الأصدقاء على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ودرجة النرجسية التي يعاني منها صاحب الحساب.
وكشفت الدراسة، التي أجريت على أشخاص تتراوح أعمارهم بين 18 و65 عاما، عن أن هؤلاء الذين يعانون من اضطرابات متعلقة بالنرجسية يكون لديهم عدد أكبر من الأصدقاء على الشبكة الاجتماعية، ودائما ما يحدّثون حساباتهم.
ووفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية، التي نشرت الدراسة التي قادها الدكتور كريستوفر كاربنتر، "فإن هذا هو الدليل الأول على وجود علاقة مباشرة بين كمية الصداقات على شبكة التواصل الاجتماعي ومستوى النرجسية في الشخصية".
مزايا مؤقتة
ورغم ذلك، فللنرجسية مزايا مؤقتة، فالأشخاص النرجسيون قادرون على التألق في مقابلات العمل، نظرا لأنهم قادرون على تقديم أنفسهم بأريحية كبيرة، وكذلك إقناع مسؤول الموارد البشرية، وفقا لدراسة بجامعة نبراسكا بالولايات المتحدة.
واستند هذا البحث على تسجيلات لمحاكاة مقابلات عمل وعلى خبراء متخصصين في المقابلات صنّفوا تسجيلات المتقدمين بطلبات الالتحاق بالعمل، حيث حصل النرجسيون على درجات أعلى بكثير مقارنة بغيرهم رغم عدم وجود فارق كبير في المؤهلات بينهم.
ويقول أحد القائمين على الدراسة، أستاذ الإدارة بيتر هارمز: "مقابلة العمل هو مجال يحبذ فيه الحديث عن الذات، إنه الأمر المنتظر، هؤلاء الذين يقومون بذلك بأريحية يحققون نتائج أفضل مقارنة بغيرهم".
ووفقا للعلماء، فإن من كان يتحدثون كثيرا ويستخدمون تكتيكات مثل الابتسام والإيماءات والثناء على الآخرين حصلوا على تقييمات أعلى من قرنائهم الذين لم يستخدموها بشكل واسع.
وأشار هارمز إلى "عدم وجود ما يثبت أن النرجسيين يعملون بقدر أكبر أو أقل مقارنة بالآخرين، ولكن الخبراء يعرفون أنهم قد يكونون هدامين عندما يتعاملون مع الآخرين بشكل منتظم، مؤكدا أهمية أن يعي من يجري المقابلة تكتيكات النرجسيين".
ومن جانبهم، أوضح الأطباء النفسيون في مدريد أن "الشخص النرجسي يتمتع بآليات دفاع قوية وقدرة كبيرة على الاندماج في المجتمع".
وتابع: "وعندما يمنحه محيطه جرعة دعم، من الصعب للغاية أن يقر بمشكلته ويخضع للعلاج".