مجلس التعاون الخليجي وجد ليبقى، وسيظل المظلة الرئيسية للعمل الخليجي المشترك، وسيظل المؤسسة الخليجية الأبرز.
أنهت أول أمس "قمة الأمن الإقليمي" أعمال دورتها السنوية الـ14، وهي التجمع السياسي والأمني الأبرز في منطقة الشرق الأوسط، والتي تلعب دورا بارزا في طرح الأفكار وصناعة الحلول لكثير من المعضلات السياسية والأمنية التي تواجه المنطقة، وتنظمها سنويا وباقتدار وزارة الخارجية البحرينية بالتعاون مع المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وذلك بمشاركة عالمية واسعة تخطت هذه المرة حاجز الـ3000 مشارك من 25 دولة، من بينهم نحو 50 وزيرا ومسؤولا سياسيا وأمنيا وعسكريا بارزا، القمة المعروفة اختصارا بـ"حوار المنامة" عُقدت هذا العام في ظل ظرف سياسي إقليمي مختلف وبالغ التعقيد، حيث تحاصر المنطقة الكثير من الضغوط وتقبع كثير من دولها تحت وقع التهديد، وتواجه أهم دولها الكثير من التحديات، لذا كانت نقاشات هذا العام مختلفة عن الأعوام السابقة، سواء في نوعية القضايا المطروحة أو في الحلول المقترحة لهذه القضايا، وإجمالا يمكن القول إن قمة هذا العام حملت في طيات نقاشاتها مجموعة مهمة من الرسائل السياسية التي أرادت الأطراف الفاعلة في الإقليم إيصالها إلى كل من يهمه أمر المنطقة وكل المعنيين بمستقبلها، ويمكن الإشارة إلى أبرزها هذه الرسائل كما يلي:
جاءت كلمة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أمام القمة، لتحبط أحلام الجماعة ورعاتها الإقليميين والدوليين، حين أعاد التأكيد على بعض المسلمات التي حاول البعض تناسيها، فأكد أن الإخوان جماعة إرهابية، وأنها منبع الفكر الأساسي لتنظيمي "القاعدة" و"داعش" وغيرهما من التنظيمات الإرهابية
الرسالة الأولى والأبرز التي حملتها نقاشات القمة ومداولاتها أنه لا تصالح مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ولا حوار معها ولا عودة لها مرة أخرى لمصنع الأحداث في المنطقة، فبعض الأطراف الإقليمية الداعمة للإرهاب أرادت الصيد في ماء السياسة العكر هذه الأيام، وحاولت استغلال ظرف سياسي طارئ لترتيب أوضاع مستقبلية دائمة للمنطقة يكون الإخوان المسلمين جزءا منها بما يسمح بعودتهم مرة أخرى للمشهد السياسي في الدول التي أسقطت حكمها بوعي شعوبها، لكن جاءت كلمة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أمام القمة، لتحبط أحلام الجماعة ورعاتها الإقليميين والدوليين، حين أعاد التأكيد على بعض المسلمات التي حاول البعض تناسيها، فأكد أن الإخوان جماعة إرهابية، وأنها منبع الفكر الأساسي لتنظيمي "القاعدة" و"داعش" وغيرهما من التنظيمات الإرهابية، وتأكيده على أن بلاده "تعمل على القضاء على فكرهم التدميري مع شركائها بالمنطقة والعالم"، كلمة الجبير جاءت لتثبت أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأن الجماعة الإرهابية التي طوى التاريخ صفحتها بعد أن أسقطتها الشعوب التي عانت ويلات حكمها وتحكمها لن تعود أبدا إلى الواجهة تحت أي ظرف، ولن تكون عودتها أبدا مجالا لصفقة أو مساومة على حساب إرادة الشعوب التي أسقطتها.
الرسالة الثانية: أن مجلس التعاون الخليجي وجد ليبقى، وسيظل المظلة الرئيسية للعمل الخليجي المشترك، وسيظل المؤسسة الخليجية الأبرز، وسيبقى ركيزة مهمة للاستقرار الإقليمي، ولن تنال منه محاولات إحدى دوله لإثبات أن مقاطعتها كانت سببا في تجميده أو إضعافه، وهنا أجمعت كلمات وزراء خارجية السعودية والبحرين وسلطنة عمان على أهمية المجلس ومحورية دوره وأهمية ديمومته واستمراره وقدرته على تجاوز الأزمة التي تسببت فيها قطر وأدت إلى مقاطعتها، حيث أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن التنسيق العسكري لدول المجلس لم يتأثر بالخلاف مع قطر، مضيفا أن مجلس التعاون يبقى المؤسسة الأهم لدول الخليج، مشيرا إلى أنه يتم العمل على عدم تأثير هذا الخلاف على أعمال المجلس، وهو نفس ما ذهب إليه وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، الذي أكد أن بلاده لا تزال ملتزمة بجعل مجلس التعاون الخليجي ركيزة للاستقرار الإقليمي، فيما أكد الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عمان يوسف بن علوي أن دور مجلس التعاون لن ينتهي وأنه "بني ونشأ وتقوى ليبقى"، وأن الدول الأعضاء فيه حريصة عليه، وأن هناك ترتيبات لعقد القمة الخليجية كما هي العادة.
الرسالة الثالثة: أن القضية الفلسطينية عادت وبقوة إلى صلب النقاشات السياسية العربية بعد سنوات من تراجع الاهتمام بها تحت وطأة ما عانته الشعوب العربية منذ عام 2011، وما عانته الدول العربية ذاتها من محاولات تفتيتها وهدم مفهوم الدولة الوطنية فيها، وهنا شهد حوار المنامة، لأول مرة، حوارات صريحة وجادة وغير مسبوقة، ليس فقط حول القضية الفلسطينية وحدها، بل حول مجمل العلاقات العربية الإسرائيلية وآفاقها، بهدف إنهاء الجمود الذي لازم مسار المفاوضات السياسية منذ عدة سنوات، وصولا إلى حل عادل وشامل لهذه القضية ينهي معاناة استمرت لعقود، ولعل هذا ما تجلى بوضوح في كلمة وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية يوسف بن علوي التي قال فيها إن "الزمن الآن أصبح مناسبا للتفكير بجدية للتخلص من المشكلات التي لا تسمح لدول المنطقة بالتطور الذي تستحقه"، وتأكديه أننا "إذا سلكنا مسلك السلام في فلسطين ستدعمنا كل دول العالم، وإلا فسيبقى الشعب الفلسطيني يعاني من العنف"، بن علوى ربط بواقعية شديدة بين الاستقرار المنشود في المنطقة وبين حل القضية الفلسطينية، فأكد أن "قيام الدولة الفلسطينية المستقلة مطلب استراتيجي وبدونها لا يمكن تحقيق الاستقرار مطلقا"، معللا ذلك بأن "القضية الفلسطينية هي أساس المشكلات كلها التي حصلت خلال النصف الأخير من القرن الماضي، وأنه إذا لم نصل إلى حل جذري في فلسطين فلن ينعم الفلسطينيون بالأمن أبدا ولن تستقر المنطقة العربية كلها ولن ينتهي الإرهاب".
الرسالة الرابعة: أن إيران ستظل هي مصدر التهديد الأول لأمن واستقرار المنطقة، ومكمن الخطر الأبرز على دولها بتدخلها الفج في شؤون جيرانها، وبتغذيتها خطاب الكراهية في كثير من مناطق النزاع في الشرق الأوسط، وبدعمها للكثير من المليشيات الإرهابية المسلحة التي تنشر الفوضى والدمار في كثير من الدول العربية، وأنه لا مجال لإعادة ترتيب الشرق الأوسط دون مشروع عربي بدعم دولي لمواجهة مخاطر المشروع الإيراني بظلاميته وطائفيته، وأنه لا مجال لمواجهة الخطر الإيراني إلا بخلق منظومة أمن موحدة في المنطقة لمواجهة هذا الخطر الذي يستفحل يوما بعد يوم، وهنا كان تأكيد المشاركين في القمة على أهمية المضي قدما في إنشاء "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" المقترح بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية ومصر والأردن، والذي تقوم فكرته الأساسية على بناء درع قوية ضد التهديدات في منطقة الخليج العربي، على أن يكون مفتوحا للعضوية أمام مَن يقبلون مبادئه وأهدافه، وأهمها بالتأكيد تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ومواجهة أنشطة إيران الخبيثة الموجهة ضد المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة