الملف النووي الإيراني هو قميص عثمان، رضي الله عنه وأرضاه، استخدمه الأمويون لأغراض سياسية
يقول الحكماء: "بين المعلومات يضيع العِلم، وبين العلوم تضيع الحكمة"، والواقع الذي نعيشه تتدفق فيه المعلومات مثل السيل العرمرم، فتتركنا نفتش عن العِلم والحكمة.
فالمراقب المحايد للمشهد السياسي في الشرق الأوسط يلاحظ أن ملف إيران النووي يُفتح ويُغلق في أوقات معينة، ويتم تبريده وتسخينه بنفس الطريقة، نحن لا نعرف الأسباب الكامنة وراء هذه التقلبات، ولكن نشاهدها، وسريعاً ما نتخذ منها مواقف عاطفية، إما بتمني أن يتم الضغط على إيران لتحجيم خطرها، ومنع شرورها، ووقف عدوانها غير المبرر على الدول العربية، وإما صب الغضب على الدول الغربية الداعمة لإسرائيل المعادية لمن يعاديها. وفي كلتا الحالتين يكون الموقف مبنياً على المعلومة، وعلى ظاهر الأمور، ونتائج قرارات الغير.
إن عمائم المراجع الذين يجمعون عشرات المليارات من البسطاء لإنفاقها على إثارة الفتن في اليمن وسوريا ولبنان والعراق وكل دول أفريقيا جنوب الصحراء أشد خطراً على الأمن القومي العربي في اللحظة التاريخية الراهنة من السلاح النووي المتوقع حصول إيران عليه.
والحقيقة التاريخية الأولى تقول لنا إن قيام الثورة الإسلامية الإيرانية كان برضاء من الغرب، فطائرة فرنسية حملت زعيم الثورة إلى طهران، وإيران لم تكن يوما خطراً على الغرب أو إسرائيل، حزب الله حرر بيوت أتباعه من الاحتلال الإسرائيلي، ولم يقدم لفلسطين طلقة واحدة، بل قدم لها ملايين الكلمات والشعارات والهتافات.
الاتفاق النووي مكّن إيران من الحصول على أكثر من أربعين مليار دولار نقدا من أموالها المجمدة في الولايات المتحدة؛ تم تحويلها خارج النظام المصرفي الدولي، لنقلها خارج النظام المصرفي الدولي من إيران إلى اليمن وسوريا ولبنان وكل ربوع أفريقيا.
والحقيقة التاريخية الثانية تقول لنا إن السلاح النووي سلاح دفاعي، ولم يستخدم، ولن يستخدم كسلاح هجومي، والعرب لن يهاجموا إيران، وإيران لن تهاجمهم، وتعتدي عليهم بالسلاح النووي، بل بالأسلحة التقليدية، لذلك مشكلة العرب مع إيران في ترسانتها من الأسلحة التقليدية، والصواريخ الباليستية، التي تم تهريبها إلى اليمن، وسيتم تهريبها إلى مناطق أخرى، لذلك فإن السلاح النووي لا قيمة له عند العرب سواء ملكته إيران أم لم تملكه، ولننظر إلى حالة باكستان لندرك قيمة السلاح النووي، وأنه لا يعدل ميزان القوى في المواجهات التقليدية.
والحقيقة التاريخية الثالثة تقول إن السياسة الدولية لا تعرف العمل الخيري، وإن إثارة الملف النووي الإيراني له علاقة بمصالح المتنازعين حوله، وليس من الضروري أن تتطابق مصالحهم مع مصالح العرب، مصالح العرب تتمثل في وقف إيران عن التدخل في شؤون دول الجوار، وتصدير الثورة، وخلق مليشيات، وجماعات مسلحة خارج إطار مؤسسات الدولة، وعدم توظيف الطائفية السياسية لتفكيك الدول العربية، هذه هي مخاطر إيران المباشرة على الدول العربية في الوقت الحالي، وفي المدى القصير والمتوسط، أما السلاح النووي فقد يكون خطرا متوهما على المدى البعيد.
إن عمائم المراجع الذين يجمعون عشرات المليارات من البسطاء لإنفاقها على إثارة الفتن في اليمن وسوريا ولبنان والعراق وكل دول أفريقيا جنوب الصحراء أشد خطراً على الأمن القومي العربي في اللحظة التاريخية الراهنة من السلاح النووي المتوقع حصول إيران عليه في عالم الغيب وقادم الأيام.
إن الملف النووي الإيراني يُثار الآن وبهذه الطريقة للابتزاز بكل ما تعنيه الكلمة، تبتز به واشنطن الدول العربية، وتبتز به إسرائيل واشنطن، وتبتز به الدول الغربية روسيا، وتساوم به روسيا الدول الغربية، وتبتز به روسيا إيران.
سوف تضطر الدول العربية إلى دعم واشنطن في سوريا وغيرها لدفعها لمزيد من الضغط على إيران، وسوف تقوم روسيا بإجراء مساومات مع أمريكا في سوريا لتتنازل أمريكا في سوريا مقابل دعم روسيا لها في الملف النووي الإيراني، بحيث تستخدم كل من موسكو وواشنطن الملف النووي ورقة في مساومات تقسيم الكعكة السورية، أمريكا تحتاج روسيا ودعمها في مواجهة إيران، وروسيا في المقابل مستعدة لتقديم تنازلات في الملف النووي الإيراني مقابل تنازلات أمريكية في سوريا.
وستكون الرابح الأكبر كالعادة في موضوع الملف النووي الإيراني هي روسيا، لأنها ستوظفه للحصول على تنازلات من أمريكا، ولكن في نفس الوقت سيكون هو الورقة الحاسمة في الصراع القادم بين روسيا وإيران على اقتسام النفوذ في سوريا، ستضطر إيران إلى التنازل في سوريا حتى تحافظ على الدعم الروسي لها في الملف النووي الذي تحوّل من موضوع تكنولوجي إلى رمز لكرامة النظام الإيراني والأمة الفارسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة