سيظل التعليم والارتقاء به وسبل تطويره هو الشغل الشاغل والأولوية الدائمة على طاولة الساعين إلى تطوير أوطانهم
سيظل التعليم والارتقاء به وسبل تطويره هو الشغل الشاغل والأولوية الدائمة على طاولة الساعين إلى تطوير أوطانهم، كما أن الإيمان بأن التعليم هو القاطرة التي تقود كافة عربات التنمية، سواء الاقتصادية أم الثقافية أو الاجتماعية، هو إنجاز كبير في حد ذاته، لأن تلك الرؤية الواضحة لها ما بعدها في الاهتمام به، ورصد الميزانيات لترقيته والبحث الدائم عن سبل تطويره بكافة مكوّناته وحلقاته، سواء من يتلقى أم من يُلقي، والمحتوى وسبل توصيل المعلومة والهدف منها وكيفية الاستفادة من مخرجاته.
إن تحديد الطريق القويم في تقديري هو نصف الجهد، والإجراءات المُتخذة من خلال الخطط الموضوعة هي النصف الآخر.
من هنا كان الاهتمام الدائم من القيادة الرشيدة للدولة، منذ عقود وإلى الآن، بالتعليم بمراحله كافة، خاصة مرحلة التعليم العالي والتي اعتمد مجلس الوزراء خطته الوطنية الأسبوع الماضي، وكشفت الوزارة بعضاً من تفاصيلها والتي تتضمن أربعة محاور رئيسية هي: الجودة من خلال دعم مؤسسات التعليم العالي للتنافس عالمياً، من خلال تطبيق معايير اعتماد عالية الجودة، وتوفير حوافز للمؤسسات، وتأهيل هيئة تدريس مميزة.
ثم الكفاءة، والتي تهدف للوصول إلى مؤسسات تعليم عالٍ ذات إنتاجية عالية، ومعدل استكمال عال للطلبة، وبرامج أكاديمية متكاملة مدعومة بآليات تمويل فعالة.
ثم الابتكار عبر تطوير بيئة محفّزة للبحث العلمي تؤهل وتستقطب أفضل الباحثين، كما توفر تمويلاً تنافسياً يركز على تحقيق نتائج بحثية مؤثرة تسهم في رفد اقتصاد معرفي.
من يتفحص ملامح الخطة الوطنية للتعليم العالي يدرك أنها لا تخص قطاعاً بمفرده أو أن وزارة واحدة هي المعنية بتنفيذها؛ لكنها تتطلب تكافل كافة المؤسسات والهيئات والقطاعات الوطنية في تحمل مسؤوليتها الوطنية في مجال يحدد لنا صورة المستقبل الذي يواجهنا ومكاننا فيه.
وأخيراً المواءمة من خلال إعداد جيل من الخريجين مؤهل للتنافس في سوق العمل بقطاعَيْه العام والخاص؛ من خلال بناء الشراكات مع القطاع الخاص في جميع مراحل التعليم العالي، وتصميم وطرح البرامج والتدريب.
ولا شك أن هذه مفاصل شديدة الأهمية للارتقاء بمنظومة التعليم العالي، وخاصة أن تحديد المعايير، التي يجب أن تعمل مؤسسات التعليم العالي من خلالها، والأهداف التي يجب تحقيقها بمثابة محددات طريق، تجعل من كافة العناصر الفاعلة تعمل في إطار من التناغم والتكامل، كما أنه من الأهمية بمكان مواءمة المعايير المعتمدة لتلبي حاجة وطنية.
من هنا جاءت مبادرة إطار الجودة الوطني، والتي تهدف إلى تطوير معايير وطنية مرنة، وقادرة على فهم الاحتياجات المحلية والنماذج البديلة، مع وضع نظام فعال لضبط الجودة، وشفافية تصنيف المخرجات من خلال تطوير آلية لتصنيف المؤسسات حسب مقاييس أساسية للجودة، ونشر تقاريرها بصورة شفافة، ولا شك أن لذلك مردوده الإيجابي على تطبيق المعايير ذاتها، فضلاً عن إيجاد مناخ تنافسي بين المؤسسات التعليمية بعضها البعض، الأمر الذي سيجعل من التهاون في تلك المعايير كالذي يغرّد خارج السرب.
كما أن إطلاق مجلس للقطاع الخاص، والذي يهدف إلى تنظيم مساهمة سوق العمل، وتحديد احتياجات التوظيف، وتصميم الخبرات المهنية المتميزة، وتوفير الدعم للأبحاث، سيكون حلاً لكثير من الإشكاليات التي يواجهها الخريج في سوق العمل، فمن غير الممكن أن يكون هناك طرف مهم وأصيل ومتأثر بمخرجات العملية التعليمية بعيداً عن حلقاته الأساسية، كما أن لدورهم أهمية في تحديد المسارات التي يحتاجها سوق العمل لكي يتم تأهيل الخريج له، فضلاً عن تحديد التخصصات التي تلبي حاجة أساسية لسوق العمل.
كما أن مضاعفة أعداد طلبة الدكتوراه ثلاث مرات من خلال زيادة دعم تمويل الدراسات العليا، وتعزيز جاذبية التعليم العالي وربطه بإمكانية الحصول على فرص عمل أفضل، من شأنها بناء منصة بحثية قادرة على التعامل مع التحديات التي تواجه التنمية الوطنية وإيجاد الحلول لها من منطلق وطني، وتكريس الجناح الثاني لمؤسسات التعليم العالي وهو البحث، باعتبار أن مؤسسات التعليم العالي هي بيوت للخبرة ومراكز للبحوث، فضلاً عن الدور التعليمي أو التدريسي.
يعزز ذلك التمويل البحث التنافسي، والذي يهدف إلى تأسيس منصة لتوفير التمويل اللازم للأبحاث ضمن القطاعات الحيوية، وتحفيز التعاون بين مؤسسات التعليم العالي والقطاع الخاص، وهو الأمر الذي يجسّر لشراكة بحثية مؤسساتية فاعلة بين مؤسسات التعليم العالي وبين القطاعات الحيوية في مختلف القطاعات، ويجعل من الارتقاء بالبحث العلمي مسؤولية مجتمعية، خاصة أن كثيراً من المعضلات والتحديات التي تواجه المؤسسات العاملة يجب أن تأتي في صدارة اهتمامات البحث في الجامعات، وتستكمل الخطة الوطنية حلقاتها من خلال التركيز على البرامج عالية القيمة، وزيادة استخدام التعليم الإلكتروني، وإطلاق بوابة وطنية تسهم في توجيه الطلاب وتمكينهم من التسجيل عبرها في المؤسسات التعليمية، وتوفر الإرشاد الوظيفي، وموارد التدريب، ومعلومات عن الفرص المتاحة في سوق العمل، والمجالات التطوعية في الدولة.
إن من يتفحص ملامح الخطة الوطنية للتعليم العالي يدرك أنها لا تخص قطاعاً بمفرده، أو أن وزارة واحدة هي المعنية بتنفيذها لكنها تتطلب تكافل كافة المؤسسات والهيئات والقطاعات الوطنية في تحمل مسؤوليتها الوطنية في مجال يحدد لنا صورة المستقبل الذي يواجهنا ومكاننا فيه.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة