خريف مالي أوروبي.. فرنسا بين تصويت الثقة وتهديد الأسواق

بين الضغوط المتزايدة على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وعودة التوتر السياسي إلى قلب أوروبا مع الحكومة الفرنسية، يجد العالم المالي نفسه أمام خريف اقتصادي محفوف بالمخاطر.
البنوك والمستثمرون والمتعاملون في الأسواق ينظرون بقلق إلى باريس، حيث قد يحوّل تصويت الثقة المرتقب مصير الحكومة إلى عامل إضافي في زعزعة ثقة الأسواق وزيادة كلفة الدين الفرنسي.
وحذر خبراء الأسواق من أن الأصول المالية الفرنسية قد تدخل في "منطقة اضطراب جديدة" خلال الأسابيع المقبلة، في ظل تصاعد القلق من الاضطرابات السياسية الداخلية، وتحديدًا مع اقتراب موعد تصويت الثقة الذي قد يحدد مستقبل حكومة فرانسوا بايرو، بحسب صحيفة "ليزيكو" الفرنسية.
تزامن ذلك مع تصريحات واضحة من رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، التي شددت في مقابلة إذاعية مع راديو كلاسيك على أن التطورات السياسية في فرنسا "تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد، وعلى تقييم الأسواق المالية للمخاطر السيادية، وهو ما يثير قلقًا بالغًا لدى البنك المركزي الأوروبي".
ارتفاع الفوارق بين السندات الفرنسية والألمانية
وقالت صحيفة "ليزيكو" الفرنسية، إن المؤشرات لا تبعث على الاطمئنان. فقد ارتفع العائد على السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات من 3.44% الأسبوع الماضي إلى 3.53% يوم الإثنين.
كما اتسع الفارق "السبريد" بين السندات الفرنسية والألمانية إلى 80 نقطة أساس، وهو مستوى يقترب من ذلك الذي سُجّل عند سقوط حكومة بارنييه العام الماضي (88 نقطة أساس).
ويرى المحللون في بنك "يوني كريديت" أن هذا الارتفاع يعكس ارتفاع كلفة المخاطر التي يفرضها المستثمرون على فرنسا، باعتبارها أكبر مُصدر للديون في منطقة اليورو خلال 2025.
تأثير الدومينو داخل أوروبا
ولم يتوقف الأمر عند فرنسا؛ فقد امتد القلق إلى دول أخرى تعتبر "الحلقات الأضعف" في منطقة اليورو، مثل إيطاليا، حيث ارتفعت علاوة المخاطر على ديونها 6 نقاط أساس الأسبوع الماضي.
الأسواق العالمية لم تكن أقل تأثرًا، إذ جاء مؤشر بورصة باريس بتراجع 3.3% خلال أسبوع واحد، أما المؤشر الألماني DAX انخفض بنسبة أقل (أقل من 2%)، أما مؤشر S&P 500 الأمريكي فقد بقي شبه ثابت.
البنوك الفرنسية في خط النار
في قلب هذه العاصفة، تجد البنوك الفرنسية نفسها الأكثر تعرضًا للتقلبات. ورغم محاولة كريستين لاغارد طمأنة الأسواق بقولها إن النظام المصرفي الفرنسي "قوي ومهيكل بشكل جيد"، إلا أن البورصة لم ترحم.
فقد فقدت مصارف كبرى مثل BNP باريبا، سوسيتيه جنرال، وكريدي أغريكول ما يقارب 10% من قيمتها السوقية منذ الإعلان عن تصويت الثقة في 25 أغسطس.
هذا التراجع أعاد للأذهان خسائر العام الماضي بعد حل الجمعية الوطنية، حينما عانت البنوك من تراجع مماثل بسبب المخاوف السياسية والمالية.
الخوف من خفض التصنيف الائتماني
رغم أن البنوك الفرنسية باتت أكثر تنويعًا جغرافيًا (حيث لا تمثل السوق الفرنسية سوى 26% من عائدات BNP، و41% لسوسيتيه جنرال، و45% لكريدي أغريكول)، إلا أن حيازتها الكبيرة من السندات الحكومية الفرنسية تجعلها رهينة للمناخ السياسي.
ويحذر المحللون في "سيتي" من أن الأزمة قد لا تكون في الأرباح المباشرة بقدر ما تكمن في "المناخ النفسي" العام، الذي قد يرفع تكلفة رأس المال ويؤدي إلى خفض التصنيف.
ووفقاً للصحيفة الفرنسية فإن الأنظار تتجه الآن إلى 12 سبتمبر، موعد قرار وكالة "فيتش" بشأن التصنيف الائتماني لفرنسا، والذي قد يكون نقطة مفصلية للأسواق والبنوك على السواء.
وأضافت أن تصويت الثقة في البرلمان الفرنسي لن يكون مجرد استحقاق سياسي داخلي، بل لحظة حاسمة قد تحدد ثقة الأسواق العالمية في فرنسا، وتؤثر على استقرار منطقة اليورو بأكملها.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOSA= جزيرة ام اند امز