مسيرة "حق العودة الكبرى" التي انطلقت من غزة هدفها إثبات حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم
مسيرة "حق العودة الكبرى" التي انطلقت من غزة في ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من شهر آذار الماضي؛ باتجاه الخط الفاصل وبالتزامن مع مرور سبعين عاماً على النكبة التي شاركت فيها كل القوى الوطنية الفلسطينية، هدفها إثبات حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم؛ استناداً إلى قرار هيئة الأمم المتحدة رقم 194 ومحاولةً من الشعب الفلسطيني التصدي لقرار ترامب الذي اعتبر القدس عاصمة لإسرائيل، وعلى الرغم من إعطائها الطابع السلمي لمسيرة العودة إلا أن إسرائيل اعتبرتها بمثابة حرب جديدة.
المحاولات العديدة التي سعى إلى تحقيقها الصهاينة بمساعدة الأوروبيين هي إزالة مشكلة اللاجئين من خلال محاولات توطينهم أو تهجيرهم إلى بلدان أوروبية عديدة، هذه المحاولات باءت بالفشل لأن الشعب الفلسطيني أدرك أن هذه المحاولات تستهدف طمس مشكلة اللاجئين
ويشكل القرار الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الحادي عشر من شهر ديسمبر عام 1948م، بعد يوم واحد من تبنيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حجر الزاوية في المطالبة الدولية بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، هذا القرار الهام الذي تحاول إسرائيل الالتفاف عليه، والذي سجلت محاولاتها هذه بعض النجاح ينبغي أن نتذكره وندعمه بشكل خاص يومي 16- 17 من شهر سبتمبر من كل عام، إنه مرتبط ببرنادوت وسيط الأمم المتحدة من أجل فلسطين الذي اغتالته عصابات صهيونية تحظى بدعم رسمي من إسرائيل، وكان رأيه في ضرورة عودة اللاجئين إلى ديارهم أحد أهم أسباب اغتياله.
تمتع برنادوت كأول وسيط تعيّنه الأمم المتحدة في تاريخها لكن دوره كوسيط لم يستمر إلا أقل من أربعة أشهر في 20 مايو 1948م صدر القرار بتعيينه وفي17 سبتمبر 1948م كان اغتياله، واستطاع برنادوت إقامة نظام لمراقبة الهدنة، وكان هذا النظام هو النداء الأول لإقامة الهدنة عام 1949م إلا أن النجاح الأكبر لبرنادوت كان في بلورة حسه الإنساني بقضية اللاجئين الفلسطينيين عن طريق إقامة مؤسسة الأونروا، وحق سكان فلسطين في العودة إلى منازلهم دون تقييد واستعادة ممتلكاتهم بكاملها.
وقد سجل برنادوت انطباعاً عن مأساة اللاجئين بكلمات ذات أهمية كبرى قال فيها "عرفت كثيراً من مخيمات اللاجئين أنني لم أشاهد مناظر مأساوية تضاهي تلك المآسي التي شهدتها عيناي هنا في رام الله"، وفي 16 سبتمبر 1948م وقّع برنادوت خطته السلمية الثانية وتسربت أنباؤها إلى إسرائيل فرأت أنها ليست لصالحها، وهكذا كان اغتياله في اليوم التالي لتوقيعه عليها، ففي ظهر يوم 17 سبتمبر 1948م كان اغتياله في ذلك الجزء من القدس الذي تسيطر عليه إسرائيل.
قضية اللاجئين لم تغب عن المسرح السياسي منذ النكبة الأولى عام 1948م، والملاحظ أنها آخذةٌ في التفاعل والتصعيد بشكل يشير إلى خطورتها وخطورة ما يُرتب لها من حلول، خصوصاً إذا ما جاءت هذه الحلول كما هو مطروح بعيدة عن الحل الأقوى والأكثر وضوحاً لإيجاد العودة، ولم يكن عفوياً إرجاء البحث في قضية العودة إلى المرحلة النهائية من التفاوض مع الجانب الإسرائيلي.
ومن أبرز المشاريع الإسرائيلية لإنهاء مشكلة اللاجئين مشروع إيجال آلون ـ الذي طُرح عقب حرب 1967م ودعا إلى توطين اللاجئين في سيناء والدول العربية، ومشروع موشي ديان الذي حث على هجرة الفلسطينيين إلى أميركا الجنوبية مع تعويضات مادية لكل لاجئ يوافق على الهجرة، ومشروع شيمون بيريز الذي اقترح إقامة كونفدرالية فلسطينية أردنية، بالإضافة إلى مشروع شلوموجازيت الذي يرفض العودة.
أما المشروع الأمريكي الذي يتضمن مقترحات تتعلق بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم، وبخاصة في لبنان والدول التي تستضيفهم، فيحمل أبعاداً خطيرةً على مستقبل القضية الفلسطينية، حيث يعمل اللوبي الصهيوني في الإدارة الأمريكية على تسويق وطرح مشروع التوطين لتصفية القضية القومية بعد حل وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بذريعة عدم توفير الأموال، واعتبار المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن كل قضايا اللاجئين في العالم مما يؤهل اللاجئ مستقبلاً للحصول على جنسية البلد الذي يعيش فيه.
والإدارة الأمريكية تتنكر لمسؤوليتها المعنوية والعملية تجاه القرارات الدولية، وتتراجع عن التزاماتها السابقة بحيث تجاهلت قرار الأمم المتحدة الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، وما تخططه إسرائيل بعد اتفاق أوسلو أن يعيش اللاجئون أحراراً أينما يريدون وعدم العودة إلى البلد الذي غادروه وحسم وصفهم الشرعي في البلدان المضيفة مثل الأردن وسورية ولبنان أي ألا يكونوا لاجئين بعد.
الرؤساء الأمريكيون كانوا يطرحون قرار العودة كبعبع لتخويف إسرائيل كلما اختلفوا معها، ولكنهم في الواقع لم يتعاملوا مع موضوع حق العودة كمبدأ ثابت لا يمكن تجاهله والحياد عنه، وكان من نتيجة ذلك أن إسرائيل لم تنفذ شرطين أساسيين وُضعا لقبولها عضواً في المجتمع الدولي لهما أوثق صلة بقضية اللاجئين: أولاً قرار تقسيم فلسطين الصادر عام 1947م وثانياً قرار العودة الصادر عن الجمعية العامة عام 1948م، ومن المآخذ البارزة التي يأخذها المشرّعون على المفاوض الفلسطيني أنه تخلى عن المرجعيات الدولية في اتفاقية أوسلو وأحل الاتفاقيات التعاقدية محلها، وإسرائيل في هذا المجال تتمنى التحرر من ضوابط القرارات الدولية الملزمة لكي تستفرد بالسلطة الفلسطينية، وتجعل منها سلطة من دون شعب ولا أرض، وكان من الطبيعي أن تزداد مخاوف اللاجئين بعدما أعطت اتفاقية أوسلو الأولوية إلى نازحي عام 1967م.
والمحاولات العديدة التي سعى إلى تحقيقها الصهاينة بمساعدة الأوربيين هي إزالة مشكلة اللاجئين من خلال محاولات توطينهم أو تهجيرهم إلى بلدان أوروبية عديدة، هذه المحاولات باءت بالفشل لأن الشعب الفلسطيني أدرك أن هذه المحاولات تستهدف طمس مشكلة اللاجئين، وبالتالي اختفاء حق العودة المفصل الأساسي في القضية القومية.
الكيان الصهيوني حاول مراراً إغلاق هذا الملف بمساندة من الدول الأوروبية وأميركا، وذلك من خلال إفشاله المفاوضات التي كانت تؤدي إلى تحقيق العودة؛ ومن خلال مماطلته وتسويفاته وإقحام المفاوضين بضرورة الاعتراف بالكيان المصطنع، وهنا تكمن خطورة التعاطي مع مشاريع التوطين، فاللاجئون يريدون العدالة بينما الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية لا تأخذان العدالة والقوانين الدولية بالاعتبار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة